(الصحفيون يدفعون الثمن من دمائهم وأرواحهم وأجسادهم مقابل قيامهم بدورهم وواجبهم، فيما يتفرق دمهم بين سلطة ونظام مستعد لحرق الأخضر واليابس ليبقى في السلطة، وبين قوى معارضة مسلحة أوغلت هي الأخرى في دماء صحفيين في معركة لا يقبل فيها أي من الطرفين، وللأسف، بحياد الإعلام)
رام الله - الوسط اليوم:
سيطرت الخلافات والانقسامات الداخلية في أوساط الصحفيين المصريين، والتي تتجلى بوضوح في بيت نقابتهم العريقة، على أجواء المؤتمر الثاني عشر لاتحاد الصحفيين العرب، الذي التأم في القاهرة يومي 8 و9 كانون الثاني (يناير) الحالي، وذلك قبل أيام قليلة فقط من احتفال المصريين بالذكرى الثانية لثورة 25 يناير التي قلبت وجه مصر، بل والمنطقة كلها.وعكست موضوعات الخلافات الصحفية والنقابية المصرية، إلى حد بعيد، حدة الجدل والصراع السياسي والأيديولوجي اللذين تمور بهما الساحة المصرية، وانقساماتها بين التيار الإسلامي، الإخواني أساسا، الذي يمسك بزمام السلطة اليوم، وبين التيارات القومية واليسارية والليبرالية التي تتخذ جانب المعارضة. بل هي تطرح، من جانب ما، جدل سؤال الحريات الإعلامية والصحفية المصرية والعربية بعد عامين على ثورات الربيع العربي.الصحفيون المصريون حضروا إلى المؤتمر العام لاتحاد الصحفيين العرب منقسمين بين نقيب للصحفيين، تحسبه غالبية مجلس النقابة على الإخوان المسلمين والسلطة، وبين مجلس نقابة يغلب عليه التيار القومي واليساري، والذي يحمل بشدة على إدارة الإسلاميين لملف الإعلام، ويتهمونهم بالتضييق على حرية الإعلام ومحاولة العودة بالصحافة المصرية إلى ما كانت عليه في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك.وبعيدا عن تفاصيل الخلافات داخل بيت الصحافة المصرية، وتجلياتها في المؤتمر، فإنها شكلت مدخلا مهما لقراءة واقع الصحافة العربية والحريات الصحفية في فترة الربيع العربي، وتحديدا في الدول التي أنتج ربيعها تغييرات جذرية على أنظمتها؛ كمصر وتونس وليبيا واليمن.رغم الإيجابيات والإنجازات الكبيرة على صعيد الحريات السياسية والعامة التي جلبتها ثورات الربيع العربي على مجتمعات الدول المذكورة، كما باقي الدول العربية التي تشهد حراكا سياسيا وشعبيا إصلاحيا، فإن الصحفيين والصحافة في هذه الدول ما يزالون يخوضون معارك ضارية في الدفاع عن الحريات الصحفية، وفي التصدي لمحاولات الاحتواء التي تفرضها السلطات والقوى السياسية والحزبية المسيطرة.وفيما لم تجف بعد دماء الصحفيين العرب المصريين والتونسيين والليبيين واليمنيين، والسوريين أيضا، الذين سقطوا شهداء لحرية الكلمة والموقف في ثورات الربيع العربي، وهم بالعشرات، ولم تهدأ أرواحهم بالحصول على القصاص من قاتليهم الذين أفلتوا من العقاب؛ في هذا الوقت، وجد الصحفيون العرب أنفسهم في خضم معارك لا تقل شراسة عن مواجهة رصاص الأنظمة المخلوعة وقمعها، جبهتها القوانين والتشريعات والتعديلات الدستورية ما بعد الثورة.كما بدا واضحا من شهادات العديد من الصحفيين المصريين والتونسيين واليمنيين، أن محاولات الإقصاء والإحلال بين أوساط الصحفيين، وفقا لتصنيفات القرب من السلطة وحزبها والبعد عنهما، هي معارك مشتعلة، ويذهب ضحيتها العديد من الصحفيين المستقلين أو المعارضين. كما لا تخلو هذه المعارك أيضا من لجوء السلطة ورموزها الذين جاؤوا من سجون ومنافي ما قبل الربيع العربي، إلى سلاح القضاء للتضييق على الصحافة والصحفيين، مستغلين بعض التشريعات المقيدة للحريات التي لم تصلها شمس الربيع!هذا على صعيد الدول العربية التي أنجزت ثوراتها وربيعاتها، أما على صعيد باقي الدول العربية، التي تشهد حراكات إصلاحية وشعبية أو تفتقد إلى مثل هذه الحراكات، فإن أوضاع الحريات الصحفية تكاد تكون أسوأ؛ فهي تواجه بقمع أمني وسياسي وقضائي وقانوني ممتد ومستحكم منذ عقود.أما الوضع السوري، فهو الأقسى على الإطلاق اليوم. فالصحفيون هناك يدفعون الثمن من دمائهم وأرواحهم وأجسادهم مقابل قيامهم بدورهم وواجبهم، فيما يتفرق دمهم بين سلطة ونظام مستعد لحرق الأخضر واليابس ليبقى في السلطة، وبين قوى معارضة مسلحة أوغلت هي الأخرى في دماء صحفيين في معركة لا يقبل فيها أي من الطرفين، وللأسف، بحياد الإعلام.
الغد -ماجد توبة