الأربعاء 12/10/1444 هـ الموافق 03/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
لو لم يكن وعد بلفور..؟...دكتور ناجى صادق شراب

   هذا السؤال الإفتراضى والتخيلى يوضح كم كان لهذا الوعد من نتائج ليس فقط على مستوى الشعب الفلسطينى والثمن الذى دفعه وما زال حتى الآن من معاناة سياسيه بسبب الاحتلال وممارسات السياسه العنصرية التي تمارسها إسرائيل على شعب كامل تجاوز عدد سكانه الخمسة عشر مليونا نصفهم مشردين ويعيشون في المخيمات في اكثر من دوله عربيه. هذا الوعد لم يكن مجر وعد لفظى بل هو تعبير عن سياسه وقرار للدولة التي تحكمت في مصير كثير من الدول في العالم الإمبراطوريه البريطانيه. فهو وعد لدولة جاء على لسان وزير خارجيتها ، ومن هذا المنظور هو سياسه وبرنامج عمل عملت بريطانيا على تنفيذها. والوعد جاء بعد المؤتمر الصهيوني الأول 1897 والذى نص على قيام وطن قومى يهودى في فلسطين. ولذلك الوعد هدفه كما جاء في نصه تحقيق هذا الهدف. والسؤال كيف ؟ ولماذا بريطانيا؟وقبل الولوج فى الإجابة ، فالوعد جاء إستجابة أيضا لحل المسألة اليهودية على حساب الشعب الفلسطيني بدلا من تحمل حلها بريطانيا وأوروبيا، وثانيا الهدف الربط بين العلاقات التحالفيه بين الإستعمار والحركة الصهيونية ، فالهدف إقامة دولة في المنطقه تحول دون قيام دولة عربيه قويه في أهم منطقه جيوسياسيه في العالم. فالهدف إبقاء هذه المنطقة ضعيفه ومفككه لما تملكه من مصادر قوة إستراتيجية متعدده.والوعد جاء قبل إتفاقات سايكس بيكو وقيام الحرب الكونية الأولى وقيام عصبة ألأمم وإعتماد نظام الإنتداب ، والملاحظه ألأخرى ان هذا الوعد جاء بدعم أمريكى كامل.ولو نظرنا اليوم إلى كل مشاكل المنطقة ، وكل الحروب التي شهدتها المنطقة بسبب قيام إسرائيل وتشريد الشعب الفلسطيني ، ما كان يمكن ان تقوم أو تحدث. فهذا الوعد هو السبب لما آلت اليه كل التطورات التي شهدتها وتشهدها المنطقة اليوم وحتى على مستوى العلاقات الدولية والصراع بين الولايات المتحده والإتحاد السوفيتى سابقا, والسبب حتى لما تعيشه المنطقه من حروب داخليه وصراعات إقليميه. ولولم يكن الوعد لصارت ألأمور على النحو التالى او السيناريو الذى كان متوقعا, فوفقا لنظام الإنتداب وضعت فلسطين وعمدا تحت الإنتداب البريطاني ، وصنفت فلسطين منطقة أ. ولو تحقق هذا السيناريو لقامت فلسطين الدولة المستقله الواحده والتي تحتضن اليهود والفلسطينيين في كنف دوله واحده. بعبارة أخرى ما كانت قامت إسرائيل كدوله ، لكن لحلت المسألة اليهودية في سياق الدولة العالمانية الديموقراطيه الواحده، وما كان ترتب على ذلك نشؤ القضية الفلسطينية وبداية الصراع مع أول حرب عربيه إسرائيليه وتشريد أكثر من 750 ألف فلسطيني لتنشأ مشكلة اللاجئيين الفلسطينيين. وما ترتب بعدها من أكثر من حرب ، وما زال الصراع محتدما، وتم إنقاذ مئات الآلآف من الضحايا المدنيين الأبرياء. وتم توفير مليارات الدولارات التي لو أنفقت في البناء والتنمية لحلت كثير من المشاكل الإقتصاديه والإجتماعيه, ولكان لدينا نموذج الدولة الواحده التي تقدم نموذجا للتسامح والتعايش. بدلا من ذلك وتناقضا مع أهداف نظام الإنتداب تم تنفيذ وعد بلفور وفق سياسه ورؤية مخطط لها ومدروسه فتم فتح أبواب فلسطين أمام الهجرة اليهوديه، وتم تسهيل نقل الأراضى الفلسطينيه للمؤسسات الصهيونية وتم إفشال جميع الحلول التي طرحت في العشرينات والثلاثينات من القرن الماضى، وتم إجهاض الحركة الوطنية الفلسطينية ، وللعلم الفلسطينيون لم يرفضوا التواجد اليهودى بل رحبوا به، فكما رأينا في الهجرة ألأولى لم تكن عناك خلافات ولا صراعات ، بل تم ذلك مع الهجرة الثانية وما تلاها لما أرتبطت به من اهداف ونوايا إحتلاليه. لتنتهى الأمور بعرض القضية على الأمم المتحده عام 1948 وصدور قرار التقسيم الذى قسم فلسطين لثلاث نمناطق واحده يهوديه بمساحة تقارب الخمسة والخمسين من مساحة فلسطين ومنطقه او دوله عربيه بمساحة تقارب ال ألأربعة واربعين والقدس تحت الوصاية وألإشراف الدولى . ولم تكتفى إسرائيل بذلك فتحت ذريعة الرفض العربى كانت الحرب ألأولى والتي كانت بداية لنشاة القضية والصراع العربى الإسرائيلي .كل هذا التطورات سببها وعد بلفور، ولم تتوقف الأمور عند هذا الحد بل إن الصراع أٌلإيمى الذى نرى صوره اليوم بين إيران وإسرائيل ، والتغلغل الإسرائيلي في المنطقه كله نتاج هذا الوعد الذى أعاد رسم الخارطه السياسيه لكل المنطقة لعقود قادمه. والحل الوحيد لتجاوز هذا الوعد وتقع المسؤولية ألأولى على بريطانيا وأوروبا والولايات المتحده بقيام الدولة الفلسطينية الديموقراطيه والعمل على خلق نموذج للتعايش والتسامح بين الشعبين الفلسطينيى واليهودى في إطار من الكونفدراليه او الفيدراليه والمشاريع المشتركه وبتوسيع مقاربة الحقوق الفلسطينيةى وهذا لن يتنم إلا بإنهاء الإجتلال الإسرائيلي وفى إطار من السلام العربى الشامل الذى يقع في قلبه قيام الدولة الفلسطينية الديموقراطيه والبحث عن المستقبل بالسيناريو الذى كان يمكن ان يتحقق بدون وعد بلفور.
دكتور ناجى صادق شراب 
[email protected]

2021-11-06