الخميس 23/10/1445 هـ الموافق 02/05/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
فرنسا ما بين انقلاب الغابون و انقلابات غرب أفريقيا ....همام محمد ضحيك

  الغابون عملاق النفط والمنغنيز والغاز الإفريقي، على الرغم من أن الغابون ليس عضو في مجموعة دول غرب أفريقيا واختلاف أسباب وأهداف الانقلاب فيها عن النيجر ومالي و بوركينافاسو، إلا أنها تحت النفوذ الفرنسي الخالص بلا منازع ولا تقل أهمية عن عملاق اليورانيوم النيجر. تخسر فرنسا نفوذها تدريجيا في مستعمراتها القديمة ومنابعها الاقتصادية الحديثة لصالح قوى عالمية بدأت في التوسع في المنطقة كما حصل في الانقلابات الأخيرة , ولكن لا شك أن الدوافع وراء انقلاب الجيش في تلك الدول مختلفة كليا عن انقلاب الغابون وأيضا لم تخسر فرنسا بعد نفوذها في الغابون ولم يتم مهاجمة الوجود الفرنسي من أي جهة سياسية أو عسكرية فيها كما حصل في النيجر وبوركينا فاسو ومالي التي أظهرت المجالس العسكرية و الأحزاب السياسية هناك عدم رغبة الوجود الفرنسي فيها. لعل المتتبع لتاريخ الغابون الحديث يجد أن بعد استقلال الغابون عام 1960 تتداول على رئاستها ثلاث رؤساء فقط انتخب ليون إمبا أول رئيس وكانت المصالح الفرنسية عنصرا حاسما في تحديد مستقبل الحكم في الغابون , تصدت فرنسا لأول انقلاب في الغابون عام 1964 وأعادت ليون إلى الحكم , ثم استلم عمر بنغو الحكم عام 1970 ومنذ تلك الفترة بدأ نفوذ عائلة الرئيس بالتوسع بجميع دوائر صنع القرار في الغابون وكانت العلاقة مع فرنسا في أبهى صورتها حتى وفاته ثم استلم الرئاسة ابنه علي بنغو وأعيد انتخابه ثلاث فترات متتالية , خلال حقبة حكم عائلة بنغو ازداد الاستثمار الفرنسي في الغابون بمختلف أشكاله تمثل في سيطرة الشركات الفرنسية على التنقيب والتعدين واستخراج الثروات بالإضافة إلى اعتبار اللغة الفرنسية اللغة الرسمية للغابون على الرغم من وجود لغات محلية في الغابون. لا شك أن الانقلاب وضع فرنسا في موقف حساس مثل الانقلابات الأخرى في الدول الفرانكفونية ولكن ليس بالشدة نفسها الذي تعاملت معها فرنسا بأن تدعو مثلا إلى شن عملية عسكرية لإعادة الرئيس أو بعقوبات بل اكتفت بالإدانة الخجولة , وحيث أن هناك أسباب جعلت فرنسا تكتفي بإدانة خجولة , خوفها من وقوع قادة الغابون الجدد في أحضان روسيا , تصريح قادة الانقلاب بالالتزام بكافة الاتفاقيات المبرمة مع كافة الشركات والدول , وإشارة الجنرال أوليغي أنغيما قائد المجلس العسكري الحالي أكثر من مرة أنهم لا يهددون مصالح الحلفاء الإقليميين والدوليين و لا يتشبثون في السلطة وإنما قاموا بذلك بسبب تزوير الانتخابات والرشوة والفساد بالإضافة إلى التدهور الاقتصادي في البلاد, حيث أن تلك الأسباب وجدت صدى في الإعلام الغربي وتفهما وبالتالي فإن فرنسا والغرب يرى أن الدوافع و الأهداف مختلفة عما حصل في مالي والمجر وبوركينا فاسو ثم أن الغابون ستبقى فرنسية الهوى , ولعل خوفها أيضا من انضمام حكام الغابون الجدد إلى الدعوات العسكرية في الدول المجاورة لإنهاء عملة الفرانك الإفريقي حيث تستخدمه 14 دولة في غرب و وسط إفريقيا ويجبرها على ربط عملتها باليورو وتخزين نصف احتياطاتها من العملات الأجنبية في البنك المركزي الفرنسي. كل تلك العوامل جعلت فرنسا تتعامل بحدة أقل في انقلاب الغابون مقارنة بالانقلابات الأخرى في المنطقة وفي ظل الهاجس الفرنسي والغربي من نمو النفوذ الروسي والصيني في وسط وغرب أفريقيا وفي هاجس مربع الانقلابات التي يزداد في تلك الدول التي تتجه اليوم الأنظار لها لما تحتويه من كنوز ومخزون احتياطي هائل من المعادن والنفط وتبقى شعوبها تصارع الفقر والفساد والنزاعات الداخلية تبقى الانقلابات الذعر الأكبر لفرنسا والغرب والتي سوف تستغلها روسيا والصين لزيادة نفوذها هناك. بقلم الكاتب و الباحث : همام ضحيك

2023-09-17