الخميس 23/10/1445 هـ الموافق 02/05/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
الفلسطيني .. الأمل المفقود....عائد زقوت

في خضّم هذا البحر المتلاطم الأمواج بما تَحمله من ظلماتٍ ساجية، وويلاتٍ وأوجاعٍ وآهات قهرت صدور الرجال، وأدمَت قلوب النساء، وأرعشت مكنونات أحشاء الأطفال، في هذه الأهوال العاصفة، والدُّخَان المتصاعد كالجبال، تخلّى الشعب عن السؤال الحاضر بمرارته من أطلق الرصاصة الأولى؟، ولكنّه ينتظر من ذا الذي يترجّل عن صهوة جوادِه ليرفع راية السلام والأمان؛ السلام الذي فقده في حاضره ومستقبله، بل وماضيه، السلام فيما يعانيه من ويلاتٍ وفواجعَ عِظام .

الشعب يريد الخروج من قِنْ الضّياع، ويبحث عن من يَشدُّه إلى استجماع الحقّ من حطامِه المتناثر، ومن زكام القلوب المتبدّدة لِيتّخذ من ذلك دعامة لابْتناء المدينة الفاضلة، ويُذلل السبل، ويشّق الطريق البِكْر والوَعِر إليها. الشعب يُفتّش في طيّات أوراقه، ورُكنات أفكاره عن قادة قادرين على إطلاق الحق من محبس الأماني إلى فضاء الحياة، ومن المأمول إلى المعقول، ومن المَقُول إلى المعمول. ولا زال البحث جاريًا عن قادة لا تَهدِم ولا تُفْسِد من حيث تظن أنها تَنْشُدُ البنيان والإصلاح، ولا تتّخذ من أمزجة نفوسها وأهوائها مقصدًا لا بدّ أنْ يرُومه الجميع، ولا تعتقد أنّ رؤاها وصوابها فَلَكًا يجب أنْ يحجّ إليه سائر الكواكب لإرضاء غرورها ونزواتها . مِثل هذه الصفات تحتاج لتحقيقها شعبًا يرى بعقله لا بفمِه، شعبًا لا تَبُثُ شفتاه رياح اللَّعن، شعبًا لا يرى فيمن يقوده امتلاك القدرة على تشريق الشمس وتغريبها في آنٍ واحد، لا يرى فيهم كعبة تُقصد، ولا يَحْسَبُ الحق إلا ذلك الذي تَشْتَمُّه أنوفهم فقط، شعبًا لا ينصت إلى الحنجوريين الذين حرَّفوا المفاهيم عن مواضِعها لأجل غايات نفوسهم، فَصَيَّروا الإنسان لحماية القوة في حين أنها خُلِقَتْ لحماية الإنسان.

حين يحصل الالتقاء بين هذه المواصفات المرجوّة وتلك المأمولة، حينها يأَفُل نجم التجرّؤ على قيمة الإنسان الذي يُعَد كينونة الحضارة الإنسانية ومحورها، ويبزُغ فجر الحرية حينها وحينها فقط يُنْبِتُ الأمل المفقود. ومضة : اعتقاد البعض أنّ عدالة القضية تستحق أنْ تُزهق كل هذه الأرواح لأجلِّها، وأنّ تحرير أي شبِر من الأرض يساوي كل هذه الأشلاء، هذا الاعتقاد يختلف كليًا مع المراد الإلهي من الخلق بغايته الوجودية العليا وهي العبادة، والغاية الأدنى وهي استعمار الأرض، وكلا الغايتين محورهما بقاء الإنسان لا فنائه. بيني وبينكم : إنْ لم يدرك قادة الفصائل الفلسطينية، ومن يُسطِّرون المشهد السياسي، أنّ التخفف من عبء إقامة الدولة الفلسطينية خشية الصدام مع واشنطن، أو لانشغالهم في البحث عن أدوارٍ لهم فيما بعد الحرب، وأنّ إصلاح الموجود خير من انتظار المفقود هو مذبحة سياسيّة بحق الشعب وقضيته، فاقرَؤوا عليهم الفاتحة.

2024-01-20