الجمعة 30/3/1446 هـ الموافق 04/10/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
القضايا العربية بين المطرقة الأردوغانية وسندان الصهيونية...د. حميد لشهب

خاض الأتراك والروس بين 1568 و1917 ما يناهز 17 حربًا. وعلى الرغم من انضمام تركيا لحلف الناتو عام 1952، فإن علاقتها بروسيا بقيت إلى حد ما إيجابية. ففي عام 2003 مثلا، حيى بوتين الموقف التركي اتجاه الحرب على العراق، عندما رفضت تركيا السماح للطائرات الأمريكية بضرب العراق من الأجواء التركية. ليس من الضروري هنا ذكر الحياد التركي تجاه غزو الروس لجورجيا سنة 2008، وكذا رفض تركيا المشاركة في العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على روسيا بعد احتلال القرم، على الرغم من تواجد عدد لا يستهان به من الأتراك على هذه الجزيرة.

 

بعد مرور قرن من الزمن تقريبا على آخر حرب بينهما، ها هي العلاقات المتوثرة تعود من جديد، وما إسقاط المقاتلة الروسية من طرف الأتراك إلا مظهرا من مظاهر كون حزب العدالة والتنمية التركي عازم على هدم "سلام" تركي-روسي هش، وقد تكون أكبر إنجازات سياسيته الخارجية، لكن في الإتجاه السلبي، هي هذه العداوة الجديدة مع الروس. ومن المعلوم أن قرار إسقاط هذه الطائرة كان قرارا تركيا محضا، أزعج الناتو كثيرا، بل وجد نفسه في موقف حرج.

 

إلى جانب العقوبات الإقتصادية التي فرضتها روسيا مباشرة بعد هذا الحادث، أخرجت ورقة ثانية، تتمثل في "اتهام" تركيا بدعمها لداعش. وبالتأكيد أنها لم تلعب كل أوراقها في هذا الملف، بل تحتفظ "بالجوكر" إلى آخر اللعبة. خبر دعم تركيا لداعش ليس جديدا في وسائل الإعلام الغربية والعالمية. فخلال أزمة الرهائن اليابانيين، الذين تم احتجازهم من قبل تنظيم "داعش"، تقدم نائب حزب الحركة القومية التركي المعارض، أوزجان بينتشري، بسؤال للبرلمان التركي يتعلق بصحة لقاء بلال أردوغان –ابن رجب الطيب أردوغان- بعناصر داعش لحل أزمة الرهائن، وبأي صفة ومسمى وظيفي قام بلال بهذه الوساطة مع داعش.

 

في يوليوز يوليو 2014، طالب حزب الشعب الجمهوري التركي بإجراء تحقيق برلماني حول علاقة حزب العدالة والتنمية بالتنظيم الداعشي الإرهابي، وتقديم الدعم له، بينما أكدت صحيفة "إيدنيلك التركية"، أن الإرهابيين القادمين من الخارج يستخدمون مطاري إسطنبول وإسكندرون كنقطة عبور إلى سوريا، وأن كاميرات المراقبة بهذين المطارين تَكُفُّ عن التصوير عند عبور هؤلاء الإرهابيين بعلم سلطات أردوغان.

 

كما أن موقع "جلوبال ريسيرش الأمريكي"، فجر قنبلة بخبر مفاده أن ابنة أردوغان "سمية" تترأس هيئات وطواقم طبية سرية لعلاج مصابي التنظيم الإرهابي الداعشي، معتمدًا على شهادة ممرضة، عملت في مستشفى عسكري سري في "شانلى أورفا"، والتي أكدت بأنها شاهدت "سمية أردوغان" مرات عديدة في هذا المستشفى.

 

نشرت وسائل إعلام أوربية، في شهر غشت الماضي، أخبارا مفادها أن شركة جينيل انيرجي، الأنجلو التركية، تقوم بتكرير وبيع النفط الذي تستخرجه داعش، مشيرة إلى أن التنظيم الإرهابي يستخرج يوميا 300 ألف برميل من النفط ، ويحصل على 40 إلى 50 مليون دولار شهريا من هذه المبيعات.

 

كل هذا معروف نسبيا في وسائل الإعلام الغربية، الجديد في تحريك روسيا لهذه الورقة ضد تركيا هو أن الرأي العام الأمريكي عموما والغربي على وجه الخصوص استيقظ على فاجعة ما يحاك في كواليس السياسة وحقيقة محاربة الإرهاب من طرف حكوماته. وما تصريح أوباما الواضح المعالم، المتمثل في "اعترافه" بوجود "ثغرات أمنية" في الحدود التركية، يستغلها الإرهابيون، إلا اعتراف بأن المرء كان يعرف هذه الثغرات ولم يقاومها، لحاجة في نفس يعقوب. وبهذا يكون الدب الروسي قد ركب الحمار الأردوغاني، مرغما إياه على النط والركض في الساحة السياسية الدولية، عله يجد تحت عباءات شيوخ البترول ملجأ، قبل أن يُخرج الدب ورقة إضافية لضربه على قفاه.

 

لم يعد خفيا كذلك كيف كان أردوغان يصعد هجومه الإعلامي على "اسرائيل" عقب احداث سفينة مرمرة، فيما كان ابنه يفاوض ويعقد صفقات متتالية مع إسرائيل. وفي تلك الفترة بالضبط تطورت العلاقات التجارية بين "اسرائيل" وتركيا وبلغت ما يناهز أربعة مليار دولار، أي بارتفاع نسبته 30 في المائة.

 

الحقيقة أن العلاقات التركية ـ الإسرائيلية قائمة على المستوى السياسي والاقتصادي والعسكري والأمني منذ تأسيس الكيان الصهيوني الدخيل. لكنها مع أردوغان، الذي يوهم العرب والمسلمين بأن القضية الفلسطينية مهمة بالنسبة له و"منذور" للدفاع عنها، عرت عن عورة حزب العدالة والتنمية التركي أمام الملأ. وتخفي واجهة الدفاع عن فلسكين، التي يسوقها أردوغان إعلاميا بكثافة ويستفيد منها سياسيا في كل مناسبة ممكنة، الوجه الحقيقي لأردوغان. ويتمثل هذا الأخير التمثل الطوعي لأاردوغان لسياسة الحلف الأطلسي في هذا الملف، وهو حلف يؤازر إسرائيل سرا وعلنا. سياسيا وضع أردوغان يده في يد الصهاينة في منتصف التسعينيات من القرن الماضي عندما كان مسؤولا على فرع حزب الرفاه في إسطنبول وتعرفه على السفير الأميركي السابق في أنقرة "مورتون إبراموفيتس"، الذي رماه بين أحضان "بول ولفوفيتز"، الذي شغل منصب وزير الدفاع الأميركي فيما بعد.  وعندما تيقن الأميركيون بأن النطام العلماني التركي هو حجر عثرة لهم في مشروع: "الشرق الأوسط الجديد"، فكروا في دعم الإسلام الليبرالي المعتدل في المنطقة، وكان الإسلاميون الأتراك هم البديل الحقيقي بالنسبة لهم.

 

إذا استحضرنا إلى الذهن منح أردوغان "وسام الشجاعة" عام 2004 من طرف المؤتمر اليهودي الأميركي، كأول شخص غير يهودي، تقديرا لخدماته لإسرائيل واليهود في العالم، و"الصلح" الذي تم بينه وبين نتنياهو عام 2013، والذي باعه أردوغان لشعبه وللعالم المسلم كـ "نصر" ضد إسرائيل؛ فلابد أن نتسائل إلى أية بركة قدرة يُقاد "المعتدلون" في العالم الإسلامي الحالي من طرف أردوغان وحزبه، خاصة إذا كنا نعلم بأنه يعتبر نفسه "الأخ الأكبر" للأحزاب الإسلامية المعتدلة والليبرالية. ما يهمنا نحن كعرب، ليس هو هذا الصراع الروسي التركي بعينه، لكن ما يجب أن نتعلمه من خطورة حزب العدالة والتنمية التركي وأساليب عمله. فأردوغان وعائلته بنوا "إمبراطورية" مالية وسياسية ودينية ضخمة بأساليب أقل ما يمكن القول عنها أنها لا تمت للإسلام بصلة. يبيعون ويشترون في الأمة الإسلامية ويخونون أم قضاياهم: "فلسطين المحتلة"، ويتطاولون على أراضي العراق بعدما فقدوا الأمل في اختراق الحدود التي رسمها لهم الدب الروسي في روسيا. تعرضت هذه العائلة إلى فضائح فساد مالي لا حصر لها هز الشارع التركي مرات عديدة. وتعامله مع المعارضة يشبه إلى حدود كثيرة تعامل ستالين مع المعارضة الروسية. وشنقه لحقوق الأقليات يتكرر يوميا. هذه إذن هي ملامح النموذج التركي الأردوغاني في الحكم، وهو نموذج "تتغزل" به الأحزاب الإسلامية المعتدلة كحزب العدالة والتنمية بالمغرب والنهضة بتونس. ولعل الأزمة التركية-الروسية الحالية كافية لإيقاظ الضمائر الحية في العالم العربي.

2015-12-07