نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية تقريرا تحدثت فيه عن الداعية السلفي محمد المقدسي الذي يحمل الجنسيتين الأردنية والفلسطينية، والذي عُرف بمواقفه الرافضة لنظرية الجهاد التي يدعهما ويطبقها تنظيم داعش.
وقالت الصحيفة في هذا التقرير إن المقدسي منذ خروجه من السجن مطلع سنة 2015، ابتعد عن النشاطات الجهادية، ولازم مجالسة كتبه الدينية والعودة إلى حنين الذكريات مع تلامذته بحسب عربي 21 .
واشارت الصحيفة الى ان المقدسي أسس موقعا الكترونيا، قبل دخوله السجن، أطلق عليه اسم "منبر التوحيد والجهاد" حتى يبقى على اتصال دائم مع مئات من التلاميذ وقادة التيار السلفي الجهادي، على رأسهم زعيم تنظيم القاعدة، أيمن الظواهري.
وذكرت الصحيفة أنه خلال ما يسمى "بالحرب المقدسة" التي أعلن عنها بن لادن ضد الغزو الروسي لأفغانستان، لعب المقدسي دور المرشد والناصح، مما دعّم صداقته مع الزرقاوي ، وبعودتهما إلى الأردن، أسس الرجلان "كتيبة بيت الإسلام الجهادية" قبل أن تُوجه إليهما اتهامات بالتدبير لعمليات تفجيرية تطال الأردن ومناطق حدودية مع إسرائيل.
وفي سنوات سجنهما، تشارك الاثنان نفس الزنزانة إلى أن بدأ الخلاف بينهما حول كيفية التعامل مع الحراس. فقد اختار المقدسي مبدأ التعامل بالّلين، أما الزرقاوي فكان يُعرف بالقسوة، حيث استطاع أن يجذب إليه تعاطف بقية السجناء.
وافترق الرجلان بعد خروجهما من السجن، حيث وجد الزرقاوي مستشارا يشاركه نفس الإيديولوجية، وهو عبد الله المهاجر، بينما حافظ المقدسي على نفس إيديولوجيته الفكرية، وهي رفض العمليات الانتحارية والصراع مع الشيعة.
فبينما عُين الزرقاوي على رأس تنظيم القاعدة في العراق وأعلن حربا ضد الشيعة، اختار المقدسي أن يعلن حربا فكرية ضد أسلوب القاعدة الذي يرتكز خلال حربه على التفجيرات الانتحارية والقتل وتهجير المسلمين، على الرغم من أنه لا زال مواليا للظواهري.
وفي سنة 2014، سيطر تنظيم داعش على الموصل، وأعلن أبو بكر البغدادي ما اسماها "الخلافة".
وكان للمقدسي مواقف حادة ورافضة لسياسات "الخليفة" الجديد، واتهمه بنشر الفتنة والتفرقة داخل التيار السلفي الجهادي. وفي هذا السياق قال إن تنظيم داعش "يلعب بعواطف الشباب من خلال ضمهم إلى صفوفه، مستغلا محدودية تفكيرهم وقلة وعيهم ، كما أن على داعش أن يؤمن بأن الدعوة لا تكون بالسيف، بل بالكلمة الطيبة والحوار"، واصفا أسلوب التنظيم بأنه "غريب عن الإسلام".
ورغم الخلاف بين المقدسي وتنظيم داعش، سُجن لمدة شهرين بسبب فتوى تعارض التحالف الدولي الذي سماه "بالحملة الصليبية ضد الإسلام والمسلمين".
وأراد المقدسي لعب دور الوساطة بين داعش والحكومة الأردنية في قضية الطيار الأردني الشهيد معاذ الكساسبة الذي أسره التنظيم بعد سقوط طائرته في الرقة السورية ، وكانت فحوى وساطة المقدسي تتمثل في مبادلة الكساسبة بساجدة الريشاوي- العراقية المتهمة بالمشاركة في تفجيرات عمّان في تشرين الثاني سنة 2005- ، والتي كانت معتقلة لدى السلطات الأردنية، لكن المقدسي تلقى شريطا يصور إحراق الطيار الأردني، تبعه رد الحكومة الأردنية بإعدام السجينة العراقية.
ولفتت الصحيفة إلى أن المقدسي استنكر في إحدى مقابلاته حرق الطيار الأردني ، ومن ناحيته، لم يتردد التنظيم بالرد على الأمر عبر إهدار دم المقدسي، مع اتهامه بالعمالة لصالح المخابرات الأردنية.
من جهة أخرى، أثارت الصحيفة سمة الازدواجية التي وصف بها المقدسي في خطاباته، ذلك أنه يرفض الجهاد ضد ما سماه بـ"العدو البعيد" في إشارة إلى الولايات المتحدة وأنه يجب إعطاء الأولوية لمحاربة إسرائيل. لكنه في الوقت نفسه، لم يخف سعادته بالتفجيرات التي وقعت في 11 أيلول سنة 2001.
ومع ولائه التام للقاعدة، عمد المقدسي إلى محاولة توحيد صفوف جبهة النصرة وتنظيم داعش لتجنب الاقتتال الداخلي بين "المجاهدين"، رغم معارضته لأبي بكر البغدادي.
وفي سنة 2014، وتحديدا عند إعلان التحالف الدولي الحرب ضد الارهاب وداعش، لم يخف المقدسي تعاطفه مع التنظيم، بل أعلن أمام الملأ أنه يتمنى انتصار داعش على الغرب وعملائهم "الشيعة والوثنيين".
وذكرت الصحيفة أنه إذا تعلق الأمر بتنظيم القاعدة، فإن المقدسي لا يتوانى عن التعبير عن ولائه للقاعدة فقد كان يرثي في مناسبات كثيرة قادة هذا التنظيم الذين قتلوا، في حين يواصل انتقاده لأسلوب تنظيم داعش في الجهادـ ملخصا مواقفه في الجملة التالية: "لن أتوقف عن إدانة هذا التنظيم".