لا تختلف حركة الإخوان المسلمين ، كحركة سياسية تسعى للوصول إلى السلطة ، عن أي حزب سياسي أخر مهما بدا يسارياً أو قومياً أو ليبرالياً ، فالحزب السياسي ، أي حزب سياسي تشكل من أجل الترويج لفكرة وتجنيد الناس حولها وصولاً لسلطة صنع القرار وفرضه ، هكذا كانت الاحزاب الشيوعية ، وهكذا كانت فكرة البعث ، والقوميين العرب ، والتحرير الإسلامي ، وأحزاب ولاية الفقيه ، ولازالوا ، وليست القاعدة وداعش شاذين عن هذا الفهم وعن هذا التوجه والهدف .
الخلاف بين الاحزاب قبل وصولها إلى السلطة ، يتركز حول مسألتين هما : 1- الفكرة أو العقيدة السياسية ، و 2- الادوات المتبعة في الوصول إلى السلطة ، ولكن بعد الوصول إلى السلطة ينفجر الخلاف حول كيفية إدارة الدولة ، بالتفرد والاحادية أم بالشراكة مع الاخرين ، وكيفية السماح للأخرين بالتعبير عن أنفسهم كمعارضة ، وقد ثبت بالملموس القاطع أن الاحزاب في العالم العربي ليست ذات طابع ديمقراطي ولا تقر بالتعددية ولا تؤمن بها ، وإذا حصل فهي مؤقتاً بهدف الوصول إلى السلطة ، وبعدها يتم التسلط والهيمنة والتفرد والعداء للأخر ، هكذا كانت الاحزاب الشيوعية في المعسكر الاشتراكي ، وهذا هو أحد أسباب فشلها وهزيمتها في الحرب الباردة ، وهكذا كان البعث بتجربتيه في سوريا والعراق وعدم نجاحهما ، وهذا هو سبب إخفاق القوميين في اليمن الجنوبي وزوال نظامهم .
الاخوان المسلمون ليسوا خارج المشهد وتجاربهم ليست أفضل حالاً ، وإن كانوا اليوم يقدمون نموذجاً جديداً طور النمو والاختبار في كل من تونس والمغرب ، فقد وصلوا إلى السلطة عبر الإنتخابات في فلسطين ، عام 2006 ، ولكنهم إستولوا عليها منفردين من خلال إنقلاب دموي في قطاع غزة ، أطلقوا عليه “ الحسم العسكري “ في حزيران 2007 ، ولازالوا منفردين متسلطين مستأثرين بالسلطة لوحدهم طوال عشر سنوات فشلوا خلالها 1- في الحفاظ على تميزهم الجهادي حينما كانت حركة حماس فصيلاً جهادياً في مواجهة الإحتلال ، ففشلت في مواصلة طريق الجهاد لإستنزاف الاحتلال بعد الانقلاب والاستيلاء المنفرد على قطاع غزة ، 2- مثلما فشلوا في تقديم نموذج أفضل عن حركة فتح في إدارة مؤسسات السلطة ، وباتوا اليوم أسرى تحكمهم وتسلطهم بالسلطة يدفعون ثمن الحفاظ على إستمرارية بقاءهم في إدارتها وتفردهم في قيادة قطاع غزة ، وإذا كانت فتح أسيرة التنسيق الامني مع سلطات الاحتلال في الضفة الفلسطينية ، فحركة حماس أسيرة لأتفاق التهدئة الامنية مع العدو الإسرائيلي في قطاع غزة ، وإتفاق التنسيق الامني بين رام الله وتل أبيب تم بوساطة أميركية ورعايتها ، وإتفاق التهدئة الامنية بين غزة وتل أبيب تم بوساطة مصرية ورعايتها منذ عهد الرئيس الاخواني محمد مرسي في 21/11/2012 ، وتجدد في عهد الرئيس السيسي يوم 26/8/2014 .
وسبق للإخوان المسلمين وتنظيمهم الام أن تعاون مع نظام الملك فاروق ، وفي نفس الوقت كان أحد المبادرين لتشكيل حركة الضباط الاحرار الذين نفذوا إنقلاب الجيش في تموز 1952 ، بقيادة محمد نجيب ، ولما إختلفوا مع عبد الناصر إتهموه بسرقة ثورة يوليو ، ولذلك حاولوا إغتياله عام 1954 ، فرد عليهم بالعمل على شيطنتهم وتصفيتهم وإعدام قياداتهم ، وعلى رأسهم سيد قطب ورفاقه عام 1966 .
وهكذا نجد حركة الإخوان المسلمين مارست كل أنواع العمل السياسي والمسلح وصولاً إلى السلطة ، بما فيها الاغتيالات السياسية ضد نظام الملك فاروق ، ولازالوا في ليبيا وسوريا والعراق واليمن متورطين بالعمل المسلح بكافة أشكاله وتلاوينه المشروعة وغير المشروعة ، لتغيير الانظمة والاستيلاء عليها .
في تونس والمغرب ، تحرر فصيلا الإخوان المسلمين من تراث حركتهم الام وتصرفوا كأحزاب سياسية تونسية ومغربية لها أجندات محلية وطنية وإن تمسكا بمرجعيتهما الاسلامية وحافظا على هامش واسع من الاجتهادات الإسلامية المنسجمة مع قيم العصر والتعددية والاحتكام إلى صناديق الاقتراع وقبول الشراكة مع الاخر ، وهذا سبب نجاحهما كحزبين سياسيين في تونس والمغرب ، لم يكن سهلاً فقد وجهت لهما سيولاً وعواصف فكرية وسياسية وعقائدية ، سواء من قبل شخصيات من داخل الحزبين التونسي والمغربي ، أو من إتجاهات إسلامية منافسة ، تتهم راشد الغنوشي ، مثلما تتهم عبد الإله بن كيران بالتخلي عن تراثهما الاخواني والدوس على قناعتيهما التاريخية مقابل البقاء في السلطة .
الإخوان المسلمون إستفادوا من خبراتهم المتبادلة في البلدان العربية ، وتقدموا في العديد من المواقع والاماكن وحققوا نجاحات بفضل وعي قيادات لها باع طويل في العمل السياسي ، دفعتهم للتحرر من قيود إجرائية وقدموا نماذج ناجحة للمرجعية الاسلامية ، كما سبق وفعل عبد الله نمر درويش مؤسس الحركة الإسلامية في مناطق 48 الفلسطينية ، وسار على الطريق الفرع التركي من جماعة الإخوان ، وها هم التوانسة والمغاربة من الإخوان المسلمين يسيرون على الطريق الناجح ، ويتقدموا الصفوف ، وها هو عبد الإله بن كيران يشكل نموذجاً سيحتذى “ لأخوانه “ في العالم العربي ، وهذا هو المطلوب ، هذا هو المريح ، وهذا هو المكسب الذي تحقق ليس فقط للإخوان المسلمين بل للشعوب التي يعملون لها ومن خلالها وصولاً إلى السلطة .
[email protected]