الثلاثاء 21/10/1445 هـ الموافق 30/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
الرحيل ......بقلم محمد خطاب
 
في انتظار أن يحدث شيء ، ثوان ثقال لا تمر و دقات الساعة تعلن النفير العام في حواسي ، الطريق يمتد أمامي في ليلة صيفية ساخنة أشعر بصهد يخرج من أحشاء الإسفلت ، غلبتني فكرة رحيلها و لم أشعر بالعرق المتساقط علي جبيني ، صوتها الدفيء وهي تسألني عن النجوم ما إذا كان يسكنها أحد ،كانت تقول : هو فيه حد غيرنا في الكون ؟
ولم تنتظر الإجابة فقد عادت لقراءة القرءان من المصحف خلف الشيخ عبد الباسط عبد الصمد في التلفزيون ، تتلعثم في بعض الكلمات ثم تعاود قراءتها ، ثم تقول مبتسمة: أكيد ربنا هيسامحني؟
شعوري بالدفء في وجودها كان ينسيني آلامي كنت أستظل بروحها و أستلقي وسادة من الحب الطاهر المنزه عن المصلحة ، كان الزمن يتوقف عن المسير في صحبتها رغم طقطقت عقرب الساعات.
فجأة جاءه صوت اتصال مرتبك : الحق أمك تعبت خالص !
أسرعت الخطي نحو الدار ، و أنفاسي تتصاعد بصعوبة و كأني أفارق الحياة ... وصلت المنزل و الوجوم يسيطر علي وجوه الجميع ... لا أري أحدا ، و لا أسمع سوي أنات أمي ، بدا واضحا عليها التعب الشديد ، أنفاسها تتقطع بصورة غريبة تردد بصوت متقطع : نفسي.. نفسي .. مش قادرة آخذ نفسي . تنظري إلي مستغيثة و أنا أنفس بخاخة كلينيل في فمها مطمئننا : استنشقي بقوة و ستذهب الكريزة لحالها .
كان وجهها محمرا و سكرات الموت تذهب بها و تسألني :
مبتسألش عليه ليه؟ بموت يا محمد .. ابنك عامل ايه .
وقبل أن أجيبها تقول : بموت يا محمد نفسي رايح .
أخذتها في حضني وكأني أخفيها عن الأقدار : أنت بخير دلوقتي نفسك هيرتاح .
نظرت إلي غير مصدقة قالت : عطشانة .
سقيتها الماء و أنا أغالب الدموع قلت لها : هي دي أول مرة تتعبي فيها .
أربعون يوما بالتمام مفصل الفخذ مكسور و هي تصرخ و تتألم و الطبيب يأتي و يكتب لها علي مسكنات دون فائدة.. الألم لا يبارح جسدها و الصراخ لا يتوقف .. و كل أطباء العظام أجمعوا أن العملية مستحيلة لكبر سنها و لأنها لن تتحمل إجراء العملية أو البنج .. التقرحات ملأت جسدها من طول فترة الرقاد .. و المراهم لا تجدي .. في نهاية اليوم الأربعين بدأ الألم يقل ، قالت : شوفت أبوك في الجنة .. و أنا لابسة فستان الفرح و رايحه له. قبلت جبينها و قلت لها: لن تذهبي سنظل معا أو نرحل معا.
أنفاسها تتقطع بصورة غريبة و فجأة بدأ كل شيء في الانهيار، بدأ عالمي يتداعي مع خروج الروح وقفت و أخوتي عاجزين عن فعل شيء فقط نتألم و نتحسر علي روح طاهرة تغادر أجسادنا جميعا لا جسدها ، ألم خرج من جسدها و سكن روحي إلي اليوم .
 
 
 
 
2024-01-21