الإثنين 20/10/1445 هـ الموافق 29/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
مازالوا يلعقون من وعاء الماضي!!/عبد الهادي شلا

  مازال الكثيرون يلعقون من وعاء الماضي ويجترون الكلمات الباهتة فيه والتي لا يقبلها الحاضر بعد أن تخطتها الأيام بالحوادث والتغييرات الشاملة في كل مناحي حياتنا، وكأ ن بصيرتهم قد جف ماؤها فلا يبصرون بريق المستقبل ا!!! هناك نوع من البشر يتلذذون وهم يعانون في داخلهم ألما قاتلا ولا يقبلون أن يتقدم منهم أحدا بدواء شاف،ويغلبهم التعنت والرفض ويكابرون وهم يرون بأم أعينهم ما يؤذيهم ومالا فائدة منه..إنه مرض ! كل ما حولنا يموج بالمتغيرات منذ أن تتفح عيون الوليد على الدنيا وهو يقابل التجديد والسرعة في كل أدواته الحياتية والفكرية فلا يستقر حال على حاله لفترة طويلة كما كان حال العصور السالفة. من زجاجة الحليب التي يضعها المولود في فمه عوضا عن ثدي أمه وحنانها إلى ان يصبح صبيا تتبدل بين يديه ألعاب الطفل من بسيطة ومرنة ومحدودة الإمكانيات إلى ألكترونية معقدة بالتدرب عليها يمكنه أن يطوعها ويفهم سرها وينمو معها عقله وفكره إلى أن يشب ويصبح يافعا تتبادله المشاعر والأحاسيس العابثة والجادة وهو ينمو ويرى بأم عينية تبدل وتطور أدوات حياته. وفي عمر العطاء تتقاذفه الأفكار وتتبدل عليه الحوادث وهو يحاول أن يرسو على شكل من اشكال الحياة التي تتوافق مع رغباته وأمنياته وآماله. اليوم ونحن نعيش زمنا قصيرا من التحولات الجادة في عالمنا العربي ومنذ أن هبت الثورات تنادي بتغيير نمط الحياة ونحن على جمر الانتظار لما سيؤل عليه الحال ويستقر. عامان أو اكثر والربيع العربي يسير نحو الخريف ومقومات الحياة في تراجع مخيف بين العوز والبطالة والفقر المتستر تحت شعارات يرفعها البعض وهو لاه لا يريد ان ينظر إلى أبعد من قدميه،وليكن ما يكون! ليس بهذا الشكل تدار البلاد وأمر العباد. ليس بمن ينصب نفسه الآمر الناهي على النفس والأرض بوضع اليد والفهلوة نسير نحو النور والمستقبل بينما العالم من حولنا يصعد الجبال ونحن مازلنا نكابد في الخروج من الحفر التي حفرها بعض منا لنبقى في الدرك الأسفل من الحياة . ماذا حصدت الأمة من ثوراتها؟

هل نقول المزيد من القتلى أم من الشهداء؟ لا يمكن تمييز حالة عن أخرة فكلاهما موت،ولكن من أجل ماذا ؟

ومن أجل من؟

كاذب من قال أن قتلاه قد ذهبوا في سبيل الوطن؟

كذب من قال أن قتلاه (الشهداء) ذهبوا من أجل الدين؟

الذين يدعون أن من بينهم من مات في سبيل الوطن لم نرى ولم نسمع أن أحدا منهم قد تصدى للموت بل أرسل ممن ينوب عنه ليضحي بروحه بينما هو قابع في (قصره) وأمام شاشات التلفزيون وعلى خط ساخن لمكالمة تلفونية ترسم له صورة الوطن في الخارج. والذين يظنون أن(قتلاهم) شهداء. فقد ضلوا الطريق إلى الله وهم يشيعون الخوف والرعب في قلوب الناس من المؤمنين الذين لا يحتاجون إلى (حزب وسيط) بينهم وبين خالقهم كي يكونوا مسلمين!!. نتحدث هنا عن كل الثورات وبالذات عن مصر التي طفح فيها الكيل وانزلقت إلى بداية الجرف الحاد إذ الشعب كله منقسم بل مفتت بينما ( المنظرون) يفلسفون الأمر بأنه ظاهرة صحية وقمة ( الديمقراطية) . كيف يموت شعب بأكمله إلا من حنجرة تردد هتافات يضيع صداها فلا يصل إلى أسماع من نصبوا أنفسهم أولي الأمر في البلاد وعلى كل العباد؟ كيف تكون الظاهرة صحية والشعب جله يقيم في الشوارع والأزرقة منشغل في تبادل أفكار وعصبية لا مفر في نهايتها من الصدام المخيف؟ نسمع أصواتا نشازا بعيدا عن أي صفة ( للديمقراطية) تهدد وتتوعد . فهل هذه التي يريدها الشعب بل ( شباب الشعب) الذين انتفضوا في يوم 25 يناير 2011 على فساد متجذر كان يظن أن لا قوة على الآرض تستطيع أن تزحزحه قيد أنملة فسقط بأسرع مما ظن الثوار؟!. ليس في المــُر حلاوة، فمذاق الحالة غير مستساغ والصورة اختلطت فيها كل الألوان فلا نرى لها ملامح، ولايمكننا التبصر بما سيكون عليه الغد. كل ما نتمناه ونرجوه هو رحمة من السماء تنزل على الأرض بقدرة علي عظيم ولا حول ولا قوة إلا بالله، ودعوات بأن يحفظ الله شعوبنا فلا ملجأ منه إلا إليه في هذه الأيام المباركة وأن يحقن دماء الأبرياء وسط هذا الضجيج المخيف.

*** *** *** ما شاهدت ولا شهدت على شعب مصر أن خرج بمثل هذه الملايين إلا مرتين قبل هذه : الأولى: وفي مثل هذا الشهر من يونيو 1967 حين ألقى الرئيس جمال عبد الناصر كلمته التي هزت الأمة وطلب من الشعب المصري أن يقبله في صفوفه كفرد مصري و...تنحى عن منصب رئيس الجمهورية بسبب ما أطلق عليه " النكسة" وهزيمة الجيوش العربية في مثر وسوريا والأردن واحتلال شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة الذي كان تحت الإدارة العسكرية المصرية ،وهضبة الجولان السورية ، والصفة الغربية من نهر الأردن التي كانت تحت حكم المملكة الأردنية الهاشمية.. أي ما تيقى من فلسطين. وكنت وقتها في مصر طالبا للدراسة وأعيش قريبا من بيت الرئيس فما رأيت حشدا في حياتي مثلما رأيت ولا رأيت شعبا بأكمله يبكي لأن رئيسه طلب منه قبول تنحيه.! والثانية: وكنت شاهدا عليها أيضا وهي جنازة هذا الريئس العظيم التي ما شهد التاريخ الحديث لها مثيلا..وأيضا شعب مصر وشعوب العالم الحر كلها كانت تبكي فراقه ، حتى أعداءه شهدوا له بالعظمة والقوة، والزعامة. والثالثة: وتشاء الأقدار أن أتابعها من أقصى المعمورة عبر التلفزة والشعب في أكثريته يطالب الرئيس... التنحي ؟؟!

الفرق ليس بسيطا ولا سهلا. لكن الشعب الذي ملأ التاريخ بفعله ونضاله قرر أن يعدل من مسار ثورته بعد أن شعر باختطافها حتى ولو عبر صناديق الإقتراع! هذا رأي الأغلبية! ولكن الأغلبية الأخرى ترى في "إقصائه" تجاوز وخرق للمبادئ الديمقراطية التي أتت بالرئيس"مرسي" عبر صناديق الإقتراع. ولعل المنطق يفرض علينا أن ننظر للوضع بعين الحياد لا بما نريده ويعبر عن مشاعرنا الذاتية. ذلك أن ما قام به الجيش المصري كما يرى الكثيرون إنما كان لابد منه بعد أن مر عام على تولي"مرسي" رئاسة مصر دون أن يفي بما وعد به،ودون أن يكون طليقا وحرا فيما أصدر من أوامر وتنامي الشعور بسيطرة (الأخوان المسلمين) على مراكز حساسة في الدولة بينما لم يعملوا على ( طمأنة الشعب) لنواياهم. ولعل ما جاء في آخر خطبة للرئيس " مرسي" حين قال ما معناه:( أنني قصرت في بعض ما قمت به...إلخ) واعترافه الصريح لم يشفع له عند الشعب ولا عند الجيش الذي نفذ صبره وهو يراقب ويتابع دون إحساس بتقدم ما أو فعل يتناسب مع تضحيات الثورة التي قام بها شباب مصر وتلقفها (حزب الأخوان) مع إقصاء الشباب ورجالات مصر الفاعلين. مصر على محك خطير بإقصاء أول رئيس مصري " منتخب " بالقوة (قوة الجيش وأغلبية الشعب ) فهل ينقذها عقلاؤها ؟ أم سيتركونها في مهب الريح التي ستعصف بالأمة كلها إلى أن يشاء الله؟! الخير كله لمصر والأمة العربية والله المستعان.

2013-07-13