السبت 18/10/1445 هـ الموافق 27/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
معركة اليقين والانتصار أو الدمار....عدنان الصباح

 

 

 يحكى ان عبد الكريم قاسم اول رئيس جمهورية عراقي قال ذات يوم ان كل من يقول ان لديه خطة لتحرير فلسطين فهو كاذب حتى عبد الكريم قاسم " يقصد نفسه " وأيا كانت مصداقية هذا القول وحقيقته فهو ينتمي الى حكايات المنطق الذي يتطابق مع مجريات الاحداث عبر عقود من الزمن وبالتالي فهو صحيح حتى لو لم يصدر حقا عن عبد الكريم قاسم نهائيا فان أحدا من المسلمين او العرب او الفلسطينيين غير معني بتحرير فلسطين بل انني اعتقد جازما انهم لا يريدون لذلك ان يحدث حتى ولو من تلقاء نفسه.

عديدة هي الجبهات التي يمكن فتحها ضد دولة الاحتلال وقد سعينا ببطولة منقطعة النظير الى التخلص من كل هذه الجبهات واستطعنا ان ننتزع اعترافا إسلاميا وعربيا بفلسطنة القضية الفلسطينية والتي كانت بداية الطريق للإجهاز عليها كليا وعلى يد أهلها.

في خطاب الراحل الملك الحسين بن طلال في تقديم مشروعه حول المملكة المتحدة قال بوضوح " ان الدعوات المشبوهة لفلسطنة القضية الفلسطينية هي مقدمة لشطبها " وكم كان رحمه الله محقا كل الحق فيما ذهب اليه فبعد ان انتهينا من حكاية الفلسطنة الجريمة هذه وصلنا حد تجزيء الفلسطنة وحد الاحتراب والاتهام والتخوين والتكفير للكل من الكل دون وازع من ضمير او امعان فكر حتى في واقع الحال.

تدور اليوم على ارض الضفة الغربية والقدس والأراضي المحتلة عام 1948م معركة أستطيع تسميتها بكل ثقة بانها معركة اليقين ضد اللايقين فكل مواجهة يحتاج أصحابها للإجابة على ستة أسئلة عن كيف سيتصرف العدو في الجبهة المقابلة وهي:

  1. لماذا سيقوم الطرف الاخر بالهجوم وما هي دوافعه لذلك
  2. متى سيقوم الطرف الاخر بالهجوم وبالتالي يجب معرفة التاريخ واليوم والساعة
  3. من سيقوم بالهجوم بمعنى تحديد الشخص او الجهة او الموقع
  4. ماذا سيحدث اثناء الهجوم وهذا يعني معرفة مجريات الحدث وآليات تنفيذه
  5. اين سيقع الهجوم بمعنى تحديد المكان لعل العدو يستطيع اخذ الحيطة الممكنة
  6. كيف سيكون هذا الهجوم وهذا سيذهب الى عديد الأسئلة الأخرى عن الطريقة وهل هي معروفة او مبتكرة لم يسبق تجريبها.

وإذا اردت ان تبحث عن أسئلة أخرى فقد تجد العديد غير الأسئلة الستة الا ان علينا ان نكتفي بهذا القدر من الأسئلة فلو ارادت دولة الاحتلال ان تجد الإجابات على هذه الأسئلة التي تجري عند العرب والمسلمين لتمكنت من ذلك وهي قد فعلت في العام 1967م ونجحت في ذلك واستطاعت ان تتلقى ضربة 1973م وتنتصر عليها وتحويلها من هزيمة الى انجاز بهذا الشكل او ذاك.

نحن اذن امام جبهتين هنا هما الجبهة التي تملك الإجابة على الأسئلة الستة وهي جبهة المقاومة التي تعرف وترى الأرض التي ستضع عليها اقدامها ولأي غرض بمعنى انها تعيش في الضوء الذاتي وهي بالتالي جبهة اليقين والجبهة التي لا تعرف الا الإجابة على سؤال واحد وهو لماذا ستقع عمليات مقاومة حتما والسبب وجود الاحتلال نفسه وهي جبهة هذا الاحتلال التي لا تعرف أي إجابة للأسئلة الخمسة سوى بالتخمين والانتظار والبحث في العتمة والعيش والعمل على قاعدة الاحتمالات وهي مفتوحة وبلا حدود وهي بالتالي جبهة اللا يقين.

اليوم تستطيع دولة الاحتلال ان تفعل ما تشاء خارج حدود فلسطين المحتلة بما في ذلك ضد قطاع غزة المحرر من المحتلين فهي هناك:

  • تملك القدرة على صناعة بنك للأهداف
  • تملك القدرة على الإجابة على العديد العديد من الأسئلة بل وصناعة اسئلتها هي بالذات وتحويل الطرف الآخر الى باحث عن الإجابة
  • إذا وجدت المبرر مهما كان ضعيفا فهي تستطيع الفتك بكل اشكال القوة والتدمير دون ان تلقى أي لوم من مجتمع دولي منحاز كليا لها وحماية أمريكية مطلقة.
  • هي معنية بحرب مفتوحة خارج حدودها لان اللعب في ملعب الآخر في الحرب عادة يعتبر نصرا للمعتدي وليس العكس.
  • هي اتقنت ذلك وجربته طويلا وفي حروب عديدة تعلمت منها الكثير
  • هي تملك طابور خامس قذر يمكن ان يساعدها بتنفيذ أهدافها وما الاحداث التي بدأت تطل برأسها في لبنان منذ حادثة المرفأ الا دليل على ذلك

بناء عليه فان دولة الاحتلال التي تدرك ان غزة ولبنان هما الجهتان اللتان تقفان خلف المقاومة في ارض فلسطين المحتلة جميعها ولذا تسعى جاهدة لتحقيق عديد الأهداف

  • تدمير او اضعاف او اسكات المقاومة وقدرتها على الدعم للداخل الفلسطيني المحتل " كل فلسطين بدون غزة "
  • تحييد هاتان الجبهتان عبر اثارة الفتن الداخلية بهذا الشكل او ذاك
  • دفع هاتان الجبهتان لإطلاق شرارة الحرب من قبلهما لتسهيل مهمتها خصوصا وأنها ستستفيد من صمت العالم على احداث ومجريات الحرب بين روسيا وأوكرانيا فمن يؤيدون أوكرانيا سيؤيدون إسرائيل كليا ومن يؤيدون روسيا سيكون موقفهم ضعيفا امام الراي العام العالمي إذا اعترضوا على الاستخدام المفرض للقوة من قبل إسرائيل وايدوه من قبل روسيا.
  • لذلك تحرص دولة الاحتلال بإعلامها وتصريحات مسئوليها وحتى مراكز الدراسات لتقديم الاثبات تلو الاثبات عن ضعف قدرات إسرائيل العسكرية وعن حجم تأثير الصراعات الداخلية على دولة وهي بذلك تمنح المقاومة في لبنان وغزة فرصة الاعتقاد ان الفرصة الذهبية قد حانت لقطف الثمار.
  • وصل الامر بدولة الاحتلال وعلى كل الأصعدة الى نشر سيناريوهات محتملة لأداء المقاومة وتحديدا من قبل حزب الله وكأن هناك من يضع الخطة مجانية بيد حزب الله عامدا متعمدا.
  • يتواصل الحديث عن تعاظم قدرات حزب الله وحماس والجهاد القتالية والامكانيات التي يملكونها والقدرات التدميرية التي ستتعرض لها دولة الاحتلال بل ويجري الحديث عن قدرة المقاومة مجتمعة ان تشل كل قدرات دولة الاحتلال.
  • يجري الترويج لإمكانية تدخل الجبهة السورية وإيران والعراق واليمن في معركة أسمتها دولة الاحتلال بمعركة يوم القيامة ويجري الترويج لإمكانية حدوث ذلك غدا.

الهدف الحقيقي الذي تسعى له دولة الاحتلال هو اسكات المقاومة في فلسطين المحتلة ومنع قيام عمليات فدائية وتجفيف المنابع لها تمهيدا لإنجاز التهويد وحصر الفلسطينيين في معازل متقطعة يستحيل التواصل بينها وإلغاء أي رابط وطني فيما بينها وفي سبيل ذلك فان الخيارات التي تعمل عليها دولة الاحتلال ومنها:

  • حرب تدميرية ضد لبنان وغزة تعيد الجهتين عشرات السنين الى الوراء وتوقف أي نشاط في فلسطين المحتلة بتجفيف المنابع
  • التوصل لاتفاقيات مع الطرفين عبر التوافق مع إيران وبالتالي أيضا تجفيف هذه المنابع
  • اثارة الصراعات الداخلية بهذا الشكل او ذاك في لبنان وغزة وتطوير حالة التعارض بين السلطة والمقاومة في الضفة الغربية حد الاشتباك.
  • تطوير الصراعات في الضفة الغربية حد الاقتتال وتنفيذ الاقتسام للأرض وصناعة المعازل المرجوة بأيدي فلسطينية وهي أيضا تتحدث عن ذلك علنا وبأشكال مختلفة تحت ستار حكاية مرحلة ما بعد عباس وفي عديد المناسبات يجري تداول هذا الامر علنا وبتقديم تصورات وسيناريوهات وأسماء اشخاص ممن تقدمهم إسرائيل على انهم سيكون صانعي تلك الحقبة.

المقاومة الشعبية والمسلحة وغير المتموضعة والتي لا تعتمد على عناوين مكانية محددة وبدون تضخيم للقدرات وبالاعتماد على ابسط الأدوات والوسائل وبتكثيف متنامي لأعمال المقاومة وانتشارها عبر كل ارض فلسطين بالاعتماد على عدم قدرة العدو على تحديد أهدافه ولا حتى القدرة على الوصول اليها او القدرة على انتظارها بشكل ناجح في المكان والزمان هي الجبهة الوحيدة القادرة على تحويل الاحتلال للأرض الفلسطينية مكلفا بما لا يطاق حد إلزام دولة الاحتلال بالجلوس الى طاولة حقيقية للمفاوضات للبحث عن مخرج لازمتها وليس العكس.

وحدها المقاومة بكل اشكالها وفي الأرض المحتلة ومنها فقط هي من ستجبر دولة الاحتلال على القدوم الى طاولة المفاوضات والاعتراف بالسلطة وصولا الى الاعتراف بالاستقلال او القبول التام بدولة ثنائية القومية على ارض فلسطين التاريخية.

ابدا لا تريد دولة الاحتلال رئيسا فلسطينيا آخر بعد رحيل الرئيس محمود عباس وهي ستعتبر يوم رحيله هو اليوم الأخير لوجود سلطة واحدة ورئيس واحد واليوم الأول لتأسيس سلطات ورؤساء لمعازل لا أحد منها يحمل اسم فلسطين ولا باي حال من الأحوال.

2023-08-19