السبت 18/10/1445 هـ الموافق 27/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
شاءول منشيه:إما غبي وإما يتحامق!/د.عادل الاسطل

 لفت انتباهي ذلك الخطاب المقتوح الذي وجهه الصحافي الإسرائيلي المعروف "شاءول منشيه" للسيد "عبد الباري عطوان" مدير صحيفة القدس العربي الصادرة في العاصمة البريطانية، حول مناهضة الأخير لسلوك الولايات المتحدة، خاصة فيما يتعلق بتدخلاتها السافرة في الشؤون الداخلية العربية والإسلامية بحجة محاربة الإرهاب، لاسيما ما أحدثته في كل من أفغانستان والعراق في أعقاب غزوها اللاأخلاقي لهما منذ بداية هذا القرن، حيث كانت له مردودات سلبية جداً، بلغت تداعياتها الدرجة الأسوأ في التاريخ، طالت العالم بأسره. وأيضاً بشأن ثنائه على حكام طهران وعلى ارهابيي القاعدة وامتداحه أعمالهم الإرهابية ضد العالم الحر التواق إلى الحرية والديموقراطية. واعتبر السيّد "منشيه" سلوك السيد "عطوان" قائم على الخطأ، وتساءل فيما إذا كانت لديه الشجاعة الكافية ليعترف بالحقيقة، قبل أن يكتب أطناناً من الكلام بلا هوادة ضد الأمريكيين، طوال عقد من الزمن ومنذ دخولهم الى العراق عام 2003، واتهمه بالقصور بالفهم والرؤيا في ذلك الاتجاه، بسبب اعتقاده بأن الولايات المتحدة هي سبب البلاء والدمار الذي حصل للعراق، بالإضافة إلى تسببها في إزهاق أرواح أكثر من مليون عراقي. وأوغل "منشيه" في التصدى للسيد "عطوان" في توضح مميزات العمل الأمريكي بالنسبة للقطر العراقي بقوله:"إن الولايات المتحدة أزاحت النظام التعسفي لصدام حسين وحررت العراق من الكابوس القمعي الذي جثم على صدره". ومن ناحيةٍ أخرى أخذ على عاتقه يصحح معلوماته بشأن الضحايا العراقيين، من خلال تأكيده بأن ما دلّت عليه الحقائق بأنهم مائة ألف فقط. وكأن المائة ألف ليس بالعدد الكبير وهم بلا ثمن. واعتبر ما تحدث به "عطوان" ضد الامريكيين هو كلام فارغ وهراء في هراء. ودلل بحقيقة دامغة - حسب زعمه- ذلك بأن الولايات المتحدة انسحبت من العراق منذ عام ونيف، وإن الذي يحدث في أنحاء العراق هذه الفترة من أعمال عنف وإرهاب، هي أعمال لا ضلع للولايات المتحدة فيها، بدليل زيادتها إلى أضعاف أضعاف ما كانت عليه عند مكوث الأمريكيين، حتى أن الكثير من أبناء الشعب العراقي انبروا يعاتبون الأمريكيين على انسحابهم بسبب حالة الفوضى وحالة الضياع التي تضرب أطناب الوطن. ويضيف :"وحيال هذا التطور يبقى على السيد "عطوان" ومن يدلو بدلوه أن يفكّروا وأن يردّوا بشجاعة على هذه التساؤلات، بأن هل لديهم الشجاعة والصراحة لكي يعترفوا بخطأهم الفادح؟ وهل هم مستعدون للاعتذار من الأمريكيين على الصاق التهم بهم جزافاً؟ وهل هم قادرون على الاعتراف بفضل الأمريكيين في تخليص الشعب العراقي من نظام صدام؟ وهل هم قادرون على قول الحقيقة الدامغة وهي أن مسببي الإرهاب الحقيقيين هم ملالي إيران ونظامهم الإرهابي". وفي ختام تساؤلاته، تمنى السيد "منشيه" من السيد "عطوان" أن يقوم بذلك، خاصةً فيما يتعلق بالاعتذار، مع ضآلته بالنسبة لمكافأة الأمريكيين على ما فعلوه من أجل العراق ورفعة شأنه. السيد "منشيه" مع تقديري لما هو عليه من الدراية والخبرة في مجال عمله، فإني هاهنا أريد أن أنبهه من الغيبوبة، التي هو مدهوش بسببها، قبل أن ألقي على مسامعه ومن ينحو نحوه، بعضاً من الحقائق التي بالتأكيد، ستلقف جملة ما صنعه خياله وبدر به لسانه بهتاناً وزواُ، بسبب مجانبته للشفافية والإنسانية التي مفروض على الصحافي المهني أن يتخلّق بهما ويتأدب عليهما. في هذا السياق، فإنه أولاً، وبغض النظر عن الجرائم البشعة التي قامت بها الجيوش الأمريكية من قتل ونهب وفضائح مختلفة ضد العراق لا سبيل لحصرها أو ذكرها في هذه العجالة، فإنه يتوجب على السيد "منشيه" أن يتوقف عن مشاهدة أفلام الخيال باعتبارها حقائق، ليقوم بمحاكاتها ومن ثمّ تصديق نفسه، قبل محاولته في أن يقوم بتصديقه الأخرين، وأن لا يُصبح كمن يطفئ النار بقطعة قماش، بسبب أن كلامه يقوم على التضليل والخطأ الفادح، بحيث يردّه عليه أجهل الناس في السياسة، وفي تحليل متعلقاتها، وحتى من بين بني جلدته، وهو يعلم أن الحقيقة خاصتنا ساطعة كالشمس التي لا يمكن تغطيتها بغربال. إن الذي يجب التذكير به فيما لو كان بدأه الزهايمر على الكِير، أو تعمد الكذب بالمدافعة عن سلوك الولايات المتحدة الشائن، فإن الولايات المتحدة لم تأتِ لأجل العراق، أو لمصلحة الشعوب في المنطقة، بل هوت عليه بعد تمحيصٍ ودرسٍ كاملين، لإخضاعه وتذويب ما تبقى منه في أعقاب الحرب الخليجية الأولى التي استمرت طيلة ثمانية أعوام، حتى أتت على الأخضر واليابس، وكانت الولايات المتحدة وإسرائيل سببها الأول والأخير، ولتكريس بسط الهيمنة على المنطقة والسيطرة على مقدراتها بما فيها النفط. لقد اعتمدت إدارة "بوش الإبن" الكذب مرةً بعد مرة، ضد العراق واعتبرته أحد أضلاع محور الشر، وأنه بصدد تطوير أسلحة نووية، وهي تعلم عكس ذلك تماماً وأوعزت للمفتشين الدوليين برئاسة "هانز بليكس" بالتوقف عن ملاحقة التفتيش النووي وقامت بضرب العراق بلا أخلاق وبغير حدود. وقامت أثناءها بمئات التجارب لأسلحتها في قلب الشعب العراقي، ثم عاثت في الأرض فتنةً وفساداً بين أبنائه - سُنّة وشيعة وأكراد وأقليات أخرى- في مقدمة لتقسيم العراق. وقد أفاض القادة في إسرائيل أيضاً ومن غير تحفّظات وحتى هذه اللحظات، في مضيّهم في هذا الاتجاه، والجميع يعلم مدى تغلغل الاستخبارات الأمريكية والموساد الإسرائيلي، ومخابرات غربية أخرى مُساندة، جعلت العراق ملعباً ودّياّ لها للعب طوال الوقت. وأنت سيّد "منشيه" لا تستطيع إنكار مدى التحريض الإسرائيلي للولايات المتحدة ضد العراق، من أجل الإجهاز عليه وعلى أيّة قوة عسكرية عربية، يمكن لها في ذلك الآن أو في المستقبل، أن تقوم بتهديد أمن وسلامة إسرائيل. كما أودّ السؤال عمّن أخبرك بخروج القوات الأمريكية من العراق؟ للعلم وليس عليك بخافٍ، فإن خروج القوات الأمريكية من العراق كان مشابهاً تماماً لخروج الاحتلال الصهيوني من الأراضي الفلسطينية، وهو عبارة عن احتلال أكثر فتكاً من الاحتلال الأول ولكن بطريقة أخرى. وعلى الأقل فإن حجم سفارة الولايات المتحدة هناك، تبدو أكبر بقدرٍ قليل من مساحة فلسطين. ناهيك عن تواجد الأساطيل الأمريكية الثابتة، وتحمل على ظهورها كل الغطرسة الأمريكية وبلا منازع. وكل الذي تدعيه من قتلٍ ودماء هو بلا ريب من ترتيب الولايات المتحدة وإسرائيل ذاتيهما. أننا لا نريد إظهار الدلائل ولكن تستطيع أنت إثبات ما نقول ومن دون جهد. فأنت مهما قلبت المرآة فلن تجد غير صورتك الحقيقية لا تغيير فيها. كما أود التنويه إلى أن العراقيين لم ينبروا أبداً لمعاتبة الولايات المتحدة لخروجها من وطنهم، بل لعنوا الساعة التي رأوا فيها الولايات المتحدة تنهش في أجسادهم ومقدراتهم على عين العالم، وأسفوا على ضياع حالهم ومستقبلهم وما أحرزوه فترة "صدام حسين". وتنبّهوا إلى أنّه لا يُعقل بأي حال، لأي أحدٍ كان أن يقوم باستبدال غزاله بقرد. على أية حال، فإن من غير اللائق أن نستمع للهراء وعينه، أو نعاود للاستماع لمثل الذي يدلي به السيد "منشيه" ورهطه بين الفينة والفينة، ولكن علينا انتظار أن تقوم كل من الولايات المتحدة وإسرائيل والدول المشاركة الأخرى بالاعتذار عن جرائمها ضد العرب والمسلمين خاصة للعراق والشعب العراقي، وهذا سيحصل لا ريب إن عاجلاً أو آجلاً.

وللحديث بقية.

خانيونس/فلسطين 26/5/2013

2013-05-26