الجمعة 17/10/1445 هـ الموافق 26/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
رموز لا تقبل التشويه ... عبد الهادي شلا
رموز لا تقبل التشويه ... عبد الهادي شلا

 

 نتفق  مع علماء الجمال على أنه لا يمكن أن يكون هناك إبداع في عمل فني( لوحة-تمثال ) إن لم يكن فيه جديد و مثير و باعث على التفكير و ملفت إلى ناحية من نواحي الحياة نتعامل معها دون أن يضعنا المبدع أمامها وجها لوجه بصورة لم نألفها أو لنقل لم نلتفت إليها من قبل.

 

 

و يتفق النقاد أيضا على أن العناصر  التي هي من أدوات المبدع المعينة على تحقيق رؤيته وفكرته يجب لأن لا تكون مستغلة بشكل مهين لها بكثرة ترددها إن لم تكن موجودة في كل مرة بصورة جديدة و لها أثر مخالف لما سبق وإن كانت أحد عناصره.

 

و كما نقيس قطعة أدبية بما فيها من بلاغة وتناسق في العبارات وتوازن الجمل وكنايات واستعارات ترقى بها فإن هذا المقياس يسري أيضا على الفن الجميل من رسم و نحت و زخرفة وكذلك فن الجرافيك الذي إزدهر مع اقتحام البرامج التكنولوجية التي سيطرت على كثير من وسائل الإبداع وتكاد تحل محلها لولا أن الضرورة تحتم حتى الآن بقاء الإنسان المبدع في أعلى القيادة والسيطرة على توجهاتها الإبداعية بكل ما تحتوي من مساحات وبراعة في التنفيذ.

 

على مر الزمن استفاد الفنان التشكيلي وسخر كل ما وقعت عليه عيناه فرسمه في لوحة،أو جسده في قطعة نحتية فاستحضر لنا الجمال الكامن في الطبيعة وكذلك الكامن في النفس البشرية و صور لنا الحيوان والجماد وأصبغ  عليه لمسة الجمال التي ترتاح لها العين كلما رأتها وساعد الفنان على نقل كل الجمال في الخارج إلى داخل البيت و استقر به في لوحة على جداره أو في قطعة نحتية على قاعدة رخامية في ركن من أركانه.

 

ما نود لفت النظر إليه فيما يجري في الحركة التشكيلية هو ذلك الإستسهال إن لم يكن ( الإستخفاف ) ببعض الرموز التراثية والتاريخية في بلد ما و لا نريد أن نخصص لأن الحالة تتردد في أكثر من بلد عربي ،وكثرة إستخدامها في عدة صور و طروحات لا ننكر أن بعضها كان موفقا في مكانه ولكن كثرة إستخدامها ترك في نفس المتذوق شعورا بأننا لا نملك سواها وبات يستشعر نوعا من التسول في إسترضاء العامة  أو التقرب من أصحاب القرار لمنافع مادية إنعكست على قيمة هذه الرموز التي يصل بعضها حد أنها مقدسة و من غير المسموح الإستخفاف بقيمتها بل يجب أن يكون إستخدامها بصورة تليق بقيمتها التي تقدسها كل شرائح المجتمع و هو أمر لا شك سيرقى بالفنان و بالعمل الفني الذي تحتل فيها مكانتها الصحيحة.

 

ومن المؤكد أن الإصرار على طرح هذه الرموز الموروثة وبعضها من حضارات مؤثرة في التاريخ بهذا التكرار ( الفج ) قد أضر بقيمتها و بعض الذين تعاملوا معها أصابوها في مقتل وتشويه بجهالة مرة و وتحت مسميات إبتدعوها على أنها رؤية خاصة مرة أخرى!!

هذه النقطة بالذات لا يمكن أن تكون سليمة ولا صحيحة لأن بعضها يتحكم فيه الهوى والرغبة و من ناحية أخرى هو هروب من مواجهة جوهر الرموز الغني والثري الذي يمكن أن يرتقي بالفن و الفنان لو أحسن إستخدامه وتوظيفة.