الأحد 19/10/1445 هـ الموافق 28/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
في وداع عمالقة الفن الرفيع !!/ عبد الهادي شلا


  يغادرنا المبدع ولكن أعماله الإنسانية تبقى حاضرة على مر الزمن تمنح قيما في إنتظار من يجدد روحها ويكمل الرسالة الإنسانية لتصل إلى منتهى بهائها. بهذه الرؤية نقرأة كل ما وصلنا في الفن والأدب والعلوم بفروعه،ونستطيع أن نحكم على القيم فيها ومدى توافقها مع زمانها وما تبشر به في غير زمانها.

نقرا التاريخ لنتفادى أخطاء الماضي،في الوقت الذي نستفيد من قيمه العالية. وحين نفقد مبدعا فأننا نحزن على فراقه فقط،بل نحزن على أنفسنا ذلك أننا ندرك بأننا سننتظر طويلا حتى يظهر علينا نموذجا جديدا بروح متجددة تبعث في الحياة..الحياة !.

كان العام الماضي ومشارف هذا العام قاسيا علينا ونحن نودع عددا من رموز الفن الذي شغل الدنيا جمالا وقيما وأمتعوا الجماهير بأدوار وأداء يترحم عليه معنا كل من جاء بعدهم من الفنانين .

ولعلنا لا نقسو على الجيل الذي تربى على أعمال عمالقة الفن وادوارهم وأدائهم حين نلومهم بأنهم لم يكونوا أمناء ولا أوفياء للفن وقيمه خاصة أن بعض الرموز الكبيرة كانت وماتزال تعيش بيننا . ولم يسأل أحد من الجيل الجديد عن سر (إحتجاب) عدد كبير من هذه الرموز العظيمة رغم كل الإغراءات المادية وسعة الإنتشار التي تغذيها الفضائيات بيسر وسهولة،وهم الذين قد شقوا طريقهم في غياب هذه التقنيات العجيبة وبجهد صادق وفي سيرهم الذاتية تحديات مجتمعية وحياتيه قوية وقاسية إجتازوا إمتحانها بنجاح حين نجحوا فيما أمتعو الجماهير بأعمال تخلو من الإسفاف!.

أو ربما سألوا أنفسهم ولكنهم تغاضوا عن الجواب الذي لا يحتاج إلى كثير من الجهد. أما نحن فنعلم أن طريق الإبداع لا يمنحه جمال الوجه ولا الجسد الجميل بقدر ما تمنحه عظمة الموهبة الكامنة. أخر الذين افتقدناهم من عمالقة الفن هي السيدة (فاتن حمامة) سيدة الشاشة العربية. ولست هنا في حاجة للحديث عنها،فهناك من يعرف عن سيرة هذه الفنانة الكبيرة أكثر مما أعرف عن حياتها الفنية، و بالقدر الذي لا يختلف عليه إثنان بأن كل أعمالها كانت ناجحة وبلا إستثناء منذ بدأت طفلة وكان عمرها ست سنوات في فيلم (يوم سعيد) مع الفنان الموسيقار محمد عبد الوهاب.

وكلنا يذكر دورها المميز في (دعاء الكروان - 1959) عن قصة عميد الأدب العربي طة حسين. وكذلك فيلم (أريد حلا-1975) الذي تعرض لقوانين الزواج و الطلاق في مصر. والذي بسببه قامت الحكومةالمصرية بإلغاء القانون الذي يمنع النساء من تطليق أزواجهن. وفيلم "نهر الحب"، كذلك "سيدة القصر"، و"صراع فى الميناء"، و"صراع فى الوادى"، و"لا أنام".

والمجال لا يتسع للمرور على كل أفلامها أو مسلسلاتها التلفزيونية ولكننا نؤكد أنها كلها بصمات مميزة. فحين شاهدنا جنازتها المهيبة عرفنا مدى حب الجماهير لهذه الفنانة وقيمتها رغم غيابها عن الساحة الفنية منذ زمن ،وأن وداعها شعر به واجب كل من أحب أفلامها وأدوارها وأمتعته وأضافت إلى مشاعره الكثير من القيم الإنسانية النبيلة على مدى مشوارها الطويل .

ستبقى سيرة العظماء تمد الأجيال بدروس ومفاهيم وقيم عالية وتنير لهم الطريق إن أحسنوا الفهم واستوعبوا الدرس. وستبقى صور هؤلاء العمالقة في ذاكرتنا كما هي في ذاكرةالتاريخ رائعة وجميلة. رحم الله كل من أعطى هذه الحياة فكرا وجمالا وترك أثرا ينتفع به.


2015-01-18