الجمعة 24/10/1445 هـ الموافق 03/05/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
انتخابات عَريف الصّف ...!/راشد الأحمد

  بعيداً عن مذكَّرات صناديق الاقتراع، والنسب المئوية ،وعدالة المرشّحين الذين لا يهشون حماراً ،ولا ينشون طيراً، والحملات المسعورة وما يسبقه من شرعيّة الابن لعرش أبيه، وتزوير الإرادة الشّعبية، وفرض النواب تعييناً..!

والّتي كانت من الأسباب الّتي جعلت الشّعوب كالعصف المأكول، معلنةً انقراض الشّعارات الاشتراكيّة التي كُنّا نُردّدها بأصواتنا الغضّة في اجتماعات المدرسة الصَّباحية برفقة النشيد الوطني البديل الّذي غنّيناها معاً- طير أخضر طير مبرقع- هذه الأغنية الفلكلوريّة ذات الهمسات السّاخرة ،المبرقع بهويّة مجهولة ذي لون يرمز إلى القمع والاستبداد بشهادة تلك العبارة الشّهيرة - ذات رسالة خالدة - وسابقتها أهدافُنا ،التي تُذكّرنا بالمدرسة، ومقاعد الدِّراسة المختلطة، وعصا الأستاذ الرّيفي، ونظراته العبوسة الممزوجة بالحنان ،وملامحه الرّجوليّة، وطموحاته القليلة والبسيطة، ورائحة الضّيعة على ضوءِ قنديل كان ينوس في بلدةٍ وديعة، هواءها، ضجيجها ،مشاويها العابرة ،نهر الرّيف الجاري بضفادعه وأسماكه الخجولة، والطرقات الترابيّة المتطايرة منها قصص الأنس والجن قبل أن تُزفّت بنهايات نحاول فيها أن نتماسك وننصت مُعلنين النَّدم تحت شجرة التوت الَّتي هزَّها رسائل الهوى ،وشقائق النعمان المنقرضة في زمن قضى في منحدراتها جداتنا أجمل سنوات صباها وضاعت بحضور أحفادها أبسط حقوقها المهدورة ،وبعض الأفكار الحمقاء أن نكبر بسرعة مثلاً كحل للهجرة السّرية في أحلامنا الطّائشة.؟

أوَّل مرّة تثنَّى لي أن أُشاهد عمليّة إجراء انتخابات في صناديق الاقتراع كان أيّام الدّراسة، أيّام الطيلسة ،ولأنَّ أبناء المعلّمين والمعلّـِمات كانوا يسعوّن دوماً للوصول إلى هذا المنصب السّلطوي ،بقيت السّلطة في المرحلة الابتدائيّة محصورة ومقيّدة يتحكّم بها المعلمين ،فَقَبْلَ عصر الخصخصة، كان لكل صف معلّم يُدرِّس كل مقرّرات السّنة الدِّراسيّة، لذا كان الآمر الناهي ،فصلاحيّاته كانت تخوّله أن يختار عريفاً للصف مخترقاً كل قوانين وشروط الانتخابات وخاصّةً الشَّرط التعجيزي المتمثّل في المرشّح إلى انتخابات عريف الصَّف أن يكون من الأوائل، وبحكم الصّدفة كان كل أبناء المعلّمين من الأوائل لذا كانوا عُرفاء على صفوفِ أبائهم، وجرت العادة هكذا ففي بداية كُل سنة دراسيّة كان المعلّمين وأبناْءَهم يستلمون مناصبهم. في المرحلة الإعدادية كان ( العوايني ) هو المرشّح في استلام قيادة الشّعبة فالسيّد المدير يحتاج إلى أخبار كلّ طلاب ومعلّمي الصّفوف، يا سلام أخبار، الطالب ( ضرغام ) هو من توفَّر فيه الشّروط المطلوبة بحكم صداقة أبيه الّذي لم يتردَّد أن ينقل للسيد المُدير أخبار تلك الهمروجات الّتي اعتدنا عليها نحن طلاب تلك المرحلة الشِّريرة ،وفعلاً استلم عريفاً للشعبة الأولى من الصّف السّابع ،ليبدأ النّق والإشاعات ولانقسامات والتَّهديدات، وتتحوّل إلى ثورة هي ليست ثورة الستالينيين والأحزاب المعارضة، وثورة 25 آذار كما رأيناها على القنوات الإخبارية ،أي قبل أن ينشق حسين هرموش، ويهرب لقمان ديركي إلى ميرسين معلناً انشقاقه عن الكتّاب المواليين ،أقصد ثورة الفلاحين وصغار الكسبة ثورة الضّرب واللطم بين أبناء الفلاحين والمدير وأبناء الرَّئيس - المختار - وأحفاده والَّذي لديه (قريب قبضاي من ذوي السّكاكين الكبّاسة) هذا على أيّامِ المعلّق الرّياضي عدنان بوظو الّذي كان يتوقّع انتصارات منتخباتنا ،ووجيه شويكي الغالب على أمره ؟!

لأنَّنا كُنّا مصرّين على إسقاط العريف ،وإجراء انتخابات نزيهة على مرأى من المدير والمـُدرّسين رحّب السَّيد المدير بالفكرة حباً فينا وغيرته على مصلحتنا للبدء بالدّراسة الَّتي كانت تعنيه قبل كلّ شيء وبدأت مراسيم الحملة الانتخابيّة بعد يوم من المجزرة الجماعيّة الَّتي راحت ضحيتها الكثير من القبّعات العسكرية في زيّ ِ تلك المرحلة الدّراسيّة العجيبة، حيث كان المرشّحون ابن المدير وجماعاته من أحفاد المختار وعواينه، وقائمة ظل شكلية لا معنى لها، ومرشّح عن أبناء الفلاحين وصغار الكسبة متمثلاً بالطالب – عصام عبّاس - الّذي كان دوماً يتلقّى التهديدات من السّيد المدير والجهاز الأمني بفصله من جميع مدارس القطر، وبعد هنيهة فتح صندوق الاقتراع، كان عبارة عن سلّة مهملات تضع خلف الباب كُنّا نرمي بجانبها قصاصاتنا الورقية ! لتكون النتيجة لصالح الأخير وسط احتفالات طبل وزمر وربَّما كانت هي المرّة الوحيدة الَّتي انتصر فيها البسطاء على الطبقة السلطويّة، ولأنَّ السَّيد المدير أمدَّ الله بعمره كان حكيماً أنْهَى العمليّة بكلمة حجمها الورقي تجاوز ثمان صفحات!! كانت كلمة تشويق وتشجيع للتوحيد فيما بيننا فقد أراد أن يقول: لقد انتهت الانتخابات ولكن ما هو الدَّرس الَّذي استفد تموه يا طلاب؟ لا تتقاعسوا عن واجباتكم ولا تتنازلوا عن حقوقِكُم وبادروا في صنعِ الخير والمحبّة فأنتم منارتنا وطريقنا إلى مجتمع متقدّم فلا يوجد عندنا ابن ست وابن جاريا، وتعالت أصواتنا - بروح بالدّم نفديك يا رئيس - بعد إيماءات متكرِّرة من الجهاز الأمني متمثّلاً بالسّيد الموجّه ،وأمين السّر، وأدركنا فيما بعد سبب وجودهما في سلك تدريسي لِتلكَ المرحلة الدّراسيّة، ليبدأ في اليوم الثاني مظاهرات الحشود الثائرة من الصّف الثامن والتّاسع رافعين شعار الشّعب يُريد إسقاط العريف.

راشد الأحمد - كاتب وإعلامي سوري [email protected]

2014-01-29