كنت قد تمنيت على الرئيس عبد الفتاح السيسي معاملة الرئيسين حسني مبارك ومحمد مرسي، بمكانة يستحقانها، عبر إصدار قرار رئاسي بالعفو عنهما، لمكانتهما كرئيسين للجمهورية، يُفترض أن يتحلا بالحصانة السياسية، فالأول أحد أبطال معركة أكتوبر عام 1973، حينما كان قائداً لسلاح الجو، والثاني منتخب شرعياً، والأهم من هذا وذاك إرساء تقاليد من سعة الصدر وحُسن التعامل مع السابقين حتى يجد الإنسان المسؤول فرصة التعامل معه باحترام مستقبلاً حينما تتغير الأحوال وتتبدل الظروف، ويبقى موقع رئيس الجمهورية مصان بالاحترام، وليس مسبة أو عاراً على من تقلده .
لم يكن حُكم حسني مبارك نموذجياً وغير ديمقراطي، ولم يكن فلتة زمانه، والرئيس مرسي كذلك، فالأخطاء والخطايا في عهده قد تكون قليلة أو كبيرة، ولكنه طالما وصل لرئاسة الجمهورية، فيجب أن يحظى بالاحترام والحصانة، ليس وهو رئيساً، بل وهو مواطن خال من النفوذ .
على المصريين أن يتذكروا ضُباط ثورة يوليو 1952، وكيف تعامل قادتها مع الملك فاروق، تركوه لحاله وغادر مصر مع حاشيته وفق رغبته وإرادته، أو وجهت له النصيحة للمغادرة الكريمة حتى لا يتعرض للأذى أو المساءلة، ويُقال أنه رحل مع ثروته حتى تحفظ له عيشة كريمة له خارج بلده مصر ، وبوداع رسمي لائق.
ولدينا في الأردن نماذج كثيرة من شخصيات المعارضة التي عاملها الراحل الملك حسين باحترام وتقدير وبعضهم بالاعتذار عما سببه لهم الاعتقال، أو الحرمان من الوظيفة والسفر أو خلافه، وأنا واحد منهم حينما عاملني الملك باحترام في أول لقاء لي معه، مع أنني لم أكن ودوداً بل كنت متطرفاً تجاوزت حدود اللياقة معه إلى الحد أنني رفضت أن أقول له سيدي أو جلالتك، وكنت أخاطبه بكلمة أنت وحضرتك خلال زيارته للدستور يوم 30/11/1988 التي شهدت تلك الواقعة، والضباط الأحرار الذين حاولوا الانقلاب عليه، وقادة فصائل منظمة التحرير، وليث شبيلات وغيرهم العشرات الذين نالوا الاحترام كما يستحقون بعيداً عن الثأر والأذى، دلائل على التسامح والتراضي واحترام الأخر كتقاليد هاشمية رسخها الراحل الكبير .
رحل الرئيس محمد مرسي بما له وعليه، وأزال الحرج عن استمرارية اعتقاله ومحاكمته، ورحيله الرباني فرصة سياسية لرد الاعتبار له وللحكم في مصر معاً، مما تتطلب معاملته معاملة لرئيس سابق يستحق الاحترام ورد الاعتبار حتى ولو كان عضواً قيادياً في حزب سياسي معارض للنظام، فهو رئيس سابق منتخب، ورد الاعتبار له بعد وفاته لا يوفر للإخوان المسلمين مكسباً، بل يوفر للنظام الحاكم المكسب السياسي أنه يُعامل خصومه بالثقة والاحترام، ويدلل على شرعية ما هو قائم طالما أنه يحظى برضى المصريين ودعمهم أو قبولهم .
نحن الذين ننحاز لمصر ومكانتها، ونحن الذين نقف في الخندق الخلافي مع حركة الإخوان المسلمين، نتمنى أن نرى في مصر ولمصر ما تستحقه من مكانة ومبادرة، لا أن تبقى واقفة مع الواقف، وتعاقب الذاهب أو الراحل أو الضعيف، ونتمنى أن تقدم النصيحة للرئيس عبد الفتاح السيسي، التي تجعله كما وعد رئيساً لكل المصريين، وليس فقط من انتخبوه أو وقفوا معه أو رضوا عنه، بل معاملة المصريين جميعهم كأبناء وطن واحد، وفي طليعتهم الرئيس المنتخب السابق الراحل محمد مرسي .