الأحد 19/10/1445 هـ الموافق 28/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
إستعمار العقول.... د. محمد عبدالوهاب عبدالوالي


 لقد منَ الله علي الإنسان بنعمة العقل , تكريماً لهذا الإنسان الذي جعلة الله خليفته في الأرض . وجعل للعقل وظائف متنوعة ومتعدده منها الإبداع والإبتكار والتفكير والإستدلال ,,,,الخ , والتي كان لها جليل الأثر بفضل اللة عز وجل في ظهور الحضارات الإنسانية المتعددة علي مر العصور والأزمنة . وكان من أثرها إنتقال الإنسان من العصور البدائية السحيقة إلي عصر العولمة , الذي نعيش فيه منذ فترات ليست بعيدة , تطورت فيها وسائل الإتصال والتواصل , فجعلت من العالم قرية صغيرة في نقل المعارف الإنسانية والتواصل مع الآخر . وهي ثمار طيبة للعولمة , جعلت الإنسان في أي مكان علي علم ودراية بما يحدث في كل بقعة علي وجه الأرض , ولديه القدرة علي التواصل الكوني بكل سهولة ويسر , من أي مكان وفي أي وقت , يستطيع أن يعبر ويبدع ويصور ثم ينقل كل هذا للعالم بأثره , ليتلقي أناس آخرون إبداعاته وأحاسيسه وتصوراته ,,,, إلخ  في ظل شبكة عنكبوتية يتلاشي بداخلها الصالح والطالح .

  وهنا يأتي إستعمار العقول , حيث تعكف جهات ومنظمات معلومة وغير معلومة تسعي لتحقيق أهداف وأغراض متعددة تختلف بإختلاف المصالح والرؤي , لكنها تتفق في السعي للهيمنة علي العقل الإنساني بأشكار وصور متعددة , فتحوله إلي عقل ضعيف غير قادر علي الإبداع والإبتكار , عقل متلقي ومستسلم ومستهلك لإبداعات ورغبات وأهداف السادة المهيمنين علي عصر العولمة - المستعمر في ثوبه الجديد – اللذين يمتلكون أدوات حربية جديدة ذات طابع خاص تتلأم مع العصر الجديد , أدوات يستطيع من خلالها التحكم في شعوب متعددة بأكملها , من خلال إستعمار عقول أبنائها . لدرجة أن بعض الدول والحكومات قد تعجر في كثير من الأحيان في مواجهة هذا الإستعمار , والذي يمكن تشبيهه بالسم الذي يجري داخل عروق الإنسان , دون أن يستطيع هذا الإنسان من إيقافه , رغم أنه يمتلك جسده وعروقه ودمه .

  وهذا ليس معناه عدم الإنخراط في العولمة أو الدعوة إلي التخلف والرجعية ,,,, وغيرها من الأقوال . لكن دعوة إلي إيقاظ العقول بالعلم المؤسسي المستنير القائم علي أسس علمية وتربوية وأخلاقية , يستطيع من خلالها هذا العقل المساهمة الفعالة في إثراء المعرفة الإنسانية , والتحرر من براثن الإستعمار الجديد .. إستعمار العقول .. 

2023-03-13