الثلاثاء 21/10/1445 هـ الموافق 30/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
أفكار عابرة للمجتمعات، قوالب وإطارات...ديما ميقري

 نحنُ أفضل بكثير من سُمعتنا، كذلك الكليشات أو القوالب التي وضعَنا بها المجتمع ، المجتمع نحن ككل ، كالحماة والكنة وامرأة الأب ، والمطلقة ، والأرملة ، هناك حالات تنطبق على الشهرة بالتأكيد بالنسبة للحماة والكنة ، لكنها ليست قاعدة ، خاصة ما إذا تم النظر في الدوافع ومن أين بدأت الحلقة ! يعتمد الكثيرون على خيالهم أكثر بكثير من الواقع ، ويجذبون بذلك ما يتوهمون فيصبح الوهم حقيقة .

مثلاً : افترض أنك عايشت خوفاً وقلقاً من أفكار عدة في رأسك، منها ما تم تلقينها لك ، ومنها ما اجتهد بها خيالك وفقاً للقالب الأساسي والتصورات الموجودة أصلاً ، من شيء أنت لم تتعرف عليه بعد ، كيف تظن نفسك أنك ستتعامل معهُ في اللحظة التي ستفرض عليك واقع وجوده ؟ كيف باعتقادك ستكون لغة التواصل ؟ الإيماءات الحركات ، نبرة الصوت ، التصرفات وفهم الأفعال وردود الأفعال ، أو حتى الأحكام ؟ بالطبع لن تكون عادلاً ، فريثما تأخذ وقتك في فهم الإنسان المقابل قد تكون قطعت كل حبال التواصل أصلاً أثناء قيامك بتحقيق التهيؤات والتصرف على أساسها.
لو نظرنا في المجتمع النسائي بشكل عام ، لا أخص في ذلك خلفية بداتها ، حتى الأوروبي وغيره نجد لديهن نفس الدوافع والتي بدأت أصلاً في المنافسة على الأفضل وإثبات الدور والمكانة ، وكان ذلك حتى قبل مئات السنين. إذاً ، إنه الخوف ، الشعور بالتهديد والخوف من فقدان المكانة لدى الآخر لمجرد وجود شخص جديد يشغل بدوره أيضاً مكانةً من الصعب المقارنة بينهما ، لأنهما أصلاً ليسا موضع مقارنة! انتقلت بدورها القوالب الشريرة للحموات والكنة إلى الأدب والفن في مطلع القرن التاسع عشر على الأقل في أوروبا ، وكانت مادة دسمة لإشباع خيال الشعوب الجائع أكثر لملئ ثغرات التهيؤات ، أو حتى رغباتهم في تمكين أو تعزيز آرائهم ، ليشعروا بذلك أنهم على صواب . " انظر ، حتى الأدب تناول تلك القصص ، لولا أنها حقيقةً لما ركز عليها" يقول الكثيرون . أما الأدب والدراما العربية فشغلت نفسها ومازالت حتى إلى يومنا هذا بعرض تلك الكليشات والقوالب التي لا بد من وجودها في غالبية الأعمال وحتى البرامج التلفزيونية كأحمر بالخط العريض اللبناني الذي تناولها ناقداً ، و البلوغر السوري عمرو مسكون الذي تناولها بنقد ساخر وفكاهي مضحك، أو الكثير من المقولات القديمة والأمثال الشعبية التي تؤخذ عادةً على محمل الجد دون النظر حتى في صحتها وملاءمتها، أو حتى تسليط الضوء من قبل شركات الإنتاج السورية والخليجية وغيرها من خلال تناولها تلك المواضيع وتقديمها بطريقة مثيرة للجدل وفي بعض الأحيان مستفزة في تنميط وقولبة المرأة في إطارات عدة. يفضّل الرجال غالباً البقاء خارج ذلك الصراع المأثور أو بالأحرى العريق، في حين تتوقع الزوجات والأمهات من الزوج أو الابن أخذ موقف لصالحهن ، وعليك أن تتخيل ما الذي سيحصل إن لم يفعل ذلك ! تقول صديقتي الألمانية التي تفوق الآن الستين عاماً ، أنها لم تكُن كنّةً مرغوباً بها ، لأنها تكبر زوجها بضع سنوات ، وتلقت لذلك معاملةً غير جيدة لسنوات طويلة ، لكن الحب 
والتفاهم بين الزوجين كان عرّاب البقاء .
تقول إحداهُن من خلفية عربية بعد طلاقها من زوجها ، لم تعُد الفُرَص الآن كما كانت عليهِ من قبل ، سيما مع وجود طفلين صغيرين، عليّ ألا أتوقع الكثير من الحياة بعد الآن ، فمن سيرغب في مطلقة مع طفلين ؟ لن أحصل على شاب أعزب حتى في مخيلتي ، وإن وقع هو في حبي فعلى الأقل لن تدعه أُمّهُ وشأنه ! وتنهي حوارها بقلق : ماذا لو وقعتُ في حُبِّ أعزب ؟ على ذلك الكثير من النساء وحتى الرجال الذين يتبنون نظرة مسبقة للأمور الحياتية والأشخاص وما يتعلق في المجتمع .
لو سألنا أنفسنا ، كم سنكون أحراراً لو نحينا كل ذلك جانباً ، وأزلنا عن عاتقنا كل تلك التصورات المسبقة التي وفي الغالب نسبة احتمال خطئها أكبر من صحته؟
لو سألنا أنفسنا إلى أي مدى نستطيع إدارة حياتنا في الحقيقة ، فقط من خلال طريقة تفكيرنا واتباع بعض الاستراتيجيات للتعامل مع الآخرين الذين يشغلون مواقع حساسة في حياتنا ؟ وإلى أي مدى يعود ذلك بدوره علينا ، أو حتى إلى أي مدى نشاركه مع الآخر ؟ 
قد لا نظن أننا نتشارك المفاهيم لتصل إلى الجانب الآخر من الكوكب ، لكنها بالفعل كذلك ، كيف اليوم ومع انفتاح المجتمعات على بعضها عبر الإنترنت ؟ إذن ، إلى أي مدى أنت قادر على خلق بصمة خاصة بك غير متأثراً بالقوالب ؟ وإلى أي مدى تستطيع متابعة أفكارك ومفاهيمك وغربلتها ؟
فلنسأل أنفسنا في كل مرة ، إلى أي حد قمت فعلاً بتبني الأفكار ، ما الذي اخترته منها بنفسي ، ما الذي تم تلقينه لي دون أن أشعر ؟ 
وأخيراً ، إلى أي مدى يعود ذلك علي بالنفع أو الضرر؟

 

2023-07-04