الثلاثاء 21/10/1445 هـ الموافق 30/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
الاتفاق الأمريكي-الروسي،وتنازع الانتصارات!/بقلم د.عادل الاسطل

 كما يبدو، فقد بات مشروع الحرب الأمريكية ضد سوريا، على إثر الأزمة الكيميائية التي نشبت مؤخراً، فيما وراء الظهر في هذه الأثناء على الأقل، وذلك في أعقاب الاتفاق الأمريكي– الروسي، الذي توصل إليه يوم السبت الماضي وزيرا الخارجية الأميركية "جون كيري" والروسي "سيرغي لافروف" في جنيف، بعد موافقة دمشق منذ البداية على مقترح موسكو، الذي تمخّض عنه هذا الاتفاق، والقاضي بوضع الأسلحة الكيماوية السورية تحت الرقابة الدولية. وبالرغم من الترحيب الواضح من قِبل العديد من الدول الغربية كونه يزيل شبح الحرب ويُرغم النظام السوري على الإذعان للمطالب الدولية، بالتخلّي عن حيازة الأسلحة المحرّمة لدى الكتب الدولية، ويؤسس لمنطقة آمنة من الأسلحة الغير تقليدية، ومن جهة ثانية يؤدي الغرض المطلوب وهو إضعاف سوريا عسكرياً إلى الأبد، بغض النظر فيما إذا استمر نظام الأسد أو غيره. إلاّ أن هناك دولاً أخرى وأطرافاً داخلية، أعلنت عن خيبتها وعدم قبولها بالاتفاق، واعتبرت ذلك مكافأةً للنظام السوري، بسبب أنه سيؤدّي إلى إفلاته من العقاب، وبالتالي سيعمل على تكريس عمليات القتل ومضاعفة التهديدات الأمنية للمنطقة كافة وعلى رأسها إسرائيل. أيضاً، لم يقتنعوا بعد، بالتأكيدات الأمريكية، بأن الاتفاق ليس إلاّ (نقطة البداية)، وأن الإبقاء على الخيار العسكري لا بدّ أن يكون قائماً، وإلاّ لن تكون هناك قيود ثابتة ومستمرة، من أجل ضمان أن تقوم سوريا بتفكيك مخزونها من الأسلحة الكيماوية. بغض النظر عّما سبق بشأن الخلاف وتباين الآراء حول الاتفاق بشكله العام، نصوصه، أهدافه، مميزاته، تداعياته، البيئة التي نشأ بها، الأطراف المهتمّة .. إلخ..، فقد برزت جدالات متتالية بين أطراف الأزمة وعلى ذات صبغة جادة، لا تتوقف عند مسألة حل الأزمة سلمياً وحسب، بل تصل إلى ادعائها بالانتصار والإغراق في التفاؤل منذ الآن إلى فيما بعد. فبينما أعلن الرئيس السوري "بشار الأسد" بأن تسليم الكيميائي للأمم المتحدة، ليس مرتبطاً بالتهديدات الأمريكية، فقد أشادت الحكومة السورية باتفاق الأسلحة الكيماوية باعتباره جنّبها ضربات عسكرية أميركية، ووصفته بأنه (انتصار مُبرم)، حيث قال وزير الدولة السوري لشؤون المصالحة الوطنية "علي حيدر" إن الاتفاق الروسي-الأميركي، يمثل (انتصاراً) لسوريا، بسبب أنه يساعد السوريين على الخروج من الأزمة، ومن جهة ثانية يتيح تجنب الحرب ضد سوريا بعدما تم حرمان أعدائها من إمكانية وقوعها. وعزا تحقيقه للأصدقاء الروس الذين سعوا جهدهم وناوروا وبادروا من أجل التوصل إلى حل. وبالمقابل، فقد دافع الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" عن الاتفاق، بعد أن لاقت خطّته للقيام بعمل عسكري هروب الكثيرين من حلفائه الغربيين، إضافةً إلى وجود معارضة مرتفعة في الكونجرس، إلى جانب ظهور معارضة للسواد الأعظم من مواطنيه، واعتبره انتصاراً حقيقياً للسياسة الأمريكية، من حيث قدرتها على إرغام الدول على الامتثال لإرادتها وتحقيق رغباتها، من دون خسران طلقة واحدة، باعتبار أن هذه هي أكبر خطة يتم إعدادها للتخلص من الأسلحة الكيميائية. كما أن من شأنه العمل بذات التأثير إن لم يكن أقوى، على لاعبين آخرين مؤثرين في المجتمع الدولي، بما في ذلك إيران وكوريا الشمالية. فضلاً عن أن الاتفاق يشكّل نصراً شخصياً له، كونه لا زال محافظاً على جائزته من قِبل مؤسسة "نوبل للسلام" التي منحته إيّاها حتى قبل أن يتسلّم مقاليد الحكم في الولايات المتحدة. روسيا، اعتبرت أن الاتفاق مكّنها من انتزاع الجزء المهمّ من النفوذ العالمي، لم تتمتع به موسكو منذ الحرب الباردة وتحديداً منذ سبعينات القرن الماضي، من خلال إيجاد مكانة مرتفعة في منطقة الشرق الأوسط. وها هي الأن تثبت ذلك أمام سمع وبصر الكل من الدول الحليفة والمناوئة. على أن الموقف الروسي معروف منذ الأزل، فهو يقدم الدعم والمساندة للدول الصديقة ومنها سوريا، ولكن بدرجة تقل كثيراً جداً، عن الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة لأصدقائها من العرب، وليس هناك وجه للمقارنة، لا سيما وأن هناك اتفاقيات ومعاهدات رسمية، سياسية وأمنية واقتصادية معقدة، تربطها ببعضها، بينما لا توجد اتفاقيات مشابهة تربط الروس بأصدقائهم. وعامة مواقفهم تكون مرتبطة بمصالحهم وهي في الغالب (محدودة) وعادة ما تكون تعهّداتها أقرب إلى الشفهية أو (على البركة) أحياناً. فعلى سبيل المثال عارضت روسيا بشدة العمل العسكري ضد سوريا، ليس دعماً للأسد تحديداً - رغم أنها أمدّته بمعظم أسلحته في الماضي- ولكن ما يهمّها هو منع خصومه الغربيين والعرب من فرض إرادتهم على دولة ذات سيادة. ولكنها من ناحيةٍ أخرى، تؤيد فرض عقوبات من الأمم المتحدة في حال عدم التزامه بالاتفاق، بحجة أن لا داعي لامتلاك مثل هذه الأسلحة في المستقبل، وبوسع روسيا التزويد بأسلحة تقليدية بديلة وجيدة، برغم من أنها امتنعت في كل مرة وإلى الآن عن تزويد إيران وسوريا بصواريخ أس 300 وهي مجرد أسلحة (دفاعية). وهذه السياسة لا تتبعها الولايات المتحدة بالمطلق تجاه الدول الصديقة أو الحليفة وعلى رأسها إسرائيل. إسرائيل التي كانت في عجلةٍ من أمرها بشأن شن الحرب على سوريا، فقد ارتضت ذلك الاتفاق واعتبرته انتصاراً مؤزّراً لها. فبالإضافةً إلى التأكيدات الأمريكية على تعهداتها بشأن إزالة كافة مخاوفها الأمنية في المنطقة والعالم، وخاصة فيما يختص بالأزمة النووية الإيرانية، واعتبار أن قضية إيران أكبر بكثير من غازات الأسد السامة. فقد ساهم الاتفاق في تلبية رغباتها الآنيّة والمستقبلية معاً، وأهمها نزع السلاح الكيماوي واستمرار المراقبة على سوريا من خلال موافقتها على التوقيع على المعاهدات الدولية التي تحظر السلاح الكيماوي، وطمأنتها بشأن تخوفاتها من وصول مراقبين دوليين لأسلحتها غير التقليدية نتيجة ضغوط دولية أسوةً بالسلوك السوري. كما أن عزاء إسرائيل، هو مرتبط بحكمها على هذا الاتفاق من خلال سلوك "الأسد" بهذا الشأن وباستمرار خيار الحرب على طول المدى. حيث أكّد رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" بأنه لا توجد فرصة للدبلوماسية لحل الصراع السوري سوى بوجود تهديد عسكري دولي يتمتع بالمصداقية. وكان زعيم حزب (إسرائيل بيتنا) ووزير الخارجية الإسرائيلي السابق "أفيغدور ليبرمان" قد وصف التسوية في سوريا ونزع سلاحها الكيميائي بأنه خطوة جيدة بالنسبة لإسرائيل، وأن الاختبار يكمن في تطبيقها. وكان مسؤولون سياسيون إسرائيليون اعتبروا الاتفاق ما هو إلاّ حدث بالغ الأهمية ويكاد يكون تاريخياً لصالح الدولة الإسرائيلية. إيران من جهتها اعتبرت أن الاتفاق، هو انتصار لها ولسياستها ويمثل قوّة دورها السياسي والأمني على المستويين الدولي والإقليمي ومن جهةٍ أخرى، يمثل إخفاقاً آخر في سلسلة الإخفاقات الأمريكية المتتالية، وإلى جانب تأكيدها على أن عدم توجيه ضربة لسوريا، يعني بغير شك، أنها غير قادرة على ضرب إيران. بدليل استجداء الرئيس "أوباما" لحلٍ مماثل معها. إن من السهل وفي هذه الحالة، أن تقوم كل الأطراف الداخلة في هذه الأزمة، بمهمّة التسجيل لنفسها الانتصار، وبالطريقة التي تعجبها، طالما لم تتضح النهايات الحقيقية لتلك الأزمة، ولكن من الصعب أن يتفق الكل أو الجزء على أن يكون بمقدور الأطراف الضعيفة أن تسجل لصالحها مثل هذه الانتصارات، بسبب أنه سرعان ما ستقوم بتوضيحه الوقائع على الأرض. خانيونس/فلسطين 16/9/2013 .

2013-09-16