الأربعاء 22/10/1445 هـ الموافق 01/05/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
سأنتظرها هناك ....بقلم هنادي الوزير
أخبيء رسائلي إلى الله
أطويها مئة طية، أجعلها في حجم عقلة اصبع، وأضعها في جيبي الأيسر إلى جانب قلبي، ربما ليقيني أن رسائلي له لا تصل، أو أنه لا يراها في قلبي فأكتبها على ورقة لتكون واضحة، أكتبها بخط عريض، رجولي، مستفز، غاضب، وأردد بصوت خافت سيراها هذه المرة، لابد أن يراها!
أنتظر الصباح الآتي، والصباحات التي تليه!
أخرج إلى الشرفة، أخرج كل الرسائل التي تكدست بجيبي الأيسر!
أفتح جميعها، أبعثرها في الهواء كفراشات، أحررها نحو الضوء فتلمع وتطير منها الكلمات
فيفرغ الورق ويتحول إلى قبور فارغة، وتتحرر روحها!
الكلمات المليئة باستجداء، وبكاء، صراخ، نداءات، ضحكات، ذكريات، وجوه تفلت ملامحها، موسيقى متخمرة، تفاصيل بمذاق البلاد، قلق، أغنيات معتقة، تشرد، سرقات، خطوط يده الكبيرة، يده المستفزة التي علمتني القتل، علمتني كيف أذبح نفسي وأذبحه، موتي وموته،صوره، وضحكاته، وصوته الذي يلح علي، صمته، اتهاماته، لومه، جسده الذي يتعرى، فأحبه أكثر!
جسده المظلم كقلبه!
جسده الذي يخرج يده من الورق ليتحسسني!
ليسقطني في مطحنة تدور ولا تتوقف!
مطحنة تلوكني، تطحن لحمي ودمي، فيأكلني كوجبة طازجة بعد طهوي على نار هادئة!
يتناولني على مهل بكل دموعي دون أن يجرحه بكائي!
كل هذا يتطاير من الورق!
أراقبه، أراقبني، ونحن نتطاير معا نخرج من الورق، تأخذنا الريح، نتعانق في الهواء كنقطتي مطر اجتمعا أخيرا بعد حرب ضروس على بلد لم تمطر فيها السماء طوال مئة عام من الجفاف!
ارتكبنا خطأ فادحا عندما خرجنا من فروج أمهاتنا!
لم يكن عليك أن تأتي!
لم يكن عليا أن آتي!
الأرض لم تكن مؤهلة لنلتقي!
نحن روحان من نار، شيطانان، لم يكن علينا أن نولد قط!
كيف لله أن يسمع رسائلنا؟؟
لابد أن نبقى طريدا الرياح!
مطرودان من الجنة!
شيء حزين أن يرمينا الأمل في أرض الهواجس!
نصرخ، نريد أن نحيا!
لكننا نرنو لوساوسنا، كنا نظن أنا اهتدينا، لكنا لم نهتد!
شيطانان نحن، أنا وأنت!
شقي، ومومس، كانت تظن نفسها قديسة!
لكنك لم تراها سوى في ثوب الإثم، فصدقتك وقررت أن تخلف وراءها جثثا!
صدقتك كمومس تصطنع الرغبة، تنحني لتسحب الأجساد لتسحب الأشلاء إلى مذابحها!
تسير ببرود ووحشة!
تسير عارية لتغري العيون، ولا تبقي عنقا إلى وسحبته لتنحره، وترمي دمه على الطرقات!
تدندن بصوت مغري!
وتنظر لك وكأنك تباركها!
تصفق لها مبتسماً!
تهمس لقد دربتها لتكون مومسا!
تخطو بقدميها العاريتان فوق رصيف الظنون!
تفتخر قائلاً: هكذا دربتها!
لأن الرجال ذئابا!
هكذا ستحيا من بعدي!
أنا الشيطان الذي رماها بحجر شطرنج واحد!
فأوجعها ليعلمها!
لذلك لن يراها الله، ولن يراني!
نحن مطرودان من الرحمة!
من الجنة!
من السماء!
ومن طبيعة الشيطان أن يختر رفيقاً لرحلته الأخيرة!
سأنتظرها هناك، في الجحيم حتى تأتي.
2023-07-06