الخميس 23/10/1445 هـ الموافق 02/05/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
حوار " الوسط اليوم" الاخير مع الكاتب والمُحلّل السّياسيّ الفلسطينيّ تميم منصور

حوار خاصّ كنت اجريته مع الكاتب والمحلل السياسي الاستاذ تميم منصور رحمة الله عليه الذي انتقل الى رحمة الله يوم الجمعة الماضي نعيد في الوسط اليوم نشره

  جميل حامد

 " الوسط اليوم " وبغيرته الوطنيّة والثّقافيّة، ما زال وبهمّة عالية يعمل في الشّقيْن دون كلل، ويدأب أن يكون فاعلًا ومساهمًا في الحراك الإعلاميّ والثّقافيّ على حدّ سواء، من أجل رفع كفّة الميزان الإيجابيّة، رغم كلّ الظروف والأجواء القاسية، خاصّة في فترة الكورونا، وهذا  التّخبّط والارتطام الّذي يعاني منه الوطن بشكل خاصّ والعالم أجمع بشكل عامّ. لقد ألقت الكورونا بظلالها وبخيوطها المتشابكة اللّامرئية على الإنسان، فأربكته، واحتلّته، واستباحته نفسيًّا ومادّيًّا وصحّيًّا، ورقد البشر تحت رحمتها  منزوع الثّقة مسلوب الإرادة، في كلّ المجالات الحياتيّة الأخرى، لا حول له ولا قوّة.  ولأنّ الحوار مرآة النفس والإنسان والمجتمع، جعلناه مشروعنا القادم، وعلى قدم وساق سنتناول شرائح متعدّدة الهويّات والبلاد في مرايا ملوّنة، محدّبة ومقعّرة  تعكس الواقع والحياة، وحوارنا لهذا الأسبوع مع الكاتب والمُحلّل السّياسيّ الفلسطينيّ الأستاذ تميم منصور. 

*س1:  عام صعب على الإنسانيّة في كافّة بقاع الأرض، كيف تصف لنا تجربتكم مع الجائحة في الطيرة - المثلث خصوصًا، وفي الأراضي المحتلة عام 48 عمومًا، وما هي الآثار الّتي ترتّبت عن هذه الجائحة على المستوييْن الاجتماعيّ والاقتصاديّ؟

*ج1: منصور:- في البداية لم يصدّق غالبيّة المواطنين وجود وباء اسمه " كورونا "، بسبب حالة التّشكيك الّتي رافقت ظهور هذا الوباء ، لذلك ساد الإهمال والاستخفاف من قِبل الكثير من المواطنين، رغم الإجراءات الوقائيّة الّتي اتّخذتها وزارة الصّحّة، ومن بين مظاهر الاستخفاف والإهمال رفض المواطنون استعمال الكمّامات للوقاية، ولولا إصدار قانون دفع الغرامات لما استخدموها.

ازداد الشّعور بتأثير الجائحة أكثر، بعد إصابة العشرات، وموت ما يزيد عن عشرين مواطنًا من الطيرة، كما ازدادت صدمة المواطنين بعد أن كان القرار إغلاق المتاجر والمدارس، وتوقّف مئات العمال والموظفين عن العمل، كما تمّ إغلاق قاعات الأفراح والمطاعم وجميع المؤسّسات المختلفة، مع ذلك لم يستسلم كلّ المواطنين لتأثير هذه الجائحة، فأصرّوا على إقامة حفلات الزّفاف غير المحدّد، ممّا حوّل مدينة الطيرة إلى مدينة حمراء بسبب إصابة المئات.

أمّا بالنّسبة لتأثير هذه الجائحة اجتماعيًّا واقتصاديًّا، فالتّأثير واضح، من النّاحية الاجتماعيّة اضطرّ النّاس للاعتكاف في بيوتهم، وقلّ الاختلاط، وانعدمت الزّيارات الخاصّة،  كما حصل تراجع واضح في إحياء المناسبات الاجتماعيّة، وباءلنّسبة للحالة الاقتصاديّة، فقد حدث تراجع كبير في الوضع الاقتصاديّ في معدّل الدّخل نتيجة البطالة،-وارتفعت نسبة البطالة  بسبب إغلاق المحلّات التّجاريّة.

*س2: تعدّدت التّحليلات ما بين مصدّق ومؤمن بوجود الوباء من عدمه، وما بين غير مكترث وغير مؤمن. أنت كمُحلّل ومراقب للأوضاع، كيف تقيّم المشهد داخل 48 ؟

*ج2: كما ذكرت في البداية، دخل النّاس في متاهة، لأنّ وسائل الإعلام تقاعست عن الاهتمام بهذا الوباء ، فهناك من ادّعى أنّه  انفلوانزا عاديّة، لا أهمّيّة لهة ولا تشكّل خطرًا، كما أنّ المجنون الرّئيس الأمريكيّ  "ترامب"  كان من أوّل المتشكّكين بوجود وخطورة هذا الوباء ، وقد وصل الأمر بالرّئيس التّركيّ أردوغان قوله، هذا الوباء لا يؤثر في الشّعب التّركيّ، فترك كلّ شيء على حاله، حتّى انتشر الوباء وأدّى إلى وفاة الآلاف في كلّ بلد وبلد.

كان عرب الدّاخل الفلسطينيّ من بين الّذين لم يؤمنوا بخطورة هذا الوباء، بسبب عدم توفير المعلومات الكافية، كما أنّ الصّحف المحليّة والفضائيّات لم تتحدّث بوضوح عن خطورته كما يجب، خاصّة الأطبّاء كان  معظمهم  يجهلون طبيعته وحدود قوّة تأثيره، والغريب أنّه رغم الأضرار الّتي سبّبها هذا الوباء، هناك من لا يصدّق حتّى الآن.

*س3: تغيّر العالم على أثر الجائحة، وتغيّرت أمريكا بفوز الحزب الدّيمقراطيّ وانزياح ترامب عن الحكم، كيف تنظرون إلى الحالتين الفلسطينيّة والعربيّة في خضم هذه المتغيّر؟

*ج3: حسب رأيي لا يمكن المقارنة بين فوز الحزب الدّيمقراطيّ في أمريكا وبين انتشار هذا الوباء في العالم، وانتصار الحزب المذكور سببه تصرّف "ترامب" المجنون في القضايا الدّوليّة، ومشاكله الدّاخليّة، واستخفافه بانتشار الجائحة. 

أمّا بالنّسبة لسقوط ترامب، وتأثيره على العرب عامّة والفلسطينيّين خاصّة، أعتقد أنّ الرّئيس الجديد بايدن أكثر عقلانيّة من هذا المعتوه، فمن تصريحاته بعد النّجاح، هناك مؤشّر بأنّه سوف يوقف التّوتّر مع الصّين الّذي سببه ترامب، وأنّه سوف يعيد النّظر في الخلافات مع روسيا، خاصّة حول سوريا وحول قضيّة التّسلّح وغيرها، والأهمّ من كلّ هذا، أنّ بايدن صرّح بأنّه سوف يجدّد الاتّفاق النّوويّ مع إيران، إذا تمّ هذا، فإنّه سوف يخفّف من حالة التّوتّر في الشّرق الأوسط، أمّا بالنّسبة للقضيّة الفلسطينيّة فإنّني غير متفائل،  فبايدن لم يغيّر سياسة أمريكا الحاليّة مع إسرائيل، ولم يُعِد السّفارة إلى تل أبيب، وربّما يعيد النّظر في مسألة إحياء إقامة دولة فلسطينيّة إلى جانب إسرائيل، لكن بصورة ضبابيّة غير واضحة، سوف تستمرّ أمريكا بمدّ إسرائيل بالسّلاح والدّعم الاقتصاديّ، لأنّه لا يوجد أي عربيّ يقول لا، لقد سقطت كل أوراق العرب، وبايدن سوف يدعم مشاريع باقي الدّول العربيّة  مع إسرائيل، ولن يتراجع عن توطيد العلاقات أكثر وأكثر مع دول النفط العربيّة واستغلّالها، ولن يحدث تغيير جوهريّ في سياسة أمريكا في الشّرق الأوسط.

*س4: ما يقرب العام من الحجر الصّحّيّ المنزلي، كيف تقيّم أداء المثقّفين الفلسطينيّين في الدّاخل المحتلّ، سواء على الوعي الجماهيريّ، أو على صعيد عدم الغياب عن المشهد الثّقافيّ، خاصّة وأنّ كافّة المؤسّسات والهيئات أغلقت بفعل الحجر ؟

*ج4: ناقشنا هذا الموضوع مع عدد من الأدباء والكتاب في الدّاخل الفلسطينيّ، والواضح أنّ أوّل مردود لهذا الإغلاق والانكفاء في البيوت، هو زيادة استعمال الفيس بوك، كما أنّ الكثير من بين الّذين كانوا يرفضون فتح صفحات الفيس أعادوا النّظر في موقفهم، وانضمّوا إلى هذا النّوع من التّواصل الاجتماعيّ. أيضًا ازداد استخدام صفحات الفيس بسبب الفراغ الّذي يعاني منه الكثيرون، خاصّة الكبار في السّنّ، لكن في ذات الوقت حدث تدنّي في المستوى الأدبي والثّقافيّ خلال هذه الفترة، فالنّشاطات الثّقافيّة شبه معدومة،  تمشّيًا مع مطالب وزارة الصّحّة، فلا يوجد أيّ نشاط ثقافيّ جماعيّ، بسبب الخشية من الاكتظاظ، وبسبب رفض وزارة الصّحّة لأيّ اجتماع.

ربّما هناك ظاهرة أفرزتها حالة الانكفاء في البيوت، وهي ظاهرة كثرة المطالعة والقراءة، وأنا أتحدّث عن نفسي، لقد قرأت عشرات الكتب خلال فترة العزلة الاضطراريّة المفروضة، ونشير أيضًا إلى قلة إصدارات الكتب، بسبب تردّي الحالة الاقتصاديّة، كما أشير إلى اختفاء معارض الكتب.

*س5: في ضوء سيطرة اليمين الإسرائيليّ على المشهد الإسرائيليّ قولًا وفعلًا، كيف تنظرون لمستقبل العلاقة بين طرفي الصّراع الفلسطينيّ الإسرائيليّ، في ظلّ المعطيات على الأرض وفي العالم ؟

*ج5: نعم سيطرة اليمين الإسرائيليّ الفاشي على السّلطة بقيادة حزب الليكود وغيره، ضاعف من ممارسات الاحتلال القمعيّة ضدّ أهلنا في المناطق المحتلة، كما أنّه ضاعف من توسيع الاستيطان واغتصاب الأراضي من أصحابها الشّرعيّين، والمؤسف، أنّ هذا اليمين استغلّ حالة الانهيار العربيّ، واستغلّ وجود سلطة في رام الله ضعيفة، تفتقد لأيّ مشروع قوميّ وطنيّ للتحرير، سلطة حالمة بحلول مع عدو غاصب لا يفكّر بالسّلام، ولا يريد السّلام. إسرائيل استغلّت وجود أنظمة عربيّة ضعيفة، تدور في فلك واشنطن لحمايتها، فاستغلّت هذه الحالة لصالحها، كما أنّ الانقسام الفلسطينيّ بين فتح وحماس أيضًا ضاعف من تردّي أحوال الفلسطينيّين، وشجّع أعداء الشّعب الفلسطينيّ على التّطاول على قضاياه المصيريّة.

لقد خسر الفلسطينيّون كلّ عوامل الضّغط على إسرائيل، فالتّطبيع معها من قبل الفلسطينيّين من تنسيق أمنيّ، ومن تعاون اقتصاديّ، ومن القوى الفلسطينيّة العاملة داخل إسرائيل، جميع هذه وغيرها ما هي إلّا دعمًا للاحتلال، أو بمعنى آخر احتلال بالوكالة، ومن وجهة نظري، هذا كان أحد العوامل الّتي شجّعت دولًا عربيّة ضعيفة مستبدّة، حكوماتها لا تمثّل شعوبها، شجّعها على التّطبيع مع حكومة الاحتلال، وهذه كارثة من الكوارث الّتي ألحقت الضّرر في حاضر ومستقبل الصّراع. 

*س6: التّطبيع العربيّ الإسرائيليّ أصبح حقيقة فرضت واقعها على العلن، وخرجت من الغرف المظلمة إلى فضاء مفتوح، ما هي رؤيتكم لمستقبل القضيّة الفلسطينيّة، في ظلّ الهرولة العربيّة نحو الكيان العبري؟ وبماذا تنصحون الفلسطينيّين لمنع الذوبان في المحلول الإسرائيليّ فلسطينيًّا وعربيًّا ؟

منصور:- كل أنواع وأشكال التّطبيع لا توفّر الأمن والأمان لأي مواطن إسرائيليّ، لأنّ السّلام الحقيقيّ فقط مع الشّعب الفلسطينيّ، الجواب الصّحيح والرّدّ على هذه الهرولة والانهيار العربيّ، هو لحمة قوى الشّعب الفلسطينيّ، والرّدّ الحقيقيّ هو بمقاومة الاحتلال بشتّى أنواع الوسائل. إن ضعف القيادة الفلسطينيّة جعل هذا الاحتلال شبه دائم ومريح للغاية، فيجب خلق قيادة جديدة في الضّفّة، قيادة شعبيّة، قيادة تُنفّذ عصيانًا مدنيًّا، وثورة شعبيّة، وانتفاضة غير محدّدة الزّمن، فأيّ تطبيع لا يوفّر ولا يمنع صواريخ المقاومة من الوصول إلى القدس وتل أبيب وحيفا.

 

2021-09-26