تمهيد:
تُعد مكافأة نهاية الخدمة من أهم الحقوق التي تترتب للعامل بعد انتهاء عقد العمل وكأثر من آثار هذا الانتهاء، وتكمن أهميتها في أنّها الحق الوحيد الذي يُمنح للعامل بعد انتهاء خدمته وليس خلال تلك الخدمة، وذلك لتمكين العامل من الاستفادة من مبلغ المكافأة فيما تبقي له من العمر.
وقد اهتم المشرع الفلسطيني في تنظيم أحكام هذه المكافأة في قانون العمل رقم 7 لسنة 2000م، كما تناولها القرار بقانون رقم 6 لسنة 2016 بشأنْ الضمان الاجتماعي ، ونظَّمها بطريقة مختلفة عن الطريقة التي أخذ بها قانون العمل، حيث حلّ نظام الراتب التقاعدي محل نظام الدفعة الواحدة التي تبناها قانون العمل رقم 7 لسنة 2000م .
لذلك سندرس في هذا الفصل مكافأة نهاية الخدمة وفق قانون العمل رقم 7 لسنة 2000م مع الإشارة -كلما اقتضي الأمر إلى أحكام القرار بقانون رقم 6 لسنة 2016 بشأن الضمان الاجتماعي .
تعريف مكافأة نهاية الخدمة وتطورها التاريخي :
ما هي مكافأة نهاية الخدمة من وجهة نظر الفقه والقضاء؟ ومن هم الفئات العمالية الذين يستحقونها؟ وهل يستحقها كل العمال الخاضعين لقانون العمل وبغض النظر عن نوع العقود التي يعملون بموجبها ؟ وكيف تطورت أحكامها تشريعياً ؟ وما هي شروط استحقاقها ؟ هذا ما سنبحثه في المطالب الآتية .
تعريف مكافأة نهاية الخدمة وتطورها التشريعي :
سنبحث تعريف مكافأة نهاية الخدمة ومفهومها فقهاً وقضاءً في الفرع الأول ، ثم نتناول التطور التشريعي لهذه المكافأة في فلسطين في الفرع الثاني .
تعريف مكافأة نهاية الخدمة :
لم يُعرف قانون العمل رقم 7 لسنة 2000م مكافأة نهاية الخدمة وكذلك فعل القرار بقانون رقم 6 لسنة 2016م بشأن الضمان الاجتماعي .
وعرّفتها محكمة النقض الفلسطينية بأنّها "تلك المبالغ التي يدفعها رب العمل للعامل في نهاية خدمته ليستعين بها على العيش بكرامة بعد أنْ قضى شبابه في مزاولة عمله".
بينما عرّفها القضاء المصري بأنّها ما يدفعه صاحب العمل لعماله في نهاية خدمتهم ليستعينوا به في معاشهم بعد أنْ بلغوا من الكبر حداً لا يمكنهم غالباً من مزاولة العمل، إذْ ليس من الحلال في شيء أنْ يُترك العامل بعد أنْ أفنى حياته كلّها أو بعضها في خدمة صاحب العمل، ثم يُلقي به بعد ذلك إلى قارعة الطريق دون النظر إلى عمله السابق.
ويرى بعض الفقه بأنّها تكريم للعامل عن المدة التي كرّس فيها جهده لخدمة صاحب العمل، دون التفرقة بين العامل بعقد محدد المدة أو غير محدد المدة، وذلك عند انتهاء العقد بالاتفاق أو بوفاة العامل أو بلوغه سن التقاعد، أو بحلول أجله.
وتجدر الإشارة إلى أنّ مكافأة نهاية الخدمة قُرِرَت للعمال المرتبطين بموجب عقود عمل وخاضعين لأحكام قانون العمل، وبالتالي فلا يستفيد منها العمال المرتبطون بعقود تقع على العمل ولكنها غير خاضعة لأحكام قانون العمل، مثل العقود الخاضعة لأحكام القانون المدني كعقد المقاولة مثلاً ، فالمقاول الذي يعمل لدى شركة كبرى لإنجاز أو بناء عمارات، أو منتجات أخرى فإنّه لا يستحق مكافأة نهاية خدمة بعد انتهاء عقد المقاولة مع هذه الشركة، وبغض النظر عن الفترة التي أمضاها في هذه المقاولة .
لذلك فإنّ مكافأة نهاية الخدمة تُعد إحدى المزايا الضخمة التي يَنفرد بالتمتع بها العمال الخاضعة عقودهم لقانون العمل دون العمال الخاضعة عقودهم للقانون المدني.
التطور التشريعي لمكافأة نهاية الخدمة في فلسطين :
ظهرت النصوص والأحكام المتعلقة بمكافأة نهاية الخدمة أول ما ظهرت في العام 1955م وتحديداً في قانون تعويض العمال رقم 17 لسنة 1955م، وعندما صدر قانون العمل الأردني رقم 21 لسنة 1960م شَمَلها في نصوصه، ثم عُدِّلت تلك الأحكام بالقانون المعدل رقم 2 لسنة 1965م والذي كان مطبقاً في الضفة الغربية، كما تضمن قانون العمل الفلسطيني رقم 16 لسنة 1964م الذي كان مطبقاً في قطاع غزة أحكاماً خاصة بهذه المكافأة.
وظلت هذه الأحكام والنصوص مُطبقة في الأراضي الفلسطينية إلى حين صدور قانون العمل الفلسطيني رقم 7 لسنة 2000م والذي أصبح منذ صدوره القانون الوحيد الذي يُنظم العمل التابع في فلسطين ومن ضمنها ما يتعلق بمكافأة نهاية الخدمة.
شروط استحقاق مكافأة نهاية الخدمة:
نصت المادة (45) من قانون العمل رقم 7 لسنة 2000م على أنّ (للعامل الذي أمضى سنة من العمل الحق في مكافأة نهاية خدمة مقدارها أجر شهر عن كل سنة قضاها في العمل على أساس آخر أجر تقاضاه، دون احتساب ساعات العمل الإضافية، وتحتسب لهذا الغرض كسور السنة).
يُستفاد من احكام هذه المادة أنّ شروط استحقاق مكافأة نهاية الخدمة تتمثل في الآتي :
أولا: وجود عقد عمل بين العامل وصاحب العمل :
وهذا يعني أنّ عقود العمل غير الخاضعة لقانون العمل لا يستحق العامل عنها مكافأة – كما أسلفنا- مثل العقود الخاضعة للقانون المدني كعقد المقاولة ، وعقد الوكالة ، وعقد الشركة..الخ.
كما أنّ المشرع الفلسطيني لم يُميز في استحقاق مكافأة نهاية الخدمة بين العاملين بعقود عمل محددة المدة أو غير محددة المدة، وساوى بينهم في استحقاق المكافأة، وهذا واضح من إطلاق نص المادة (45) والتي استخدمت تعبير (للعامل .....) دون أنْ تُحدد نوع العقد الذي يرتبط به هذا العامل وسواء أكان عقدا محدداً أو غير محدد المدة، وهذا ما ذهبت إليه محكمة النقض الفلسطينية حيث قَضت بأنَّ :
(العامل بعقد محدد المدة له نفس الحقوق وعليه نفس الواجبات التي على العامل الذي يعمل بعقد غير محدد المدة، وذلك وفقاً للمادة 27 من قانون العمل لسنة 2000م، وأنّ للعامل مكافأة نهاية خدمة سواء أكان عقده محدد المدة أم غير محدد المدة، وذلك عملاً بالمادة 45 بدلالة المادة 27 من قانون العمل لسنة 2000م).
وقضت أيضاً في حكم آخر لها بأنّ (العامل يستحق مكافأة نهاية الخدمة سواء أكان عقده محدد المدة أم غير محدد المدة).
وقد ذهبت معظم التشريعات العربية في هذا الاتجاه كالقانون المصري، والعراقي، والسعودي، والكويتي، والقطري، والسوداني، واليمني، باستثناء المشرع الأردني الذي قرّر استحقاق المكأفاة للعمال المرتبطين بعقود عمل غير محددة المدة دون غيرهم.
ثانيا : استحقاق مكافأة نهاية الخدمة بقدر مدة العمل:
لا يُقصد بمدة السنة الواردة في المادة (45) من قانون العمل رقم 7 لسنة 2000م (سنة العمل الفعلي) بل السنة القانونية التي عرّفتها المادة الأولى من قانون العمل بأنّها ( 365يوماً) بما يشمل الإجازات والعطل الرسمية والدينية والأسبوعية، وقد قضت محكمة النقض الفلسطينية بهذا الشأن بأنّه " يجب اعتماد مبدأ عدد سنوات العمل بغض النظر عن عدد أيام العمل في الشهر لأغراض احتساب حقوق العامل في مكافأة نهاية الخدمة".
ولا يخلو نص المادة (45) من قانون العمل رقم 7 لسنة 2000 من اللبس حول هذا الشرط، فهل يعني ذلك أنّ العامل الذي لا يُكمل سنة في العمل لا يستحق المكافأة، والجواب على هذا السؤال– برأيي- بالنفي، لأنّ المُشرع لم يُفرق في استحقاق المكافأة بين العاملين بعقودِ عملٍ محددة المدة، والعاملين بعقود غير محددة المدة، وبالتالي فإذا كان العقد المُبرم هو عقد محدد المدة وتَقل مُدته عن سنة، فإنّ العامل يَستحق المكافأة رغم ذلك. وقد حسمت محكمة النقض الفلسطينية هذه المسألة وقضت بأنّ ( المُشرّع لم يشترط أنْ يُمضي العامل سنة كاملة في العمل حتى يستحق مكافأة نهاية الخدمة، فإذا كانت مدة العمل أقل من سنة فإنّه يستحق نسبة من أجرة الشهر تُعادل المدة التي قضاها في العمل، وذلك استناداً إلى نص المادة (45) من قانون العمل رقم 7 لسنة 2000م ).
كما أنّ عبارة (وتُحتسب لهذا الغرض كسور السنة) الواردة في عجز المادة 45 تُفيد بأنّ المدة إذا كانت أقل من سنة، فإنّ العامل يستحق مكافأة بنسبة المدة التي قضاها في العمل .
ولهذا فإن اشتراط مدة السنة لاستحقاق المكافأة الواردة في المادة (45) ليس أكثر من قاعدة حسابية وضعها المشرع لتبيان طريقة احتساب المكافأة وليس شرطاً قانونياً.
وأدعو في هذه المناسبة المشرع إلى إزالة هذا اللبس وتعديل المادة (45) بما يفيد استحقاق العامل للمكافأة عن الفترة التي يُمضيها في الخدمة على أساس شهر عن كل سنة.
ولابدّ من الإشارة أخيراً - ومن وجهة نظري- بأنّ العامل يستحق مكافأة نهاية الخدمة في عقود التجربة نظراً لإطلاق النص وعدم اقتصار استحقاق مكافأة نهاية الخدمة على أيْ نوع من العقود.
ثالثا: تستحق المكافأة بعد انتهاء عقد العمل :
لا يَنشأ الحق في مكافأة نهاية الخدمة إلاّ عند انتهاء العمل، ولا يجوز الوفاء بهذا الحق قبل ذلك، وإذا أوفى صاحب العمل أو اشترط في عقد العمل على أنْ يوفي العامل مكافأته خلال الخدمة، فإنّ مثل هذا الشرط يُعتبر باطلاً. و قد أكّدت على ذلك محكمة النقض الفلسطينية وقضت بأنّ مكافأة نهاية الخدمة ( لا تَستحق للعامل إلاّ بتاريخ انتهاء عمله وليس قبل ذلك، وبالشروط والحالات الواردة في القانون).
ولا بدّ من الإشارة هنا بأنّ مكافأة نهاية الخدمة تستحق بعد انتهاء عقد العمل – كما أسلفنا- أو إنهائه من قبل احد طرفيه، وسواء كان الانهاء في الأحوال التي نص عليها قانون العمل، أو في الأحوال التي ينتهي فيها العقد بموجب المبادئ العامة، كوفاة العامل مثلاً .
العمال المستحقين لمكافأة نهاية الخدمة :
لم يستثنِ المشرّع الفلسطيني أياً من الفئات العمالية من استحقاق مكافأة نهاية الخدمة، و نص صراحة على منح العامل مكافأة نهاية الخدمة في المواد،38 ،41 من قانون العمل رقم 7 لسنة 2000م ، وهي حالات إنهاء عقد العمل من قبل صاحب العمل مع إلزامه بدفع المكافأة، والمادة 42 منه التي تَضمنت الحالات التي يَحق فيها للعامل ترك العمل أو الاستقالة مع إلزام صاحب العمل أيضاً بدفع مكافأة نهاية الخدمة للعامل في هذه الحالات، رغم اختلاف قيمة المكافأة في حال ترك العمل عنها في حال استقالة العامل، كما سنوضح لاحقاً .
ويمكننا القول باختصار – وكما قضت به محكمة النقض الفلسطينية - أنّ العامل يَستحق مكافأة نهاية الخدمة في كل الأحوال "و سواء ترك (العامل) العمل أو أُنهِيت خدماته، ولا يُقيد هذا الحق أو يحد منه أي شرط كان سوى إثبات مدة العمل والأجر حتى يستحق قيمة بدل مكافئة نهاية الخدمة".
إلاّ أنّ المادة 40 من قانون العمل رقم 7 لسنة 2000م لم تنص على حق العامل بمكافأة نهاية الخدمة مما أثار التساؤل حول استحقاقه لها .
لذلك سنقسم هذا المطلب إلى فرعين، نتناول في الأول: استحقاق مكافأة نهاية الخدمة في حال كان إنهاء عقد العمل من قبل صاحب العمل، ونتناول في الثاني: استحقاق المكافأة في حال كان الإنهاء من قبل العامل، ونتناول في فرع ثالث: أحكام المطالبة بالفائدة القانونية للحقوق العمالية .
استحقاق مكافأة نهاية الخدمة في حال إنهاء عقد العمل من قبل صاحب العمل:
نصّ قانون العمل رقم 7 لسنة 2000م على عدة حالات يقوم صاحب العمل بمقتضاها بإنهاء عقد عمل العامل، ورتب لكل منها أحكاماً مختلفة من ناحية استحقاق مكافأة نهاية الخدمة. ووردت حالات إنهاء عقد العمل من قبل صاحب العمل في المواد (38) و (40) و (41) ، وسندرسها على التوالي.
البند الأول : استحقاق مكافأة نهاية الخدمة وفق المواد (38) و(41) من قانون العمل :
نصت المادة (38) من قانون العمل رقم 7 لسنة 2000م على أنّه :
1 - لا ينتهي عقد العمل في حال صدور قرار إداري أو قضائي بإغلاق المنشأة أو بإيقاف نشاطها مؤقتاً لمدة لا تزيد عن شهرين، وعلى صاحب العمل الاستمرار في دفع أجور عماله طيلة فترة الإغلاق أو الإيقاف المؤقت مع مراعاة الأحكام الواردة في هذا القانون والمتعلقة بفترة التجربة.
2- ينقضي الالتزام المذكور في الفقرة (1) أعلاه بعد مدة شهرين، وعلى صاحب العمل أن يدفع لعماله زيادة على ما سبق ذكره مكافأة نهاية الخدمة كما نصت عليها أحكام هذا القانون.
كما نصت المادة (41) من قانون العمل رقم 7 لسنة 2000م على أنّه (يجوز لصاحب العمل إنهاء عقد العمل لأسباب فنية أو خسارة اقتضت تقليص عدد العمال مع احتفاظ العامل بحقه في بدل الإشعار، ومكافأة نهاية الخدمة، شريطة إشعار الوزارة بذلك).
يُستفاد من نص هاتين المادتين أنّ المشرع نص صراحة على استحقاق العامل لمكافأة نهاية الخدمة في حال قيام صاحب العمل بإنهاء عقده للأسباب الواردة في المادتين المذكورتين، وهما: حال صدور قرار قضائي، أو إداري بإغلاق المنشأة مدة تزيد عن شهرين وفق منطوق المادة (38) ، وحال إنهاء عقد العمل لأسباب فنية أو خسارة .
استحقاق مكافأة نهاية الخدمة وفق المادة 40 من قانون العمل .
نصت المادة 40 من قانون العمل رقم 7 لسنة 2000م على أنّ (لصاحب العمل إنهاء عقد العمل من طرف واحد دون إشعار، مع حقه في مطالبة العامل بكافة الحقوق الأخرى عند ارتكابه أية مخالفة من المخالفات الآتية ......)
مَنحت هذه المادة صاحب العمل حق فصل العامل دون إشعار إذا قام بارتكاب إحدى الحالات التسع الواردة في نص المادة المذكورة، ودون أنْ تنص على حق العامل في مكافأة نهاية الخدمة في هذه الحال، مما أثار اللبس في حق العامل بالمكافأة بموجبها.
ويبدو لأول وهلة أنّ العامل الذي يُفصل لسبب من الأسباب الواردة في المادة 40 لا يستحق مكافأة نهاية الخدمة ، إلاّ أنّنا وفي تتبعنا لمصدر هذه المادة وأصلها التاريخي، وجدنا أنّ النص الأصلي المقدم للمجلس التشريعي في القراءة الأولى، كانَ يتضمّن صراحة نصاً على حرمان العامل من الإشعار ومكافأة نهاية الخدمة لمن يرتكب المخالفات الواردة فيها، حيث جاء النص في المشروع الأصلي على النحو الآتي (لصاحب العمل إنهاء عقد العمل من طرف واحد دون إشعار أو مكافأة نهاية خدمة ، مع حقه في مطالبة العامل بكافة الحقوق الأخرى عند ارتكابه أية مخالفة من المخالفات الآتية).
ولكن بعد مناقشات متعددة لنص هذه المادة، فقد قّرر المجلس التشريعي في القراءة الثالثة حذف عبارة مكافأة نهاية الخدمة من نص المشروع والإبقاء على الحرمان فقط من الإشعار دون المُكافأة .
وهذا يعني بأنّ المشرع قرّر عدم حرمان العامل من مكافأة نهاية الخدمة حتى لو قام صاحب العمل بفصل العامل بسبب ارتكابه إحدى الحالات التسع الواردة في المادة 40 .
وقد استقرت محكمة النقض الفلسطينية على هذه القراءة للمادة 40 من قانون العمل رقم 7 لسنة 2000م في العديد من أحكامها، فقضت في حكم لها بأنّه ( إذا تمّ فصل العامل لأي سبب من الأسباب الواردة في المادة (40) من قانون العمل رقم 7 لسنة 2000م، فإنّ ذلك يؤدي إلى عدم استحقاق العامل بدل الإشعار فقط ، ولا يوجد في قانون العمل ما يُبرر حرمان العامل من مكافأة نهاية الخدمة في مثل هذه الحال ).
وقضت في حكم آخر بأنّه (وفقاً للمادة 40/ 9 من قانون العمل فإنّ اعتداء العامل على رب العمل أو من يمثله بالضرب؛ إنّما يحرمه من بدل الإشعار فقط، ولا يحرمه من حقوقه الأخرى).
وقضت أيضاً بأنّ " اعتداء العامل على ابن صاحب العمل بالضرب، يَحرمه من بدل الإشعار فقط ولا يحرمه من باقي حقوقه الأخرى، وخصوصاً بدل مكافأة نهاية الخدمة وبدل الإجازة وبدل إجازة اليوم السابع".
وما يؤيد قرارات المحكمة الموقرة تلك هو نص الفقرة الأولى من المادة 6 من قرار مجلس الوزراء رقم (121) لسنة 2005م بلائحة القواعد المنظمة للجزاءات طبقاً لقانون العمل رقم (7) لسنة 2000م حيث جاء فيها أنّه (لغايات إعمال المادة (40)، لصاحب العمل بناء على قرار قضائي، وَقْفْ دفع مكافأة نهاية الخدمة في حال ارتكاب العامل لمخالفة متعمدة واردة في لائحة الجزاءات المصادق عليها ونتج عنها ضرر جسيم أو خسارة جسيمة متحقق منها).
ويتبين من هذا النص أنّ القاعدة العامة في المادة 40 هي دفع مكافأة نهاية الخدمة لمن يرتكب المخالفات الواردة فيها ويُحرم فقط من بدل الإشعار، أمّا حرمانه من مكافأة نهاية الخدمة فهو بحاجة إلى قرار قضائي.
وإني أميل إلى هذا التوجه حيث أنّ الحق في مكافأة نهاية الخدمة ينشأ كمقابل للزمن الذي يقضيه العامل في العمل، وبالتالي لا يجوز حرمانه منه لمجرد أنّه اقترف مخالفات أعطت الحق لصاحب العمل بفصله من عمله وإنهاء عقده، إذْ لو كان الأمر كذلك لأصبح لزاماً علينا حرمان موظف في القطاع الخاص أَمضَى عشرات السنين من عمره في خدمة صاحب العمل من مكافأة نهاية الخدمة التي تُعينه على العيش فيما تبقى من حياته بشكل كريم، لمجرد أنّه ارتكب إحدى المخالفات الواردة في المادة 40 من قانون العمل، وهذا لا يستقيم لا مع العدالة ولا مع المنطق، ولا نَعتقد أنّ هذا قصد المشرع.
نستنتج من كل ما سبق بأنّ العمال جميعهم بلا استثناء يستحقون مكافأة نهاية الخدمة، وبغض النظر عن الطريقة التي انتهى بها عقد العمل، فسواء كان الإنهاء من قبل صاحب العمل أو العامل أو لأسباب لا يد للاثنين بها .
مكافأة نهاية الخدمة في حال ترك العامل العمل، أو استقالته:
نصت المادة 42 /1من قانون العمل رقم 7 لسنة 2000م على أنّه :
(1- يجوز للعامل ترك العمل بعد إشعار صاحب العمل مع احتفاظه بحقوقه القانونية بما فيها مكافأة نهاية الخدمة وما يترتب له من حقوق، وذلك في أي من الحالات الآتية:
ا- تشغيله في عمل يختلف في نوعه أو درجته اختلافا بيناً عن العمل الذي اتفق عليه بمقتضى عقد العمل، إلا إذا دعت الضرورة إلى ذلك ولمدة مؤقتة منعا لوقوع حادث، أو في حال القوة القاهرة.
ب- تشغيله بصورة تدعو إلى تغيير مكان إقامته.
ج- الثبوت بتقرير طبي صادر عن اللجنة الطبية أن استمراره في عمله يشكل خطرا على حياته. د- اعتداء صاحب العمل أو من يمثله على العامل في أثناء العمل، أو بشتمه، أو الضرب والتحقير.
هـ- عدم وفاء صاحب العمل بالتزاماته تجاه العامل رغم مطالبته بها كتابيا).
2- (استثناءً مما ورد في البند (1) أعلاه يحق للعامل إذا استقال من عمله خلال السنوات خَمس الأولى ثلث مكافأة نهاية الخدمة، وثلثا مكافأة نهاية الخدمة إذا كانت الاستقالة خلال السنوات خمس التالية، ويستحق المكافأة كاملة إذا أمضى عشر سنوات أو أكثر في العمل).
يستحق العامل الذي يترك عمله للأسباب الواردة في الفقرة الأولى من المادة 42 مكافأة نهاية خدمة كاملة وبشرط إشعار صاحب العمل بالترك، وقد حاول المشرع إقامة التوازن بين مصلحة العامل وصاحب العمل، فهو بعد أنْ منح صاحب العمل الحق بإنهاء عقد العمل من جانب واحد؛ إذا ارتكب العامل المخالفات الواردة في المادة 40 من قانون العمل رقم 7 لسنة 2000م، فإنه مَنح نفس الحق للعامل إذا ارتكب صاحب العمل إحدى المخالفات الواردة في المادة (42/1) من القانون . إلا أنّ الفرق بين الحالين هو أنّ المشرع أعطى الحق لصاحب العمل بإنهاء عقد العمل بموجب المادة 40 بدون أن يكون ملزماً بإشعار العامل، وفرض على العامل إرسال إشعار إلى صاحب العمل في حال رغبته في ترك العمل استناداً إلى المادة 42/1، وهذا برأينا لا يتوافق مع مبدأ العدالة والتساوي في الحقوق بين الطرفين.
ويُلاحظ أيضاً أنّ المادة 42 استخدمت تعبير (الترك) في الفقرة الأولى، وتعبير (الاستقالة) في الفقرة الثانية، وقرّرت على الفعلين أحكاماً مختلفة في ما يتعلق بمكافأة نهاية الخدمة، حيث يستحق العامل في حال الترك المكافأة الكاملة وفق ما قررته المادة 45 من قانون العمل رقم 7 لسنة 2000م، وهي شهر عن كل سنة، أمّا في حال الاستقالة فقد قرّرت له ثلث المكافأة عن الخمس سنوات الأولى، وثلثي المكافأة عن الخمس سنوات التالية، والمكافأة كاملة إذا أمضى عشر سنوات في العمل .
ويبرز السؤال هنا، عن الفرق بين ترك العامل لعمله الوارد النص عليه في الفقرة الأولى من المادة 42 ، والاستقالة التي نصت عليها الفقرة الثانية من المادة نفسها، حيث أصبح توضيح هذا الفارق مهماً من الناحية القانونية للاختلاف الكبير الذي يترتب على الحقوق العمالية التي يتقاضاها العامل استناداً إلى هذا الفرق وخصوصاً حقه في مكافأة نهاية الخدمة .
والحقيقة أنّ الفرق جوهري وليس شكلي، فترك العمل بموجب الفقرة الأولى ليس عملاً إرادياً بحتاً، يقوم به العامل لأسباب شخصية متعلقة به، بل هو ترك لا إرادي للعمل، وسببه ارتكاب صاحب العمل للمخالفات الوارد في الفقرة الأولى من المادة (42)، فالعامل يترك العمل مضطراً ودفعه الى ذلك صاحب العمل بأفعاله .
أمّا الاستقالة الواردة في الفقرة الثانية من المادة 42، فهي تَصرف قانوني بإرادة منفردة من قبل العامل، ولأسباب خاصة به، وغير مُتعلقة بالمنشأة، أو بارتكاب صاحب العمل لأية مخالفات بحقه، فقد يكون سبب الاستقالة حصول العامل على عمل أفضل من عمله الحالي وبأجر أعلى، أو سفره للدراسة في الخارج، أو زواج العاملة ...الخ ، المهم أنّ أسباب هذه الاستقالة ليست عائدة لإحدى الحالات الواردة في الفقرة الأولى من المادة 42.
وبسبب ذلك فقد فرق المشرع في استحقاق المكافأة للعامل في الحالتين وأعطاه المكافأة كاملة في الحال الأولى (حال الترك) ، بينما أعطاه مكافأة أقل في الحال الثانية (حال الاستقالة).
وقد خلطت محكمة النقض الفلسطينية بين التعبيرين، حيث استخدمت في بعض أحكامها مصطلح الترك وأعطت العامل مكافأة نهاية الخدمة استناداً إلى الفقرة الثانية من المادة 42 التي تترتب على الاستقالة، واستخدمت تعبير الاستقالة والترك للتعبير عن نفس الحالة.
فقد قضت في أحد أحكامها بأنّه (وبالنسبة للسبب الرابع المتعلق بعدم احتساب مدة شهر عن كل سنة كمكافأة نهاية الخدمة، ولمّا كانت الطاعنة (العاملة ) قد تركت العمل فإنّ احتساب (ثلثي) المكافأة يَتفق و نص المادة 42/2 من قانون العمل رقم 7 لسنة 2000م، ويكون هذا السبب غير وارد وحَرِياً بالرد ).
وفي قرار آخر قضت بأنّه ( وبنتيجة المحاكمة ثَبت للمحكمة أنّ المدعي عمل لدى المدعى عليها مدة ستة وعشرين عاماً ...وترك العمل برغبته وقدّم استقالته في نهاية شهر كانون الثاني من العام 2002، لذلك فإنّه يستحق مكافأة كاملة وفق أحكام المادة 42/2 من قانون العمل رقم 7 لسنة 2000م ).
وقضت أيضاً أنّه ( إذا ترك العامل عمله من تلقاء نفسه ولم يتم فصله، وعمل لمدة تزيد عن خمس سنوات، فإنّه يستحق ثلثي مكافأة نهاية الخدمة وليس كامل المكافأة، وذلك عملاً بأحكام المادة 42/2 من قانون العمل رقم 7 لسنة 2000م).
ويبدو من هذه الأحكام أنّ محكمة النقض مستقرة على إعطاء العامل مكافأة نهاية الخدمة وفق أحكام الفقرة الثانية من المادة 42 في جميع حالات إنهاء عقد العمل من قبل العامل، أي سواء أكان الإنهاء بالاستقالة أو الترك.
وبرأينا أنّ هذا القضاء يُخالف صراحة نص المادة 42 من قانون العمل الفلسطيني رقم 7 لسنة 2000م، التي أوجبت مَنح العامل مكافأة كاملة وفق ما قررته المادة 45 إذا كان سبب ترك العامل للعمل إحدى الحالات الواردة في الفقرة الأولى من المادة 42، أمّا إذا كان العامل قد قدم استقالته من العمل لأي سبب غير الأسباب الواردة في الفقرة الأولى من المادة 42، فإنّه يستحق المكافأة وفق ما قررته الفقرة الثانية من المادة 42، وليس وفق المكافأة المقررة بموجب المادة 45 من قانون العمل الفلسطيني رقم 7 لسنة 2000م .
ولم تُميز بعض التشريعات العربية بين إعطاء العامل مكافأة نهاية الخدمة في حال تركه للعمل أو فصله أو استقالته، بل قررت له قيمة واحدة للمكافأة بغض النظر عن سبب إنهاء العقد