في محاولة للتخفيف من وطأة الضربة القاسية التي تلقاها حزب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الانتخابات البلدية، إثر خسارته أكبر وأهم مدينتين في البلاد، العاصمة أنقرة وإسطنبول، خرج المتحدث باسم الرئاسة التركية ليعلق على "بداية نهاية أردوغان".
وشكلت نتائج الانتخابات التركية صدمة لحزب العدالة والتنمية، الذي يوشك على فقدان سيطرته على المدينتين، في مؤشر إلى أن "كيل الأتراك قد طفح" نتيجة سياسيات رئيسهم التي أدخلت البلاد في أزمة اقتصادية خانفة.
وبالرغم من أن اللجنة العليا للانتخابات التركية أعلنت، الأربعاء، أنها ستعيد فرز الأصوات في عدد من الدوائر الانتخابية في مدينة إسطنبول، بعد قبول طعون تقدم بها مسؤولون في حزب العدالة والتنمية على نتيجة الانتخابات، فإن ذلك لن يغير من واقع أن الرئيس بدأ بفقدان شعبيته بين الأتراك.
وقالت اللجنة العليا للانتخابات التركية إنها ستعيد فرز الأصوات في 8 دوائر انتخابية في إسطنبول، رغم أنها قررت الثلاثاء إلغاء قرارها الخاص بوقف عملية إعادة فرز الأصوات "الباطلة" في عدد من اللجان الانتخابية بـ7 أقضية بولاية إسطنبول، التي يقدر عدد سكانها بحوالي 15 مليون نسمة، وذلك بحسب ما ذكرت وكالة "أنباء الأناضول".
وفي هذا الإطار، نشر المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيك كالين، تغريدة على تويتر، قال فيها: "البعض يروج لقصة (بداية نهاية أردوغان) من جديد. إنهم لا يتعلمون أبدا".
وأضاف: "حزب العدالة والتنمية فاز بـ44,3 بالمئة (من الأصوات)، بينما فاز تحالف المعارضة بـ51,6 بالمئة من الأصوات. وولاية أردوغان مستمرة حتى عام 2023. لا انتخابات حتى ذلك الحين". وتابع: "توقفوا عن تصوير أمانيكم كحقائق وتحليلات".
وتعكس هذه التصريحات خطورة موقف أردوغان، وأهمية مدينة إسطنبول وقدرتها في التأثير على العملية الانتخابية، خاصة وأنها تضم نحو خُمس سكان البلاد.
وقال الخبير في الشأن التركي، محمد عبد القادر، إن ترشيح حزب العدالة والتنمية بأهم رجل في الحزب بعد أردوغان من أجل ضمان الفوز في إسطنبول، يترجم بشكل جلي الكلمة التي قالها أردوغان ورددها كثيرا بأن "من يخسر إسطنبول يخسر تركيا".
وأوضح لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن الحيل السياسية والقانونية لإحباط زحف المعارضة على إسطنبول هي الملاذ الأخير للحزب الحاكم حاليا، لعله يستعيد المدينة التي كانت تشكل الخزان الانتخابي الأكبر له.
ورغم الطابع المحلي للانتخابات البلدية في تركيا، إذ يختار المواطنون الأتراك، من حيث المبدأ، من يدير الخدمات في المدن التي يسكنونها، فإن لهذه المحطة الانتخابية أهمية كبرى، بل إن هناك من اعتبرها بمثابة استفتاء حول شعبية حزب العدالة والتنمية الذي يمسك بزمام البلاد منذ سنوات طويلة.
وتكتسب هذه الانتخابات أهميتها من كونها أول اقتراع في ضوء الدستور الجديد الذي جرى عرضه لاستفتاء شعبي في أبريل 2017 وأيده الأتراك حينها، بنسبة ضئيلة لم تتجاوز 51.41 بالمئة.
وقد استطاع أردوغان بالفعل في السابق، أن يحرز انتصارات سياسية ساحقة قبل أن يبدأ مسار الانحدار، خلال السنوات الأخيرة، خاصة وأن عددا كبيرا من الأتراك أبدوا خشية من نزوع الرجل إلى التحول لـ"سلطان" ينفرد بالقرارات ويزيح حتى الأصوات التي توصف بالمعتدلة داخل حزبه، مثل أحمد داوود أوغلو الذي تولى منصبي وزير الخارجية ورئيس الوزراء.
كما أن الانتخابات البلدية الأخيرة، جرت وسط أزمة اقتصادية كبيرة، جراء زيادة معدلي البطالة والتضخم واستمرار تداعيات هبوط الليرة إلى مستوى غير مسبوق أمام الدولار، وبما أن أردوغان يعزو تصدر حزبه للمشهد السياسي إلى الإنجازات الاقتصادية، فإن تبخر هذه الأخيرة كان إيذانا بانفضاض المؤيدين من حوله.
وفي أزمة الليرة، رأى متابعون أن سياسات أردوغان زادت الطين بلة، ففي الوقت الذي كان الخبراء ينصحون الرئيس باحترام الاستقلالية النقدية للبنك المركزي، أصر "السلطان" على معارضته لزيادة أسعار الفائدة، وهو ما زاد من التضخم، وفي وقت لاحق، اضطر الرئيس التركي إلى التراجع عن هذا المبدأ لكن بعدما اندحرت الليرة إلى مستويات دنيا.
وفي المنحى نفسه، أدت سياسات أردوغان المتقلبة إلى توتر العلاقة مع واشنطن التي تجمعها شراكة تاريخية واستراتيجية بأنقرة، وأدى الاعتقال التركي للقس الأميركي أندرو برنسون، إلى فرض عقوبات على الاقتصاد التركي.
وتحت وطأة الضغط والوعيد الأميركي بمزيد من العقوبة، عاد أردوغان إلى طابعه البراغماتي مجددا، وأفرج القضاء عن القس، لكن هذه الخطوة جرت بعد تمنع كلف الليرة التركية خسائر فادحة، فعلى الرغم من تعافيها بشكل نسبي ظلت دون ما كانت عليه قبل الأزمة.
ولأن الوضع الاقتصادي لم يكن على ما يرام، خلال الحملة التي سبقت الانتخابات البلدية، ركز أردوغان على دغدغة العواطف القومية والدينية بدلا من تقديم برامج واضحة تبعث إشارات مطمئنة إلى الناخب التركي.
واستغل أردوغان حادث الهجوم الإرهابي على مسجدين في نيوزيلندا حتى يعزف على أوتار قاعدته المحافظة من الناخبين، وأصر على عرض فيديو مروع في الوقت الذي كانت منصات التقنية الكبرى تعمل جاهدة حتى تقوم بحذفه من الصفحات.
ولم يكتف أردوغان بالركوب على موجة الدماء البريئة التي سالت في نيوزيلندا، بل تعهد بأن يتحول متحف آيا صوفيا الديني إلى مسجد.
لكن خطاب اللعب على الوتر العاطفي لم يجد نفعا على الأرجح، فالمدينة الأكبر في تركيا اختارت أن تخرج من عباءة "السلطان" أملا في إيجاد حلول واقعية لكثير من المشكلات التي تحيط بها.
سكاي نيوز