الأحد 19/10/1445 هـ الموافق 28/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
تقرير خاص : إحياء الثقافة الفلسطينية في التشيلي

تقرير : بوغابة مريم

 على الرغم من المسافات البعيدة إلى أن الجالية الفلسطينية في دولة التشيلي لاتزال تحافظ على الهوية الفلسطينية 

تعتبر الجالية الفلسطينية في دولة التشيلي من أكبر الجاليات العربية في الخارج، وما حققه أبناء الجالية هناك من إنجازات ونفوذ، جعلهم يتميزون عن الباقي ونتيجة لهذا التواجد والانتشار، أصبح شائعاً في تلك البلاد المثل القائل:“ أينما ذهبت في تشيلي، ستجد راهباً وصياداً وفلسطينياً”، يردده التشيليون باستمرار، وكذلك الفلسطينيون الذين يفتخرون بأنفسهم وإنجازاتهم في تلك الدولة الواقعة أقصى جنوب القارة اللاتينية.

بداية الرحيل

بدأت الهجرة الفلسطينية إلى دولة التشيلي في أواخر القرن الثامن عشر، وكان معظمهم من بيت لحم، وبيت جالا، وبيت ساحور، ومن بعض المناطق الأخرى، وتعود الأسباب الحقيقية للهجرة الفلسطينية إلى الوضع الاقتصادي المتدهور خلال الحرب العالمية الأولى أدى إلى تسريع عدد المغادرين إلى تشيلي بالإضافة إلى الطرد القسري والتهجير للفلسطينيين والاستيلاء على الأحياء والمدن العربية من طرف الاحتلال الإسرائيلي.

اندماج الفلسطينيين في المجتمع التشيلي

كان للمناخ الذي تتمتع به دولة التشيلي والذي يشبه إلى حد كبير مناخ أرض فلسطين، وكذلك للمعاملة الحسنة التي لقيها المهاجر الفلسطيني من جهة أبناء الشعب والسلطات، أثر كبير في هذا الاندماج السريع للجالية الفلسطينية في المجتمع التشيلي

بل وأصبحت أحد مكوناته الرئيسية، وصاحبة نفوذ اقتصادي وتأثير سياسي كبير؛ فالفلسطينيون في تشيلي هم من طبقة الأغنياء ويتبوأ كثير منهم مناصب عليا في الدولة

الهوية الفلسطينية

الاندماج في الحياة التشيلية لم يُفقد الفلسطينيين هويتهم وانتماءهم لأرضهم الأصلية، فورق العنب، وكذلك الحمص والباذنجان المحشي وكل الأكلات التقليدية لا تزال من الأطباق المفضّلة على موائدهم، حيث تختلط رائحتها بصوت الموسيقى العربية الفلسطينية.

تقول الكاتبة والباحثة الفلسطينية لينا مرواني عن الهوية الفلسطينية: "لقد بذلوا قصارى جهدهم لتمريرها دون أن يلاحظها أحد، لقد سردو أصولهم إلى العالم الخارجي

النشاطات الثقافية الفلسطينية في تشيلي

وللحفاظ على الهوية والتراث الفلسطينيين، أسس المهاجرون الأوائل نوادي ثقافية واجتماعية، منها نادي بالستينو الاجتماعي، يجتمع فيه أبناء الجالية أسبوعياً، يناقشون قضاياهم في تشيلي، ولا تغيب عنهم قضية الوطن الأم.

ويقام سنويا مهرجان للأغنية الفلسطينية ومعرض للرسم والفن التشكيلي الفلسطيني تحت عنوان“ فلسطين كما تراها تشيلي ”ويرفرف في هذه المناسبات علم فلسطين عاليا في تشيلي

ويوجد في تشيلي ثلاث مدارس عربية، ابتدائية، وثانوية كاملة، مديروها، منحدرون من أصل فلسطيني، في المدن الثلاث: كونسبسيون، فينا دل مار، سنتياغو، إذ يتلقى طلابها معلومات عن التاريخ والفلكلور الفلسطيني والعربي. كما توجد أربع كنائس مسيحية عربية وجامع إسلامي.

من هذا نستطيع أن ندرك أن الجذور الفلسطينية العربية في تشيلي تمتد إلى ما يزيد على 115 عاما، وأن أبناء الجالية، يحملون فلسطين وفي قلوبهم، كما يدينون بولائهم إلى وطنهم الجديد تشيلي.

ومع أن معظم الفلسطينيين في تشيلي لا يتكلمون اللغة العربية، إلا أنهم غالباً ما يحتفظون بعلاقة مع الوطن بطرق أخرى مثل الموسيقى والطعام والرقص، سواء في المنزل أو في الأحداث الثقافية التي ينظمونها

وحين الحديث عن الجالية الفلسطينية في تشيلي، لا يمكن بالطبع تجاهل نادي "بالستينو" الرياضي، الذي أسسه أبناء الجالية الفلسطينية عام 1920، وبات اليوم رقمًا صعبًا في الدوري التشيلي لكرة القدم.

ليس ناديا رياضيا فقط، هو رمز للهوية الوطنية الفلسطينية رغم بعد المسافة بين دولة تشيلي وفلسطين التي شرد شعبها قسرا نتيجة الحروب والمجازر والمؤامرات والخذلان التي ألمت بفلسطين على امتداد أكثر من 100 عام، حيث يعيش الفلسطينيون والعرب ذكريات مرارة النكبة هذه الأيام.

ولم يتوقف أبناء الجالية الفلسطينية اليوم عن الترويج بالثقافة الفلسطينية غالى غاية اليوم فقد أطلقت الجالية الفلسطينية في تشيلي، بداية شهر مارس الحالي معرضاً افتراضياً عبر صفحاتها الرسمية على منصات التواصل الاجتماعي، للتعريف بفلسطين وتاريخها.

وقالت مديرة مؤسسة RedPal ومحررة الصفحة الرسمية للجالية الفلسطينية في تشيلي، كارينا بيشارا إن "المعرض يأخذ الزائر في جولة افتراضية باللغة الإسبانية إلى قلب فلسطين ومدنها وتراثها، بالإضافة إلى الفنون المختلفة التي تُظهر التاريخ والفن القديم والمعاصر في الأراضي المحتلة".

وأضافت أن "القائمين على المعرض يسعون لأن يُشكل مرجعاً للزائر، يجعله قادرًا على التعرف على تمثيلات الجغرافيا والأرض والطبيعة في فلسطين".

وأوضحت أن "هذا النشاط يعد إنجازًا عظيمًا للثقافة الفلسطينية وللجالية في تشيلي"، مضيفة: "نحن نحاول أن نظهر للعالم أن هويتنا

فريدة من نوعها، ولن نتوقف عن إبرازها أبدًا، وشبابنا لن ينسوا أبدًا جذورهم الفلسطينية".

 

2022-03-16