الثلاثاء 21/10/1445 هـ الموافق 30/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
قراءة في ديوان أحلام السنابل'روز يوسف شعبان '....خالدية أبو جبل
قراءة في ديوان أحلام السنابل'روز يوسف شعبان '....خالدية أبو جبل

ديوان شعري يقع في 120 صفحة من الحجم الوسط

قدم له الدكتور بطرس دلة .

....... ........ ........

سنابلُ اصغت لهمس القمر والنجوم في هدأة اليل ، وارتوت طلآ من ثغر فجرٍحنون ، ارتشفت ضوء الشمس والدفئ ، انحنت لخير امطار كانون وتمايلت بغنجٍ لنسمات اذار ...

عتّقت آمالها وأحلامها ، تلُّفها بدفء وبخيوط من إصرار ،

فانتصبت يانعة لامعة مزهوة في وهج تموز .

أحلام السنابل

وليس أحقُ من السنابل بالحلم ، وحدها لا تُخيب حلماً ،

يكبُر ويكبُر حلمها ليصير أحلاما ، بذارا ، تملأ الأرض حياة ...

أطل ديوانك كإفاقة الطبيعة على ضوء النهار ، تفوح منه أشذى العطور وانت تدثرينهُ بأوراق البرتقال والياسمين

ويصدح فيه الأمل ، حين يُنصِفُك الزمن ...

" فينصفني الزمان

ويحملني على جناح غيمة

أراوده عشقه للمكان

وأقلب معه صفحات مضت

في مكان ما

وزمن أبى الإندثار " ( ق، أحلام السنابل ص 14 )

 

....... .......

وها نحن أمام خير كثير فاض من جعبة الشاعرة ، مموسقاً عذباً ، يتجلى فيه الحب والذكريات والوفاء

وعشق الوطن والصمود ...

في جعبتي بعض وقت

وقنديل زيت ، وقارورة عطر

وباقة من حكايات جدتي

ولدت منذ الأزل .. ( ق ، في جعبتي ص 102)

 

تناولت روز في شعرها ما تركته فينا الذكريات من ألم وحنين وحُب لوطن جميل ،ملامحه سكنت بشرتنا وصلابة عودنا

حين جابت جفرا سماء بلادنا وأفراحنا فكان صداها الدمع والشوق والحنين لوطن أوجعتْهُ غربة أبنائه وهم فيه ، وغربة من ينتظرون العودة إليه ،

يوم لم يبق إلا حفنة من ذكريات وصور .

في جعبتي حفنة

من ذكريات وصور "

........ ... ............

تفتح روز جعبتها لتخرج أجمل مافيها من إباء وصمود ، وقد حمّلت قصائدها الكثير من الايحاءات والكلمات التي ترمز للصمود في درب حياة توالت عليها نوائب وكروب .

" أُلملم ما تبقى من ذاتي

أنتصب نخلة

فوق الدروب " ( ص 22 )

وفي قصيدة أخرى ( صمود وحنين ص 78 ) تقول : نخلة باسقة أنا

زيتونة عتيقة

سنديانة راسخة

لا أرضخ ! لا أنحني "

وحين يوخزنا الوجع بإبَرهِ الحادة ، فلا بد أن نذكر من غرز في جلودنا هذه الإبر وأدمانا ...

من يمسكون خيوط اللعبة القذرة ، والقابضين على رقاب العباد ، القابعين في بروجهم العاجية ، يأمرون ولا ينظرون لموقع الجريمة ( ق ، البرج العاجي ) وأيضا قصيدة ( سيدي الرئيس ص 73)

" كل هذا الإجرام اللعين

قتل وحرب وهدم للبلاد

ولكل مفاهيم الدين "

وتبقى القدس زهرة المدائن ، وقبلة فلسطين ، ملتقى القلوب ، وسَكَن المؤمنين ، نهاية رحلة البراق ، وترنيمة المهد ، وشوكة الصبار في عروش السلاطين . ودمع نساء فلسطين .

(قصيدة ، زهرة المدائن ص61 , رحلة البراق ص، 59 )

....... ....... .......

 

وتُسافر بنا الشاعرة مع أحلام سنابلها ، لِتُشهر انتماءها للوطن الأكبر ، بلاد العُرب أوطاني ، من دفتي الفرات الى النيل والعاصي ( تغريدة ص 30 , وفي القلب نافذة ص39 )

في القلب نافذة

تنتظر عودة السندباد

ورحلة تجوبها في الشام

ومصر وبغداد "

ويَكبُرُ بها الحلم ويحذوها الأمل لتطالب بعودة شهرزاد

( عودي شهرزاد ص 96)

وعلى عتبة الشام ، حيث شهقت الضمائر ، وانفطرت القلوب ، وغُلّت الأيادي من عجزها ، تعود الشاعرة كما غيرها ، تطلب سماحاً وقبولاً ، لتزرع الحبق في جدرانها ، والشام من زرع الحبق ونشر بذوره !

فهل تقبل الشام و تسامح عجزنا ، وترضى بنا عبيداً في محرابها ، وليس جنودًا على أبوابها وأسوارها ؟؟

" أترك راحلتي أمام أسوارك

أُجرجر خيبتي وأرحل عنك

أداري خجلي " ( ق ، خذيني اليك ص 48 )

ويظل ذلك الإنتظار جاثياً على عتباتنا ، يأخذ من العمر أجمل لحظاته ، تُعَذبهُ أسئلة التيه والغربة ... وما من مُجيب للسؤال ..

" كيف جئنا ؟ كيف تُهنا كلنا

كيف جفت في نفوسنا الأنهار

فأي الشعاب دربنا ؟

وأي الوهاد مسلك الأحرار " ( ق، إنتظار ص 23 )

........ ....... ........ ........

وحين أصغت السنابل لنبض حُبوبها ،باحت بحبٍ عذبٍ شفيف ، تحيطه المخاوف حينا ، وأحيانا يُرهقه القلق .

" تسلّل اليّ طيفك

بين زخات المطر

هل جئت معاتباً

أم جئت تمسح أدمعي ؟ " ( ق بين زخات المطر ص 25)

وتارة ترنيمة عاشق ...

فلعلّ هلالك ...بنورها استهلّ

وكحّلَ جفنهُ ...برحيق شهدٍ

ص 32

ومرة يكون حبّها أعترافات ،

" لك اعترفت

بأني العاشق الأزلي ّ

في الصحف " ( 34 )

وفي مرة أخرى تراه حبيباً راحلاً ، فترجوه العودة

" أتوسل الأماني شوقاً

وأنسج طيفك في السراب

ألا تعود فألقاك .. وقد طال الغياب "

( ق ، عد إلي ، ص 86 )

 

ولا عجب أن تكون مفعمة بالأمل ، محكومة بالشك والسؤال ، كحال كل العشاق يناجون الحبيب في سراب ... " عادت اليّ أميرتي

بعد الوداع

أم أن طيفها مسّني شوقا

وزاغ ؟ " ( ق ، عادت الي أميرتي )

إختارت روز ألفاظها سهلة سلسة لتبوح بحب

سكن خلجات الفؤاد ، فوصل للقارئ ماتعا جذاباً ناعماً ، دون تعقيد .

......... ...... ......

وتسير الايام بنا وبالشاعرة سواء ، وتبقى الأرجوحة تتمايل في حجرات الذاكرة ، تستذكر رفاقا شاركونا ضحكاتنا وانكساراتنا وأغنياتنا المُحملة ألف نداء

ورجاء وأمل " يلّا الغيث يا ربي .."

تظهر تلك الشاعرة التي تحن للطفلة في داخلها ،

تلك الطفلة التي لا زال يسكنها الامل بعودة رفاق تقاسموا معها الضحك والفرح ...

" تهزني في أرجوحة

ربطناها معا

وأنشدنا أغاني المطر

" يلا الغيث يا ربّي .."

وعدنا مع نسيم الغياب

يلفُّ بيتنا صمت وعتاب

أراك هناك ... خلف جدار الصمت

وأنا !

لا زلت هنا ... على حافة الانتظار "

( على خافة الانتظار ! ص 91 )

 

........ .... ..........

وبين حب وألم وأمل يُرهقها الترحال ، وقد أثقلت كاهلها الهموم والاحزان ، رسمت الشاعرة في هذه القصيدة صورة جميلة يسافر معها القارئ في الدرب من أوله ، حتى بلوغ الأمل ، قد يكون طريق الشاعرة نفسها ، وقد يرى القارئ نفسه في ذات القصيدة وعمق الكلمات ...

(ترحال ص 27 )

"كان ترحالي بلا عنوان

يحُطّ في مرافىءالوهم

متعثرا في مرسى الخلجان

تلفظه شواطىء الأقرباء

تكتنفُه ظلال الغرباء

فيمور تائها في

فيمور تائها في المنافي "

..............................

وعن المرأة التي ،هي وكل النساء ، تتمرد الشاعرة لتكسر القالب الذي صَبّهُ الرجل الشرقي لجسد المرأة وروحها ،

تمد يدها لتساعد هذا الرجل لتحرره من أسفاره البليدة ، ليفتح سِفْراً للحياة جديد .

" أيا رجلا شرقي الطبائع

دع أسفارك البليدة

ألقها في صناديق من حديد

وافتح سِفراً للحياة "

( ص 68 , سفر الحياة )

وبذكاء توحي الشاعرة أن المسجون الحقيقي داخل أفكاره هو الرجل ، وما ظلمه للمرأة إلا نتاج إسقاطات هذا السجن ، وتعود وتؤكد هذه الفكرة في قصيدة دوائر ، سجن يحيط بالسجن ، يخنق السجين ، ويُعمي السجان ، ينطلق الحرف من حنجرة السجين فيحرره ( وقد تكون إشارة لحث النساء على طلب العلم والمعرفة ) ويترك الظلام للسجن والسجان ...

.............. .............

ويظل السؤال عالقًا صديقتي في حضرة التوليب

لماذا تتلوّن في نفوسنا الأفكار ؟

تارة تغدو ورديةً

تُحلق في سُحُب الانتظار

تتوسد كفّ الندى

وتنتظر الثمار في انبهار "

( ق، في حضرة التوليب ، ص 104 )

....... ..............

وقد أتت ثمارك أُكلها ، وتذوقتِ خبز سنابلك ،

أبارك لك صديقتي ، هذا العمل الرائع ،

وها أنا أكتب لك صديقتي وابنة صفي وشريكة ذكرياتي وابنة بلدي ، بحبر يقطر محبة وذكريات جميلة ، وأحلام حفرناها معا على مقاعد الدراسة ، وقد يكون هذا الديوان إحدى أحلامنا ،

وكانت الحبيبة أمي تقول دائما : العتبة ثلثين الطريق

ها أنت تجتازين الثلثين .. فالى الأمام

وفقط الى الأمام

واتمنى أن تحظى قراءتي برضاك ، من قارئة تعشق القراءة ليس إلا