الأربعاء 22/10/1445 هـ الموافق 01/05/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
كيف يبدو المشهد الفلسطيني...؟؟ /بقلم:- راسم عبيدات

الحالة الرسمية الفلسطينية تبدو منقسمة على ذاتها،في اطار استمرار المناكفات والصراع على السلطة الوهمية،وتقديم الولاءات والمصالح الحزبية والتنظيمية والفئوية على المصالح الوطنية العليا،ولا افق لانهاء ظاهرة الانقسام،حيث مسلسل الردح وعبارات التخوين والمزيدات على أشدها وخصوصاً بعد شريط الردح والإتهامات المتبادلة بين الاحمد والدويك في الندوة التي أقيمت في مقر منظمة التحرير الفلسطينية برام الله،حول كيفية تجسيد الوحدة، واستمرار الانقسام،وهذا بحد ذاته يعكس حالة من عدم الثقة،وعدم وجود نوايا صادقة من أجل المصالحة وإنهاء الانقسام،وأن الحديث عن انهاء الانقسام هو مجرد فرقعات إعلامية،وكلمة حق يراد بها باطل،ومن باب عدم تحمل المسؤولية عن إستمراره،وتسجيل نقاط لصالح طرف على حساب طرف،ولكن ما وراء الاكمة وما يخفى،هو دوام واستمرار الانقسام وتعمقه وتجذره وشرعنته،حيث نمت نفوذ ومصالح وامتيازات لجهات نافذة في كلا الفريقين.
أما الحالة الشعبية فالمرجل يغلي ويتسع مدىً وشمولاً،حيث المواجهات والهبة الشعبية المتصاعدة والمتسعة،ليس فقط بفعل سياسات الاحتلال وممارساته وتوحشه وتغوله وانفلات قطعان مستوطنيه،كما حصل في قرية قصرة مؤخراً،حيث هاجمت قطعان المستوطنين البلدة من الجهة الشرقية،وأحرقت 6 سيارات للمواطنين،وأتلفت الكثير من الممتلكات،وكذلك زعران المستوطنين اقتحموا بمئة عنصر قبر يوسف تحت حماية ومرافقة الشرطة والجيش،وفي هذا السياق أيضاً غلاة المستوطنين وزعرانهم وبمباركة المستوى السياسي اقتحموا المسجد الأقصى أكثر من مرة،وأيضاً ما يحدث على صعيد جبهة الأسرى والمعتقلين وبالتحديد المضربين منهم عن الطعام،والذين يخوضون معركة الأمعاء الخاوية،ليس نتاج هموم ومصالح واعتبارات شخصية،بل هم يخوضون تلك المعركة في أطول إضرابات مفتوحة عن الطعام،لم يعهدها التاريخ البشري من قبل،لا قديماً ولا حديثاُ،فسامر العيساوي يقترب من شهره الثامن في إضرابه المفتوح،هذا الإضراب الذي يجيء دفاعاً عن كرامة وحقوق ومنجزات ومكتسبات الحركة الأسيرة الفلسطينية،وإحتجاجاً على ما تقوم به مصلحة السجون الإسرائيلية وأجهزة مخابراتها،من عملية قمع وتنكيل ممنهجتين بحق الأسرى،بعلم ومشاركة من قمة المستويين السياسي والأمني الإسرائيلي،وترافق ذلك مع استشهاد الأسير عرفات جردات،مما رفع من منسوب النضال الجماهيري- الكفاحي والمواجهات مع العدو،دون ان يصل السقف الى بوادر انتفاضة شعبية شاملة، فهناك من لا يريد انتفاضة شعبية بالمطلق،ويرى أن استمرارها وبشكل محدود ومؤقت من شأنه أن يشكل عامل استثمار لصالح مواقفه ورؤيته السياسية في الضغط على الحكومة الإسرائيلية،مثل التعجيل بتحويل عوائد الضرائب الفلسطينية المحتجزة،وهذا ما حصل بالفعل،حيث أمر نتنياهو بتحويل عوائد الضرائب الجمركية المحتجزة ،تلك العوائد المحتجزة التي أدت لحدوث أزمة مالية كبيرة لدى السلطة الفلسطينية،فجرت احتجاجات داخلية مطلبية وإقتصادية،وساهمت في خلق أجواء إنتفاضية،وتحويل عوائد الضرائب ومطالبة الجيش بإبداء أعلى درجة من الانضباط،يأتي بهدف وسياق خطوات من شأنها تخفيف حالة الاحتقان في الساحة الفلسطينية ومنع تدهور الاوضاع وخروجها عن دائرة السيطرة ،قبيل زيارة أوباما،وتشمل تلك الخطوات أيضاً تسهيلات مثل منح تصاريح عمل وحرية تنقل،تخفيف حصار،وربما إطلاق دفعة من الأسرى من الذين شارفت محكوميتهم على الإنتهاء ...الخ.
نعم المرجل يغلي،والغضب الشعبي والجماهيري يتصاعد ويتسع،والأجواء تتهيأ لاندلاع إنتفاضة شعبية،والجماهير تتقدم على الفصائل والأحزاب،كما حصل في الانتفاضة الأولى،فالجماهير تتحرك في إطار عفوي بحسها ووعيها الوطني،وإخلاصها وصدق انتمائها،ولكن ليس هناك ناظم أو موحد للفعل والجهد الشعبي والجماهيري،وصهره في بوتقة واضحة من خلال رأس قيادي وبرنامج سياسي ورؤيا واستراتيجية واضحتين ومحددتين،وكذلك لا توجد حوامل تنظيمية حزبية تنظم حركة الجماهير في إطار تنظيمي وطني موحد،وبالتالي تكون تلك التحركات والهبات الشعبية،هي أقرب الى تمردات اجتماعية كبيرة،تحركها عوامل وقضايا وطنية وسياسية ومطلبية،ولكن لا نستطيع ان نطلق عليها صفة انتفاضة شعبية،حيث لا يتوحد لا الشعب ولا الفصائل حول هذا الشعار،ولا حول إستراتيجية ولا برنامج سياسي موحدين،وبالقدر الذي تندفع فيه الجماهير في نضالاتها وتضحياتها،وترفع من المنسوب الكفاحي الشعبي والجماهيري،نجد ان قيادة السلطة،وقبل زيارة أوباما معنية،بفرملة حركتها ومنع تطورها لاعتبارات لها علاقة بمواقفها ورؤيتها السياسية ورهاناتها،وكذلك القوى التي تطلق وتسبغ على نفسها صفة الطليعة،حتى اللحظة الراهنة غير قادرة على أن تشكل قيادة أركان لمثل هذه الهبة الجماهيرية،لكي ترتقي بها الى انتفاضة شعبية شاملة،وخصوصاً أنها مترددة وغير واضحة وحاسمة في خياراتها السياسية،على الرغم من ان التطورات على صعيد جبهة الأسرى،إذا لم يجري تنفيسها واستثمارها بشكل خاطئ قد تشعل انتفاضة شعبية ثالثة،ولربما كما حصل في الانتفاضة الثانية أيلول/2000،حيث أن اقتحام المسجد الأقصى من قبل شارون،كان بمثابة الشرارة التي فجرت تلك الإنتفاضة،والمفجر أو الشرارة للإنتفاضة الثالثة،قد تكون رهناً بالتطورات على جبهتي الأسرى والأقصى،فأي شهيد لا سمح الله قد يسقط من بين الأسرى المضربين عن الطعام،قد يكون بمثابة الشرارة لانتفاضة ثالثة،تجر بها الجماهير،الفصائل الى مربع وخانة تلك الانتفاضة،أو لربما،إقتحام المسجد الأقصى ومحاولة تقسيمه زمانياً ومكانياً،كما حصل في الحرم الإبراهيمي،قد يولد تلك الشرارة لتلك الإنتفاضة،والتي يعول فيها على الجماهير وحسها الشعبي والوطني،ولا يعول فيها لا على العرب والمسلمين،حيث أنه بعدما أحرق المتطرف الصهيوني الأسترالي روهان في آب/1969،المسجد الأٌقصى،كانت رئيس الوزراء الإسرائيلي أنذاك "غولدا مائير" تتوقع أن تجتاح الجيوش العربية والإسلامية الدولة العبرية،وتضع حد لوجدها،ولكن من بعد ذلك عندما لم يحصل ذلك،أدركت أنه بإمكان الدولة العربية،أن تستبيح كل البلاد العربية،دون ان يحرك العرب ساكناً،غير إسطوانتهم المشروخة في "الجعجعة" الكلامية من خطب وبيانات شجب وإستنكار.
ولكن في المشهد الفلسطيني،تبقى الجماهير سيدة الموقف،وهي مهماز الحركة،وهي المحرك والرافعة للسقف النضالي شعبياً وجماهيرياً،هذا النضال الشعبي الذي قد يندفع نحو إنتفاضة شعبية بفعل قضية الأسرى أو الأقصى أو عوامل أخرى.

القدس- ةفلسطين

2013-02-27