السبت 10/11/1445 هـ الموافق 18/05/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
ديما دالاتي تعزد إلى حمص

حين تركت ديما دالاتي وعائلتها حمص كان صاحب "الميني ماركت " ابو جميل من المشاركين في التظاهر، ومن الدعاة الى حمل السلاح لتحرير سورية من هيمنة نظام " كله بيشبه اياد غزال "، كان آخر المتحدثين مع ديما يوم رحيلهم هو ابو جميل : " اللي عنده ناموس ما بفل ولا بيرحل من بيته" ، ردت عليه السيدة مهى والدة ديما:
لماذا تريدننا ان نبقى ؟ ألكي نقفز في الهواء على وقع اوامر شخصياتكم البارزة، التي لا نعرف اصلا ولا فصلا، هذه فوضى والف قمعي ولا فوضوي واحد" .
تبادلت مهى وابو جميل الكلمات الجارحة ،ومضت العائلة في طريقها، بينما كان صاحب البقالة اللطيف يتحول رويدا رويدا الى " ثوري قاس القلب يجرح بزبائنه وجيرانه" معتقدا انهم "جبناء يهربون من واجبهم في المشاركة في الثورة".
لم يكن ابو جميل فقط ضحية للحمى التي اجتاحت الحماصنة، عائلات كثيرة لم تعد تقبل بزواج بناتها من غير المتظاهرين، وعائلات اخرى تسمرت تستمع للشيخ عدنان العرعور، فاذا طلب النط في الطرقات نطوا، واذا رأى فضيلته ان قرع الطناجر فوق الرؤوس يشعل الثورة اشعلوها ،وطناجرهم على رؤوسهم، واذا طلب التكبير كبروا حتى بحت اصواتهم، حمص العدية ، اصحبت في حينه (الصيف الما قبل الماضي) حمص الـ "عرعور" بلا منازع ،على الاقل في كثير من مناطقها المتأثرة مذهبيا بالأخير.

في الطريق من دمشق الى حمص، تذكرت ديما وجه ابي جميل وقد اصبحت تقاطيعه حادة ونظراته غاضبة وتساءلت،هل حررت الثورة ابا جميل من منزله ومحله ام لا يزال في مكانه معلنا قرب انتصار الثورة؟
تقول ديما :وصلنا الى حمص حوالي الساعة العاشرة صباحا وما ان تجاوزنا دوار تدمر، حيث الكراجات شعرنا بالراحة، فالازدحام يرسم حياة طبيعية في تلك المساحة من المدينة، كنا نعرف من اقاربنا بأن الحياة الطبيعية في حمص موجودة طالما بقي المرء بعيدا عن احياء تنازع فيها المجموعات المسلحة لتبقى، آخر ما تبقى من مسلحين في بعض اطراف الخالدية ومنها الى الحميدية وحمص القديمة، و خارج بابا عمرو حيث السلطانية وبساتينها التي يحاول المسلحون من خلالها التسلل احيانا بلا نجاح لإشغال الجيش ولتخفيف الحصار الشديد المضروب منذ اشهر على احياء الخالدية وما تبقى واقفا من ابنية في جورة الشياح وامتدادا الى الاحياء القديمة.
باقي حمص كانت تعيش حياة شبه طبيعية،عرفنا ذلك ولكني كنت قلقة لأني قرأت تقريرا لوكالة رويترز يتحدث عن احياء ميتة ومنهوبة وعن احياء اخرى تعج فيها الحياة ،وقالت الوكالة البريطانية حينها إن حمص منقسمة الى احياء علوية تتمتع بالحياة واحياء سنية تعيش الموت.
تتابع ديما:
اعرف أن حينا فيه اغلبية سنية، لذا توقعت ان لا اجد في منزلنا أيا من اغراضنا ،وتوقعت ان اجد ورود حديقتي ميتة وترابها فرقته القذائف، ومنزلنا تعشعش فيه بقايا ارواح ماتت وهي تقاتل على شرفاته، قبل ان تنهزم امام الدبابات.
عند مدخل حمص كانت الملفت انتشار كثيف للباعة الجوالين وللبسطات التي تبيع كل ما يحتاجه المرء، حمص تغيرت واول هذه التغييرات وجود بسطات امام المتاجر الكبرى التي فضل اصحابها بيع بضائع اقل غلاء واكثر تسويقا، سيارات التاكسي والسرفيس تزاحم بعضها، ربما يضحك الآن اصحاب سيارات السرفيس فقد كان اياد غزال قد " شرب رد بول واسترفوائد.م ومنعهم من العمل داخل المدينة" . مصائب قوم عند قوم فوائد .
  تتابع ديما:
حين اقتربنا من الجامعة كان هنالك الكثير من الصبايا والشباب يقفون كل مجموعة في جهة ، ترى كم من زميل فقد هؤلاء ومع اي الجهات قاتل بعضهم ؟
تنظر الى وجوههم فتتذكر تقرير رويترز، وتخمن  هل هؤلاء ابناء وبنات الاحياء الميتة ام ابناء الاحياء التي اعطاها مراسل "رويتر" من بيروت  حياة (دون ان يدخل حمص حياة).
اقتربنا من دوار الرئيس، وهناك بدأنا نحس بوطأة " الثوار غصبا عنا" على حياتنا ،  فمن هناك كنا مضطرين حسبما قال السائق لكي نحول طريقنا عبر الجسر لان مسرب   تتمة طريق الشام الموصل الى احياء حمص القديمة والى القلعة والساعة القديمة كانت مقفلة " بالثورة " .
هناك لا يزال الاف من المسلحين يتحصنون في حفر وفي منازل ،وفي انفاق حفروها مؤخرا رافضين الاستسلام المعروض عليهم حيث ينتشر بين المواطنين نبأ انتظار المسلحين للنجدة من خارج حمص حيث هم موعودون بهجوم كبير يفك الحصار عنهم ،وسيكون قادما من السلطانية والرستن وتلبيسة وقرى الحولة (بحسب وكالة انباء الشارع الحمصي ). هذ الهجوم وتوقيته بداية الشهر الحالي (مر موعده ولم يحصل) هدد المسلحون زملاءهم في قرى حمص بتسليم انفسهم للسلطة ان لم يحصل . ويبدو ان السلطات تريد لهم الاستسلام وليست مستعجلة للدخول في تجربة اخرى تشبه تجربة جورة الشياح الذي يصح فيه لقب جورة لكثرة الدماء التي سفحت فيه.
تتابع ديما فتقول :
عبرنا الجسر الى شارع البرازيل، وحتى تلك المرحلة لم نمر سوى على نقطة تفتيش واحدة بين بابا عمرو والانشاءات، وكانت الزحمة معقولة بسبب تفتيش السيارات الكبيرة والباصات ،اما السيارات السياحية ،سواء تقل عائلات او فتيات فكانت تمر بلا تفتيش في كثير من الاحيان. وكان الجنود اكثر لباقة ولطافة وتعاونا وتعاطفا من المعتاد، فما ان رأوا اغراضنا الكثيرة على ظهر السيارة حتى سألوا :
" راجعين على حمص من برا ؟"
اجابته امي : شو رأيكم منرجع والله منعملها زيارة ؟
رد عسكري شاب بلهجة حمصية واضحة:
" خالة منفديكم بأرواحنا والبلد امان بس لا تقربوا صوب السلطانية و الخالدية والاحياء اللي فيها ارهابيين"
يقول السائق وهو من حمص ومن معارفنا:
الجيش تعمد وضع كتائب عناصرها من اهالي حمص في المدينة حتى يُطمئن العائدين الى ان البلد بأمان وان ابناء المدينة هم من يحمونها.
تضيف ديما :
كنا قد اصبحنا في قلب الاحياء التي قالت رويتر بمسبارها " الصحافي " (الذي يرى ما يحصل في حمص من بيروت ) انها احياء ميتة، ولم اجد الموت فيها بل كثيرا من الحياة.
في شارع البرازيل عبرت ذكرياتي (تتابع ديما) الجميلة، حزنت كثيرا لأنه كان من اجمل شوارع حمص قبل الازمة، وكانت الاشجار تزينه على الجهتين. الآن يبدو الشارع حزينا واثار الثورة التي زرعتها بابا عمرو في بنايات الشارع لا تزال ماثلة حيث ان كثيرا من المباني اصيبت واجهاتها بالرصاص، والقذائف، خاصة تلك التي تجاور بابا عمرو.
اما من جهة طريق طرابلس فبدت اثار المعارك وكأن ممحاة محت اثارها، او انها اصلا لم تصب كما اصيبت الجهة الاخرى من نفس الشارع، ولكن الابنية المهدمة بالكامل بحيث لم تعد تصلح للسكن لم يتجاوز عددها الاثنتين، وموقعهما على يسار المخبز الآلي.
المحلات التجارية هجرته ،كما هجرها زبائنها، فمن في جيبه مال لن يصرفه على الكماليات في مدينة تضربها الشائعات يوميا تارة بهجوم " حر" وتارة بحسم قاس في مواجهة المسلحين المتبقين في الاحياء المنكوبة.
الشارع كان ساحة المعركة مع  مسلحي بابا عمرو، وفيه لحق الهزيمة الاولى بالمسلحين بعد دخول الجيش الى المدينة، وبعد قرار الحسم في بداية العام الحالي.

عبرنا شارع البرازيل متهيبين لما سنجده في بيتنا من اثار المعارك، مررنا بطريق طرابلس باتجاه شارع الملعب ، هذا الشارع وشارع الحمرا، هما من الشوارع الهامة والجميلة في حمص، وفرحت كثيرا لانهما في قلب الاحياء الميتة بحسب معيار " رويترز " ولكنهما كانا لا يزالان جميلان ويضجان بالحياة ، نظيفان وانيقان كما كانا دوما، وكانت الكثير من المحلات في شارع الملعب مفتوحة وتقدم الخدمة لزبائنها بما فيها فرع سيريتل ذو الابواب الثلاثة ، الذي كان يعج بالمشتركين والمراجعين فقلت في نفسي( من اشارات الخير في المدينة ان حربا مرت عليها اريد لها ان تكون سكينا يقطع التماسك الاجتماعي بين اهلها ومع ذلك هاهي سيريتل ، الشركة المتهمة بأنها تمثل النظام مزدحمة بمن يفترض انهم انصار الثورة التي غيرت حمص ولكنها لم تجعل اهلها من الغوغاء).

مطعم شعبي يقدم الوجبات المنزلية كان مفتوحا ايضا
،وان لم اتعرف عليه، وربما هو مستجد في الشارع، واما حلويات مهنا فتقدم دليلا على ان المدينة تقاوم الموت وتعمل لاستعادة الحياة.
كثيرون من أصحاب محلات الشارع كان يرممون الارصفة امامها، ويصلحون ما انعمت به الثورة عليهم من تخريب .
الجديد في الشارع هو انتقال سوق " الحشيش" اليه ، حيث امتدت بسطات الخضروات من جامع عمر بن الخطاب الى حديقة الرمل. المكان تحول في تلك البقعة الى سوق شعبي للخضار يمكنك ان تشاهد من بعيد ازدحام المواطنين فيه، صورة للحياة الطبيعية في شارع يضج بالحياة، في قلب احياء اراد لها الاعلام الغربي والعربي ان تموت ،وها هي تخرج من الرماد لتحيا.
غير هذا السوق الجديد لا شيء تبدل في شارع الملعب .
اما عند دوار الغاردينيا فترى الغوطة مثلما كانت من قبل ، المشهد نفسه، ولكن شارع الدبلان كان مغلقا ،ولم نستطع الدخول اليه من الدوار.
اما الملفت اكثر فهو مسجد خالد بن الوليد (في حي الخالدية) فهو من الدوار اصبح مرئيا ما يعني امرين، اولهما ان مآذنه لم تسقط ولم يقصفها الجيش كما كنا نعتقد بناء على بيانات صدرت عن هيئات الثورة اذاعتها القنوات العربية مرات ومرات. والامر الثاني هو ان بعض مباني جورة الشياح التي كانت تحجب الرؤيا قد سقطت طوابقها العليا .
كل من تصادفه من سائقين ومارة تسألهم لتطمئن بعد ان يحيوك بمبادرة منهم مشجعين لك على العودة الى حمص يقولون " الحمد لله على السلامة، البلد امان بس لا تقربوا على جورة الشياح وعلى حمص القديمة "
سألنا اول ابناء حينا فور وصولنا عن الاوضاع فقال:
طيرونا على السماء (الثوار ) ورمونا من فوق ،وقالوا دبروا راسكون وهربوا (...) كان احمد جارنا احد الشبان الذين شاركوا في التظاهرات، ولم نعرف ان كان قد حمل السلاح ولكن كلامه الذي يعكس خيبة الامل والهزيمة لا يشي بانه من حملة السلاح اذ قال:
" لو ضلينا بلا سلاح كانت كل الناس وقفت معنا ، بس السلاح خلا الناس تخاف وتترك التظاهرات، صارت استعراضات عسكرية مو تظاهرات سلمية" وتابع:
كل حمص تعيش حياة طبيعية نسبيا ومثل السابق الا ان التشدد الامني السابق خف كثيرا، واصبح التشدد عسكريا باحثا عن السلاح والمسلحين اكثر منه ملاحقات للناشطين من امثالي.
نسأله عن أبي جميل فيشر إلى محله المفتوح ويقول:
دخل الى السجن بعد ان التحق بثوار بابا عمرو وارخى لحيته وحف شاربه لكن اشهر السجن اعادته ابو جميل السابق.
تضيف ديما:
توجهت فور نزولي من السيارة لأشتري علبة دخان بعد ان نسيت شرائها في دمشق، وفي الداخل رأيته، عاد ابو جميل جميلا كما كان في الماضي، رحب وتفاءل بنا كما قال وطمأننا:
" ما في شي ببيتكم صار وكل اغراضكم موجودة ،واصلا كل الحي ما صار فيه لا سرقة ولا تدمير ، حميناه للحي عمو ووقت الجد ما خلينا المسلحين يفوتو على بيوتنا " (عمره يقارب عمر والدتي اي في نهاية الاربعين)
اضاف ابو جميل:
" البلد امان ، والمهم ما تطلعوا بالليل ، افضل ما تتجولو بالليل "
تسأله ديما : بعد في خطف وقتل ضد الابرياء ؟
يرد: لا عمو لأ من وقت اللي حاصروهن وما خلولون منفذ ارتحنا ومو باقي الا شوي ومنخلص من المسلحين !
تقول ديما:
تذكرت محاولته اذلالنا حين هربنا الى دمشق وكلامه القاسي عن الناموس ،وعن التضامن مع حمص واهلها وحول الدفاع عن دينا وطائفتنا (...) فتجرأت وسألت :
" ابو جميل تركت الثورة لوحدها شو وين الناموس (...) "
لم تكن ردة فعل ابو جميل متوقعة فقال لديما:
شو في بنتي ، نرضى نرجع متل ما كنا ما راح نرضى، وبالذل ما بقى نعيش، محافظ او ضابط امن يذل اللي بدو ياه وما حدا يحاسبو ما راح نقبل بنوب " ثم وضع يده على رقبته وقال :
هالرقبة ما بياخذها الا اللي خلقها ومو اهل حمص اللي بيتخلو عن كرامتهم، بس والله ولادين الحرام ما خلولنا الا انو نختار نأجل القصة شوي او نهدم البلد على اللي فيها...السلاح عمو بأيد الغريب ما بفيد، ولاد حمص بتمون يخافو عليها اما الغريب منشنان يقتل جندي بيحرق حي بكاملو"
و ما الحل تسأل ديما فيرد أبو جميل :
الحل يتصالحوا الجيشين، (الحر والنظامي) ويتفقوا على انتخابات واللي بيربح صحتين على قلبو "
لماذا اطلقوا سراحك يا ابو جميل (تسأل ديما ) فيقول بعد ان يمد يديه :
" ولاد الحلال كتار، الضابط اللي حقق معي عرف انو ايديي مو ملوثة بالدم .....    .
تتابع ديما دالاتي رواية رحلتها الى بيتها في حمص بعد غياب سنة فتقول:
كنا قد مررنا على كافتيريا الفردوس في طريقنا الى بيتنا واشترينا " طوشكا " للغداء .
اول ما دخلت لم اصدق ما رأيته ، لم يصب بيتنا بأي سوء. فقط كان الغبار والروائح الكريهة،
لكم احببت في تلك اللحظة ان ابصق في وجه كاتب التقرير (رويتر) الذي ابكاني على مدينتي، التي وجدتها مصابة وجريحة وفيها احياء بكاملها منكوبة ، ولكنها حمص ذات المليون نسمة التي وجدتها تنتصر على الموت وتسير في درب الحياة.

حذرنا الجميع من التجول ليلا لان الحواجز الامنية تتكثف ، واحيانا يسمع المواطنون صوت اطلاق نار، حيث تقوم خلايا نائمة بتعكير صفو حياة المواطنين لان الامنيين لا يهمهم هذا الامر ،وانما من يتأثر هم الناس والاطفال النيام، وقلت في نفسي لم روى لي هذه الامور ، اذا كانت الثورة من اجل السنة فلماذا يخربون صفو حياة المواطنين الآمنين من السنة ؟
تقول ديما:
الشارع  يعج بالحياة حتى أننا عند  الساعة السابعة  مساء نزلنا و تمشينا عند مدرسة " عبد المهيمن عباس " .
جامع الفردوس ترى من بعيد انه مصاب بقذيفة ولكن العارفين يقولون انه كان قيد الترميم ولما يزل.
معلم آخر من معالم حي الانشاءات تبدل ،والمضحك المبكي ان اشهر مطعم للفول والحمص " ابو شمسو " اقفل لأسباب ثورية كما قال لنا ابو شمسو نفسه (خربو بيوتنا وما بقى معي ادفع الايجار) لذا استعاض عن مطعمه بخيمة مخالفة على الشارع امام مسجد الفردوس ووضع طاولة وعربة كارو مزودة بكل ما يحتاجه وفوقها علق كرتونة كتب عليها " مطعم ابو شمسو" .
والبلدية ؟
نسأله ، فيجيب :
" ما حدا فاضي لحدا وانا بحماية سيدنا الشيخ ،واذا ضايقوني بنقل المطعم على مدخل الجامع ، عندي عيلة وبدي عيش" .

الشارع الذي  يصل بين جامع الفردوس وشارع البرازيل كل محلاته تعمل كالمعتاد، لا بل زادت وهناك تجار كان لهم محلات في السوق المسقوف (حمص القديمة) نقلوا اعمالهم الى الشارع .
الشارع الراقي اصبحت محلاته متنوعة، واكثر ما هو غريب هو سماح البلدية لبائع شاورما بإقامة محله في الهواء الطلق لخدمة المهجرين حيث قام بكسر حائط المدرسة التي يسكن فيها مهجرون من حارات ينتشر  فيها المسلحون وتشهد اعمالا عسكرية، سألنا عن العام الدراسي فقيل بأن المهجرين يقضون وقتهم في الملعب طوال فترة الدوام المدرسي،وحين يرحل التلامذة يعودون الى الغرف التي توضع اغراضهم فيها في زاويا فوق بعضها بعضا.
في باحة المدرسة فتح احد المهجرين بسطة لبيع الخضار ، ليعتاش منها وليخدم المهجرين وثالث فعل الشيء نفسه ولكنه افتتح بسطة بقالة.
موسم البسطات في حمص، فمحل شانيل لا يزال مفتوحا ولكن اصحابه يعرفون بأن دخول جمل في خرم ابرة اسهل عليهم من الحصول على نسبة بيع كبيرة تغطي نفقاتهم لذا استعانوا على الدهر ببسطة لبيع " الجلابيات النسائية الشعبية " امام المحل.
وضع شانيل اكثر برجوازية فهو حافظ على محله الممتلئ بالازياء الفرنسية، ولكنه اضاف ما يستعين به على قوت ايامه واما محلات غوتشي الشهيرة فقد اصبحت من الماضي وبقي مالكها هو نفسه، ولكنه تحول الى بيع الشالات النسائية والحجابات واثواب الصلاة و" البالتو" . الواضح ان نسبة التدين زادت في حمص، وقلة من الفتيات لا يرتدين الحجاب وتوابعه من الثياب الشرعية.
..
تضيف ديما    باختصار " الناس تتدبر امورها ولا ينقص اسواق حمص اي شيء والامر المختلف عن دمشق وعن جرمانا هو الاسعار، فكل شيء في حمص رخيص وسعره اقل مما هو في دمشق.
في الليل سمعنا اصوات القصف القادمة من "جورة الشياح ".

الجامعة مفتوحة والمدارس في كل الاحياء غير المنكوبة تتجهز لعام دراسي ناجح يعوض الانقطاع المتكرر في العام الماضي . لكن المدينة تعيش قلقا أخيرا قبل استراحتها النهائية الى قرار متخذ من كل سكانها على وجه التقريب ( او هكذا بدا لديما من كلام من تواصلت معهم في الايام الاولى) :
الحماصنة يريدون خروجا نهائيا للمسلحين، ومن كانوا مع الثورة من امثال ابو جميل والشاب احمد يحلمون بصلح بين عسكر الثورة وعسكر النظام ينتج عنه تغيير للرئيس، ان لم يكن تغيير النظام متاحا، لكن اغلب المتحدثين بلا تحفظ من اهل حي الانشاءات يقولون امرا واحدا ..." نحن مع التغيير بس جربنا، ومو زابطة وهيك ربنا اراد فشوفو صرفة مع المسلحين وخلي كل بني ادم يروح بحال سبيلو ...بدنا نعيش وخلي غيرنا يعيش؟
ماذا عن العلاقات الطوائفية في المدينة؟ تقول ديما:
الجرح موجود ،ولكن الطرفان يرميان بمسؤولية المجازر على الغرباء من المسلحين،وقد ساهمت مبادرة مشايخ احياء عكرمة والزهراء وباقي المناطق الموالية في اعادة الطمأنينة الى نفوس الكثيرين ممن تهيبوا العودة الى حمص لأسباب طائفية وخوفا من الانتقام، فقد افتعل مسلحو بابا عمرو مثلا مئات الجرائم التي سقط فيها من لهم اهل واقارب ولكن المبادرة الاهلية قضت على المخاوف، ويقال بأن لجان تشكلت وقدمت تعويضات لبعض اصحاب المحلات التي احرقت في مناطق وقد عرف الناس من احرقها. مساهمات اهلية جعلت من عودة معظم اهالي حي الانشاءات امر سهلا وميسرا، فضلا عن ان تجربة حي الوعر تشجع الاخرين على العودة. ففي الوعر طوقت السلطات الحي، فتعهد الاهالي هناك بطرد المسلحين مقابل ان تسمح السلطة للمواطنين بالتظاهر كل نهار جمعة والهتاف بما يشاؤون ثم يعودون كل الى منزله،وهذا ما هو حاصل فلم تحصل صدامات هناك ولم يخسر الناس لا بيوتهم ولا اعمالهم ولم يتهجر من الحي اي انسان.
تجربة يقول اهل الانشاءات العائدون " سيدي لا بدنا نتظاهر ولا بدنا نسمح لحدا يتظاهرن اللي صار فينا مكفينا ".

2012-10-08