الخميس 23/10/1445 هـ الموافق 02/05/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
في تقرير:(اسرائيل) تبني جدارالفصل العنصري على انقاض التراث الفلسطيني


(الاحتلال يهدم موقعا لنظام ري من العهد الروماني يوفر المياه العذبة لبلدية بيتر منذ عدة قرون.)

مستعمر لا يأبه للتاريخ الانساني


رام الله ـالوسط اليوم-أبدت المجتمعات الفلسطينية في الضفة الغربية قلقها بشأن الأنباء المنتشرة على نطاق واسع حول استئناف (اسرائيل)لبناء "الجدار العازل" بعد توقف دام خمس سنوات. فقال أكرم بدر، رئيس بلدية بتير، وهو مجتمع فلسطيني يقع مباشرةً خارج الخط الأخضر، جنوب شرق القدس "إن بناء الجدار عبر هذه المنطقة جريمة وستكون كارثة"، لافتاً إلى المسار المخطط له في مكان قريب بمحاذاة خطوط السكك الحديدية.

وتجدر الإشارة إلى أن بتير هو موقع لنظام ري قديم يوفر المياه العذبة لأغراض الزراعة المزدهرة في هذا المجتمع منذ عدة قرون. ويتدفق الماء إلى الأسفل من بركة رومانية قديمة ويتساقط من مصطبة إلى أخرى، ثم يتوزع على الأراضي الزراعية من خلال قنوات عدة.

وقال غياث ناصر، المحامي الذي يتولى قضية بتير ضد مسار الجدار المخطط له "ستنهار المصاطب إذا تم بناء الجدار عبرها كما هو مخطط له".

وتجدر الإشارة إلى أن حوالى 62 بالمائة من الجدار الذي يبلغ طوله 708 كيلومتراً قد اكتمل بالفعل، في حين أن 8 بالمائة أخرى ما زالت قيد الإنشاء، ويتم التخطيط لبناء 30 بالمائة أخرى، ولكن لم يتم الشروع فيها حتى الآن. وقد عزل الجدار حتى الآن 150 مجتمعاً عن أراضيهم، وقد بات حوالى 7.500 فلسطيني عالقين بين الخط الأخضر والجدار، وهم بحاجة إلى تصاريح خاصة لكي يسمح لهم بالبقاء في ديارهم، وفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا).

وفي عام 2004، دعا الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية (اسرائيل)إلى وقف بناء الجدار، وتفكيك أو إعادة مسار الأقسام التي أنجزت بالفعل، وإلغاء نظام البوابات والتصاريح. كما حث قرار اعتمدته الدورة 36 للمؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، التي عقدت مؤخراً، جميع الأطراف على الحفاظ على مدرجات بتير الخلابة، وهي موقع من "التراث الثقافي والطبيعي الفلسطيني"، بينما تزعم (اسرائيل)أن الجدار ضروري لأسباب أمنية.

توقف بناء الجدار نتيجةً للمشاكل المالية والطعون القانونية التي تقدّم بها المجتمع المدني الإسرائيلي والفلسطيني ضد المسار المخطط له. وقالت وزارة الدفاع الإسرائيلية في تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أنه قد يتم استئناف البناء بعد الحصول على الإذن اللازم من جانب كل من محكمة العدل العليا ولجان وزارة المالية التي تتولى مصادرة الأراضي على طول مسار الجدار. ومن المتوقع أن يستأنف العمل في بناء الجدار في المناطق المحيطة بالقدس وبيت لحم أولاً، ولا سيما حول كتلة مستوطنات غوش عتصيون، حيث تقع بلدة بتير.

ومن الصعب تقدير العدد الدقيق للمجتمعات التي ستتأثر بمجرد استئناف عملية البناء لأن الإجراءات القانونية لا تزال جارية لتحديد المسار النهائي. ومع ذلك، فإن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية توقع أن يتضرر 50 تجمعاً سكانياً فلسطينياً على الأقل بجوار أجزاء من الجدار لم يبدأ بناؤها بعد، وهذا يعني إما عزل الأراضي أو الموارد المائية، أو جعل المجتمع بأكمله معزولاً عن المناطق المحيطة به.

تحدي الجدار


وقالت ساريت ميخائيلي، المتحدثة باسم منظمة بتسيلم الإسرائيلية، وهي منظمة غير حكومية "إن الجدار حول بتير يمر فوق الخط الأخضر، ولذلك من غير المنتظر أن تواجه (اسرائيل)مشاكل قانونية 'تعيق استئناف البناء هناك'. ومع ذلك، سيكون أثره على المجتمع وخيماً، لا سيما وأنه ينطوي على خسارة موقع تاريخي".

وأشار ناصر إلى أن "الحل بسيط ويكمن في بناء الجدار على الجانب الإسرائيلي من خط السكك الحديدية"، ما يسمح لأهالي القرية باستمرار الوصول إلى حوالى 300 هكتار من الأراضي المستخدمة في الزراعة الضرورية لكسب عيشهم.

وفي هذا الإطار، قالت امرأة مسنة بينما كانت تقطف النعناع من أرض عائلتها على الجانب الإسرائيلي من خط السكك الحديدية "أعرف أن هذا لن يجعلني غنية، ولكنني أريد بيع الخضار في القدس مرة واحدة كل أسبوع. فهذا هو مصدر دخلي".

وقد تم توثيق أثر الجدار على المزارعين على نطاق واسع، وتشير تقارير "الأونروا" إلى أنه عادة ما يوجه المزارعون المتضررون من الجدار انخفاضاً في محاصيلهم السنوية بنسب تصل إلى 60 بالمائة.

وغالباً ما يصاحب تقديم الشكاوى القانونية، مثل تلك الخاصة بقرية بتير، تنظيم احتجاجات شعبية في قرى أخرى، الأمر الذي نجح في قرى مثل بدرس وبلعين بتغيير مسار الجدار. وأكد بدر: "نريد حل هذه المسألة بطريقة سلمية، في المحاكم". وأضاف قائلاً "إذا قسّمتَ أرض بتير ببناء جدار، ستدمر السلام والتراث الثقافي واقتصادنا".

الدعم الشعبي للحاجز


عندما أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، أرييل شارون عن خطة لبناء الجدار العازل في الضفة الغربية في عام 2002، لقيت الخطة تأييداً واسعاً كرد على موجة من التفجيرات الانتحارية التي قام بها الفلسطينيون ضد المدنيين الإسرائيليين خلال الانتفاضة الثانية. وفي أكتوبر/تشرين الاول 2003، أيد 83 بالمائة من الإسرائيليين اليهود الذين شملهم استطلاع للرأي بناء الجدار، وفقاً لمؤشر السلام، وهو مسح مستمر يستطلع رأي الإسرائيليين حول القضايا المتعلقة بالصراع الإسرائيلي- الفلسطيني.

ويبقى الأمن هو السبب الرئيسي في تأييد الحكومة الإسرائيلية لبناء الجدار. فذكر جوش هانتمان، المتحدث الرسمي باسم وزارة الدفاع الإسرائيلية أنه "تم بناء السور لأسباب أمنية فقط،.

ومن جانبها، قالت داليا شيندلين، محللة وخبيرة في الرأي العام الإسرائيلي "ما زالت الغالبية تعتقد أن الجدار هو المسؤول عن التحسن في الوضع الأمني، وليس الخطوات المتخذة من قبل الفلسطينيين"، ولكن الإسرائيليين يؤيدون أيضاً الجدار لأسباب أخرى.

وأضافت أن "الإسرائيليين 'اليهود' ما زالوا يشعرون أن هذا الفصل هو السبيل الوحيد لإقامة حياة عادية هنا".

ووجد الاستطلاع الأخير الذي أجرته شيندلين في عام 2007 أن 59 بالمائة من الإسرائيليين اليهود يعتقدون أن الجدار قد حسن الوضع الأمني، ولكن 31 بالمائة قالوا أن الجدار يجعل الوضع أكثر صعوبة بالنسبة للفلسطينيين، وقد يؤدي إلى تدهور الوضع الأمني في نهاية المطاف.

وفي حين أن الحكومة الإسرائيلية سلطت الضوء في الماضي على مقولة أن الجدار قلل بشكل كبير من الهجمات الفلسطينية داخل (اسرائيل)أشارت تقارير وسائل الإعلام ومكتب تنسيق الشؤون الإنسانية إلى أن حوالى 1.500 فلسطيني دخلوا (اسرائيل)يومياً بدون تصاريح في عام 2011، ما يشير إلى أن هناك عوامل أخرى تساهم في الحد من العنف.

وحتى كبير مهندسي الجيش الإسرائيلي الذي يخطط مسار الجدار، داني تيرزا، قال مؤخراً أن الحد من الهجمات واستعادة الشعور بالأمن في (اسرائيل)لا يجب أن يعزى فقط إلى الجدار العازل، بل "تم تحقيقه من خلال تضافر جهود جميع الأطراف المعنية".
(ايرين)

2012-08-13