السبت 18/10/1445 هـ الموافق 27/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
إستراتيجية الدبلوماسية الفلسطينية لعام 2016 !...م. زهير الشاعر
إستراتيجية الدبلوماسية الفلسطينية لعام 2016 !...م. زهير الشاعر

يبدو أن وزير الخارجية الفلسطيني د. رياض المالكي حرص كل الحرص على أن يعطي إنطباعاً إيجابياً حول نجاح زيارة وزيرة الخارجية الهندية  "سوشما سوراج" حيث عبر عن سعادته البالغة بزيارتها للأراضي الفلسطينية،  لربما لأنه نتج عن زيارتها الإتفاق على تشكيل لجنة وزارية مشتركة للمساعدة في تنفيذ العديد من المشاريع التنموية في فلسطين وهذا شئ لا غبار عليه ولربما أيضاً لإعطاء الزيارة هالة إعلامية وخاصة بعد الموقف الأخير للحكومة الهندية في مجلس حقوق الإنسان ، ليؤكد بأن لديه طاقة عالية في القدرة على التعبير عن سعادته في المواقف التي تخدم مصلحة بقائه في منصبه الذي إحتفظ به لمدة ثماني سنوات كأطول مدة  يمكث فيها وزير في هذا المنصب السيادي لدرجة توحي للمتابعين والمراقبين بأن هناك نصراً مبيناً قد تحقق أو أصبح على الأبواب على يديه ولا يمكن أن يتم بدونه! ، لذلك لا بد من قراءة متأنية وعميقة لتصريحات الوزير المالكي حول الزيارة وفيما يتعلق بإستنفار الدبلوماسية الفلسطينية وما يعنيه بإستراتيجيتها  لعام 2016:                                                                                                    

أولاً : بدأ الوزير المالكي خلال تصريحاته بالحديث عن وضع إستراتيجية كاملة للتحرك الفلسطيني في كافة المجالات والمحافل الدولية في عام  2016 وهذا شئ جميل، ولكن السؤال هو، يا ترى كم ستكون تكلفة تنفيذ هذه الإستراتيجية ومن الذي سيغطي هذه التكلفة وهل هناك خطوات فاعلة لضمان نجاحها أو حتى الحفاظ على العدد الموجود حالياً الذي تم الحصول عليه ما بين عام 2011 حتى عام 2014  بخصوص مواقف الدول الداعمة للتوجهات الفلسطينية في الأمم المتحدة، أم أن عام 2016 سيكون كما سابقه من إخفاقات دبلوماسية  كما حصل في زيارة رئيس دولة هندوراس للقدس الشرقية بدون التنسيق مع السلطة الفلسطينية وكما نتج من تناقص لعدد الأصوات المؤيدة لقرار الإعتراف بدولة فلسطين كدولة مراقب غير عضو  في الأمم المتحدة في عام 2012 وذلك أثناء التصويت لاحقاً من العام 2015 على قرار رفع العلم الفلسطيني في مقار الأمم المتحدة؟!.      

ثانياً : تحدث عن وضع استراتيجية حول التحرك الفلسطيني فيما يتعلق بمجلس الأمن ، فياترى ما هي العوامل التي يستند عليها بإستراتيجيته للتحرك إلى مجلس الأمن في ظل التحديات الدولية والإقليمية المعقدة وفي ظل سنة إنتخابية في الولايات المتحدة الأمريكية لا تستطيع فيها أن تقف إلى جانب أي قرار لصالح فلسطين أو حتى الإمتناع عن التصويت إن فرضنا جدلاً بأنها طرفاً محايداً لأن ذلك يعني خسارة ثقيلة لأصوات الناخبين الداعمين لإسرائيل، فهل ما يعنيه الوزير المالكي بذلك هو الذهاب من أجل تسجيل موقف والحصول على فيتو جديد يضاف لقرارات الفيتو السابقة لا يمثل سوى إستهلاك للوقت على حساب مستقبل شعب ينتظر وما فائدة ذلك في هذه الإستراتيجية ، لربما  لعمل ضجة إعلامية فقط مثلاً أم أنه نوع من الإثارة المكررة في إطار بروباجندا أثبتت فشلها الذريع وعدم مصداقيتها في الشارع الفلسطيني الذي يتطلع لأن يرى نتائج ملموسة ويشعر بتخفيف الأعباء التي يعيشها نتيجة أسره في سجن كبير إنتظاراً لعبث يتم بمستقبله بين الفترة والأخرى ومع كل بداية عام جديد بلغة جديدة هدفها التلاعب بعواطفه وتسكينه وتخذيره، فإلى متى سيستمر ذلك؟!.                                                                                                                  

ثالثاً :  تحدث عن الذهاب إلى الجمعية العمومية  بطريقة مظللة ومكررة وكأنه يتحدث بنفس اللغة السابقة التي تعني بأنه إن حصل هناك فشلاً في الحصول على قرار من مجلس الأمن وهذا هو الأكيد، سيحاول مرة أخرى في الذهاب إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة لطرح ما لديه للتصويت للحصول على قرار إضافي غير ملزم!،  ولكن لا أدري على ماذا في هذه المرة  سيكون التصويت، لربما للحصول على قرار يسمح بتجييش العالم لإرسال قواته لتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني مثلاً؟! ، أم لمجرد إلقاء خطاب رئاسي ناري كسابقاته يدغدغ مشاعر أبناء الشعب الفلسطيني ويعطيهم أملاً ينتظرونه لم يأتي بعد ومن الواضح بأنه لن يأتي في القريب؟!.                                                                                                                         

رابعاً : تحدث عن النية  لفتح تحقيق شامل في الجرائم التي تقوم بها دولة الاحتلال الاسرائيلي  ضد الشعب الفلسطيني في محكمة الجنايات الدولية! ، لا أدري ما الذي يعنيه بذلك ولكني سأكتفي بالطلب من قارئ هذه المقالة بالعودة لمقالة سابقة لي بعنوان "فهلوة ساعي البريد في دهاليز محكمة الجنايات الدولية" ومقالة أخرى بعنوان "اللجنة الوطنية وملف محكمة الجنايات الدولية" لكي يعرف القارئ  ما الذي يقوم به الوزير المالكي تحديداً في هذا الملف وما هي التحديات التي تواجهه ويعرفها جيداً، ومع ذلك لا زال يصر على بيع الوهم حول هذا الملف؟!.                                                                                                              

خامساً : فيما يتعلق بحديثه حول زيارة وزيرة الخارجية الهندية "سوشما سوراج" مؤخراً إلى دولة فلسطين بأن لها دلالة مهمة كونها الأولى لها في مطلع العام 2016، نود التوضيح بأنه لا شك بأن الزيارة مهمة في أي وقت ولكن زيارة من هذا النوع تكون مبرمحة مسبقاً حسب ما يسمح به جدول الوزير نفسه وبالتالي الأمر ليس مرتبطاً بتخصيص زيارتها الأولى بأول العام أو وسطه أو أخره لأنها ممكن أن تعود مرة أخرى في أي وقت قصير إن إستدعت الحاجة زيارتها للمنطقة مرة أخرى! ، علماً بأن وزيرة الخارجية الهندية تنتمي للحزب القومي الهندوسي "بهاراتيا جاناتا" الذي تربطه علاقات مصالح إستراتيجية ومتينة للغاية مع الجانب الإسرائيلي لا يمكن أن يقيم أي علاقات أخرى تكون على حسابها لعدة أسباب كما هو موضح في مقالة سابقة لي أيضاً بعنوان " ساري الهند وإبتسامة فلسطين" ، ولكن لربما أن مجيئها في هذا الوقت كان مرتبطاً بالأحداث الملتهبة في الضفة لمحاولة التدخل لدى القيادة الفلسطينية للعمل على تهدئة الشارع الفلسطيني إن أمكن ذلك!، وهذا يتنافى أيضاً مع محاولته التأكيد على أن وزيرة الخارجية الهندية أكدت له وقوف ما قام بتسميته بالخطأ دولة الهند وهي في الحقيقة جمهوية الهند وذلك مع القضية الفلسطينية في المحافل الدولية، وأن القضية الفلسطينة ستكون ضمن أولويات الحكومة الهندية!، حيث أن الحقيقة تقول بأن القضية الفلسطينية لم تعد كما كانت في سلم إهتمامات الحكومة الهندية ، وأن كل ما تم الحصول عليه عملياً هو التوصية بتشكيل لجنة وزارية ووعد بالمساهمة في تأسيس معهد دبلوماسي تابع لوزارة الخارجية الفلسطينية ، يعمل على تطوير العاملين في القطاع الدبلوماسي في فلسطين علماً بأن هذه الوزارة  لديها معهد قائم بالفعل منذ عام 2000 كما أن المعلومات تشير بأن المنحة الصينية التي غطت بناء مبنى وزارة الخارجية الفلسطينية الجديد غطت معه تأسيس معهد دبلوماسي تابع لهذه الوزارة ، مما يخلق تساؤلاً حول ماذا يعني ذلك؟، نترك الإجابة على ذلك للبحث والتدقيق والسؤال لمن يهتم ويريد المعرفة؟!.                                                          

 أخيراً كنت أتمنى أن تكون تصريحات وزير الخارجية الفلسطيني مرتبطة بالإهتمام بالوضع الداخلي وإنهاء الإنقسام الفلسطيني والوحدة الوطنية والعمل على البحث الجدي في معضلة فتح معبر رفع ورفع الحصار عن قطاع غزة والعمل على إيجاد حلول خلاقة للمشاكل المترتبة على هذا الحصار،  ولكن كما يبدو أن الله لا يغير ما في قومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الإسترتيجية الفلسطينية في عام 2016 لن تكون أفضل حالا من الأعوام السابقة إن بقي حالها أو إستمر الوضع أمامها كما هو!.