الأحد 19/10/1445 هـ الموافق 28/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
محاكاة أميركية لأزمة سوريا: انهيار الدولة وتدخل تركيّ في نيسان

 


المأساة الإنسانية في سوريا لن تحرّك التدخل العسكري، بل وحدها التبعات الاستراتيجية للأزمة هي التي قد تؤدي بتهديدها مصالح المحور الغربي – التركي – الخليجي إلى إطلاق مسار عسكري سياسي واقتصادي، تلعب تركيا الدور المركزي فيه، مع رفض أميركا تحمّل عبء فاتورة التدخل أو إعادة الإعمار، وضعف تأثير السعودية التي تقتصر أجندتها الإقليمية بشكل عام على ضرب النفوذ الايراني، ولو كان الثمن زعزعة الاستقرار في سوريا ولبنان والعراق.هذه هي الملامح الأساسية لخلاصة محاكاة حول سوريا أجراها معهد «اميركان انتربرايز»، مع «معهد دراسة الحرب»، و«مركز صابان لسياسة الشرق الأوسط» التابع لمؤسسة «بروكينغز» للدراسات.

المحاكاة التي شملت ثلاثة فرق، أميركية، تركية وسعودية، هدفت إلى تفحّص التفاعلات بين الحكومة الأميركية وحليفيها الأساسيين في المنطقة حول تبعات تعمّق «الحرب الأهلية» في سوريا، بين آب 2012 ونيسان 2013، حيث تتوقع المحاكاة أن تتدخل تركيا عسكرياً في سوريا بعد انهيار الدولة واشتعال المواجهة الطائفية في العراق ولبنان.كينيث بولاك من «بروكينغز»، فردريك كاغان من «اميركان انتربرايز»، كيمبرلي كاغان وماريسا سوليفان من «معهد دراسة الحرب»، قاموا بإعداد تقرير يستخلص دروس المحاكاة ويحلّل مجرياتها.لكن قبل الدخول في تفاصيل المحاكاة ومجرياتها، من الجدير بالذكر أن الدور القطري في المعادلة السورية، لم يحظ بالأهمية الكافية لإدراجه ضمن موازنة المحاكاة، بما يشير إلى ضآلة الثقل الاستراتيجي للإمارة ضمن المحور الدولي الذي تنتمي إليه عملياً.

ويلفت مراقبو المحاكاة من جهة ثانية، إلى أن تغييب العنصر الروسي في الأخيرة، جاء نتيجة قراءة موقف موسكو على أنه «حياديّ» ولن يصل إلى حدّ المواجهة في حال التدخل العسكري في سوريا. لكن المراكز البحثية الأميركية التي أعدّت المحاكاة، تجاهلت في الوقت نفسه الدور الإيراني، وذلك على الأرجح لأنها ركزت على احتمالات التدخل وتوازناته أكثر مما تدارست السيناريوهات العسكرية والأمنية في مرحلة ما بعد التدخل.

التدخل ليس «إنسانياً»تضمّن سيناريو المحاكاة أولاً، مأساة إنسانية متدهورة في سوريا. وأظهرت ردود فعل الفرق المشاركة أن الحالة الإنسانية وحدها لن تكفي لدفعها نحو التدخل في سوريا، لكن تهديد التبعات الاستراتيجية لتفاقم الأزمة هو الذي يقنعها بذلك: الإرهاب، تدفق اللاجئين، القتال عبر الحدود، المشاكل الاقتصادية، وتشدّد الشعوب المجاورة. كل تلك العناصر، أصبحت راسخة بدرجات متفاوتة في الواقع السوري المحلي والإقليمي.الدرس الثاني المستخلص من «التمرين»، كان دور تركيا المركزي في المعادلة: كلما بدأت الفرق في النظر في خياراتها، وتبعات كل منها والطرق المثلى لتطبيقها، كان واضحاً أن المصلحة التركية تتخذ موقعاً أولوياً، لأن أياً من الخيارات لا يمكن تطبيقه من دون الانخراط التركي. وبدا في المقابل، أن أميركا تتفوّق كما هو متوقع، على السعودية، في ميزان فرض الرؤية والمصالح.فقد أبدى الفريق السعودي مثلاً، اهتماماً بالمعارك على سكك نقل السلاح إلى سوريا عبر لبنان، التي وصفها السيناريو بأنها تتصاعد، وبالوضع اللبناني بشكل عام. لكن السعوديين وجدوا أنفسهم عاجزين عن تكريس هذا الاهتمام عملياً، من دون دعم الفريق الأميركي. كما حاول السعوديون اقتراح الأردن بديلاً عن الدور التركي، لكن الفريق الأميركي لم يبد اهتماماً بهذا الخيار.


وعندما تجاوزت مجريات المحاكاة الانتخابات الرئاسية الأميركية، ودخلت في مطلع العام 2013، تصاعد تركيز الفريق الأميركي على حسم الصراع في سوريا. لكن أميركا، لا تريد تحمل كل التكاليف المالية، السياسية، الدبلوماسية والعسكرية لالتزام عسكري أميركي ضخم. ولذلك تصاعد تركيزها على إقناع الأتراك بالتدخل بدلاً منها.تباين الأجنداتتركيا تريد تأمين دعم من حلف «الناتو» لأي تحرك عسكري لها في سوريا، وفي الوقت نفسه أن تتمكن من التحكم بالعمليات العسكرية، خوفاً من ذهاب الأميركيين أو الاوروبيين أبعد مما تستطيع تركيا تحمل تكاليفه.في المقابل، أميركا تريد العكس: تقليص دورها ودور «الناتو» والإصرار على التحكم بالعمليات العسكرية، خوفاً من ذهاب تركيا بعيداً عن الاهداف الأميركية. أما السعودية، فـ «خيبة أملها كبيرة» في الجمود الناتج عن هذا التضارب، الذي أسفر عن «تفويت فرص عديدة» للاتفاق على التدخل العسكري، مع العلم بالاستعداد السعودي المتواصل للتمويل.كما أن الخلاف يمتدّ إلى مرحلة «ما بعد إطاحة النظام».


تركيا لا تريد تحمل تكاليف «ما بعد الحرب» وحدها، فيما لا تريد أميركا الاضطلاع بأي إعادة لتجربتي العراق وافغانستان.ومن جانب سياسي، تصرّف الفريق الأميركي على أساس دعم أي مجموعة تبدو على أنها الأكثر قدرة على تشكيل حكومة بإمكانها إعادة الاستقرار، بصرف النظر عن «المصالح» الأميركية الاخرى، كالديموقراطية وحقوق الإنسان. وبطبيعة الحال، افترض الفريق الاميركي أن «الإخوان المسلمين، وعبر المجلس الوطني السوري، سيسيطرون على الغالبية السنّية»، وبذلك فهم المرشح الأبرز لتلقي الدعم الأميركي.


أما الفريق الذي يجسّد الرؤية السعودية، فقد خلص بوضوح إلى أن المملكة مستعدة لتقبل مستويات عالية من عدم الاستقرار، وغير مهتمة بطبيعة الحكم الذي يأتي طالما يكون سنيّاً. لكن الفريق أقرّ بأن العنصر الأساسي في تفكيره، واستعداده لقبول أي سيناريو مستقبلي سوري، نابع من قدرة السعودية المحدودة على التأثير في التطورات السورية.التبعاتوصلت المحاكاة إلى سيناريو كارثي: الدولة السورية انهارت، العراق عاد إلى مستويات العنف والحرب الأهلية التي شهدها في العام 2006، ولبنان توجّه نحو حرب أهلية جديدة.الفرق الثلاثة، تفاعلت بشكل متباين تماماً مع هذا السيناريو. السعودية، فضّلت الفوضى العراقية على الوضع الحالي، لأنها ترى مصالحها الإقليمية متلخصة بالمواجهة مع ايران، وبالتالي أي إضعاف للنفوذ الايراني يصبّ لمصلحتها.تركيا، خلصت إلى أن مصالحها في العراق تقتصر على الأحداث في إقليم كردستان الذي تمكّنت من تحويله إلى حاجز حماية لها من الأوضاع داخل العراق.

وتجدر الإشارة إلى أن سيناريو المحاكاة تضمن استغلال الأكراد العراقيين للاوضاع وإعلان استقلال إقليمهم، ما لم يحسم الفريق التركي موقفه منه. وبالتالي، فإن الفريق التركي اعتبر أن الأوضاع في سوريا تتغلب في اولويتها على تبعات الفوضى العراقية.أما الفريق الأميركي، فلم يبد اهتماماً حقيقياً بالتطورات لا في العراق ولا في لبنان، بما يعكس الوضع الأميركي السياسي الحالي، الذي ليس مستعداً للتدخل عسكرياً في أي بلد عاشت فيه تجربة سيئة سابقاً.المحصّلةانتهت المحاكاة عند شهر نيسان 2013، بانهيار الدولة السورية وإعداد تركيا لتدخل عسكري زاحف لا يخولها من السيطرة تماماً على الأوضاع في سوريا، فيما العراق ولبنان غارقان في التفتيت الطائفي.السعودية تعتبر ذلك «نجاحاً»، تركيا قلقة جداً من تطور الأوضاع، لكنها لا تملك أي خيار أفضل.

أما الفريق الأميركي فكان سعيداً بتحقيق أهدافه في سوريا، متجاهلاً انعكاسات ذلك على باقي مصالحه الإقليمية والدولية. ما اعتبره المراقبون، إشارة إلى نزعة أميركا نحو رؤية مصالحها بشكل مقسّم وغير مندمج. حمل ذلك المراقبين إلى اعتبار أن المصالح الأميركية أصبحت مهددة في نهاية المحاكاة أكثر مما كانت عليه في بدايتها، بعكس السعودية، التي حققت مكاسب في هذا السيناريو، منها على حساب المصلحة الأميركية.

اخبار لبنان- مازن السيّد

2012-08-11