السبت 18/10/1445 هـ الموافق 27/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
رمضان بعيون اسرائيلية/ بقلم عادل الاسطل

 لاشك أن للصيام درجة عالية ورفيعة لدى سيد الأنام، أغلب المسلمين يعرفونها ويحفظونها عن ظهر قلب، ناهيك عن أن العلماء والمشايخ من أهل الدين والفتوى ونصحاء الأمة، لا يدّخرون جهداً ولا يفوّتون أمراً حول فضل وبركة (رمضان) والحكمة من صيامه، إلاّ وذكروه وبيّنوه وفصّلوه تفصيلاً، وهو أمر بديهي ومن المسلمات التي يصطبغ بها هؤلاء، ما داموا يتوالدون أمد الدهر، وكان سُمّي لهم ما بذلوه بإذن الله، وأُدرج في صحائفهم، وأُلقي في ميزان حسناتهم بحوله جل علاه. لكن الذي ليس من الطبيعي أو المألوف بشكلٍ كافٍ، أن ينتبه إلى تلك الفضائل والبركات التي يزخر بها (الشهر الفضيل) أحداً من غير المسلمين وخاصة من بين الإسرائيليين واليهود(حكومةً وشعباً) ليس بحكم احتكاكهم بالعرب الفلسطينيين والمسلمين، ولكن لقناعتهم بروحانية الشهر وإيمانيته، واعتماده منذ الأمم السابقة، لحكمه السامية وفوائده المتسامية. وكثيرة هي الأحداث الدالة على دراية وفهم غير المسلمين خاصةً كما ذكرنا (الإسرائيليين واليهود) لهيبة الشهر الكريم ولفوائد صيامه وبركاته، ربما فاقت في أحايين كثيرة معرفة من ينتمون للمسلمين لتلك الفوائد في مشارق البلاد ومغاربها. هذه الأحداث والشواهد المختلفة، لم تكن على ناحية واحدة فقط، بل شملت كافة الصعد السياسية والأمنية والاجتماعية والثقافية أيضاً، حيث كان يترتب عليها الكثير من التغيرات في الاتجاهات والمواقف والسلوكيات الإسرائيلية المختلفة تجاه العرب والمسلمين. سواء الحكومة والجيش الإسرائيلي يجتهدان في السعي إلى تفادي ما من شأنه أن يجر إلى صدامات عسكرية وأمنية، ويعملان على عدم اللجوء إلى التصعيد إلى درجة الضرورة، وتنشط الشرطة وقوات الجيش وحرس الحدود الإسرائيلي في أنحاء البلاد وعلى طول الحدود المحاذية للضفة الغربية والقطاع، خشية وقوع هجمات فلسطينية على أهداف إسرائيلية، بسبب أنه وإضافةً على الروح الوطنية التي تدفع إلى العمل المقاوم، فإن هناك شحنة زائدة (دينية) يضفيها الصيام على نشطاء المقاومة ضد الاحتلال الصهيوني. ومن ناحيةٍ أخرى، فإن الحكومة الإسرائيلية من قادة وزعماء ونواب كنيست وغيرهم، يحرصون على تقديم التهاني والتبريكات بالشهر الكريم للعرب والمسلمين وللفلسطينيين بوجهٍ خاص. كما يقوم أرباب العمل اليهود، بتقديم الهدايا وزيادة الأجور لمشغليهم من العمال الفلسطينيين لديهم. ليس هذا مدحاً في الإسرائيليين واليهود، بقدر ما هو كرماً ويمناً يزخر به الشهر الفضيل من ربّنا سبحانه، وقد كان هناك أيضاً، أكثر من واقعة حدثت وكانت حقيقة لا لُبس فيها، ومن العلم بأنني لم آتي على سرد بعضها من الحياة الخيالية، ولم أستمع إليها عبر الوسائل الإعلامية أو كنت استمعت إليها من أحد كان، بل لوقوفي عليها مباشرةً، وحفظي لها منذ تلك الساعة. سُئل أحد اليهود فيما إذا كان سيبدأ أشغاله في الترميم والبناء وما يتعلق بهما، وكان يعتمد على العمال العرب (الفلسطينيين)، فأعلن أنه في انتظار الشهر الكريم (رمضان) لأنه تعوّد بدء العمل فيه. وعن سبب ذلك قال: لأن العمل فيه مُتقن والضبط فيه أصح، والبركة مضاعفة إلى نهاية العام. كذلك، كان هناك يهودياً (عراقياً) يُدعى "غوئيل" كان على وشك الانفصال عن زوجته وهي عراقية أيضاً وتُدعى "مالاكا"، التي كان قد سأم منها ولا يريدها البتّة، وقد جاهد الجميع من الأهل والأصحاب في شأن الإصلاح دونما فائدة. وعرض ذات يوم، أن رأى عمالاً فلسطينيين - يعملون لديه- إذ كانوا في ترتيب واستعداد وعلى غير العادة، فتقدّم منهم يستوضح الأمر، فأعلموه بأن غداً هو أول إيام (رمضان) وهم منشغلون من أجله. فما سمع ذلك حتى ذهب يقود عربته ليعود وإلى جانبه زوجته يتضاحكان. وسألوه كيف كان ذلك؟ فقال: إن رمضان ليس لكم وحدكم. أنا أعرف خيره وبركاته المتصلة مذ كنت في الرافدين. منذ أواخر الثمانينات وكانت الانتفاضة الفلسطينية على أشدها، كان أوقف أحد اليهود سيارته الفارهة فجر يوم (رمضان) وسط زحام مئات العمال الفلسطينيين في أحد المواقف المعتادة في قلب إسرائيل لتواجد هؤلاء العمال بها، وبينما كان كل عاملٍ منهم يسعى للفوز بيوم عمل لدى هذا اليهودي، إذ استمهلهم بأنه يُريد عمالاً من المفطرين وغير الصائمين، بسبب أن العمل لديه يحتاج إلى المزيد من التعب والجهد. فهوى إليه أغلبهم، وأقسموا بأنهم ليسوا على صيام ولا قيام. وبدأ بعضهم يأكل أمامه قطعاً من الخبز والحلوى كي لا يدع ريبةً ولا شكاً فيما أعلنوا به. وكان في تلك الأثناء أن تأخّر بعضهم قليلاً إلى الوراء حتى بلغوا الرصيف، فسأل اليهودي عن تراجعهم على ذلك النحو، فقالوا: إنما نحن من الصائمين، وإنما الرزق على الله رب العالمين. فنظر فقال: إذاً هلمّوا إليّ، فإنّي أبحث عنكم وأمثالكم. فتعجبت جموع العمال من ذلك العمل وجعلوا يتساءلون؟ فنظر اليهودي إليهم قائلاً وبالحرف الواحد: "اعلموا أن من ليس له خير في ربه ودينه، فلا خير فيه لنفسه ولشعبه أو لشعب غيره، ومن لم يستطع (قيادة) نفسه لا يستطيع أن يقود شعب، وإذاً أنتم وأمثالكم لستم أهلاً لاستلام دولة". إذاً نحن أولى من أن نفهم حُسن (رمضان) ونتعجل بلوغه، ونكثر ثوابه، ونثبت على صيامه من غير سوءٍ ولا رفث ولا فسوق. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

خانيونس/فلسطين 8/7/2012

2013-07-08