الإثنين 20/10/1445 هـ الموافق 29/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
"تأملات فنية: البحث عن العمق والمعنى في أعمال الفنانة اللبنانية هناء عبد الخالق"

حاورها .. الناقد خالد محمود

في عالم الفن التشكيلي، تتجلى القصص الشخصية والتجارب المميزة التي تشكّل مصدر إلهام للكثيرين. ومن بين هؤلاء الفنانين الملهمين تبرز شخصية دكتور هناء عبد الخالق، فنانة تشكيلية لبنانية تحمل في طياتها رحلة مثيرة من التحديات والنجاحات.

من خلال تجربتها الشخصية والفنية، استطاعت دكتور هناء أن تجسّد في أعمالها تفاصيل حياتها وتجاربها بشكل ملموس، فتصبح لوحاتها مرآة تعكس المشاعر والأفكار بشكل فني راقٍ ومتقن.

بداية من معاناة الحرب وصولاً إلى رحلة الاكتشاف الذاتي والتطور الفني، تستطيع دكتور هناء أن تلامس وتحرّك المشاعر والأفكار لدى الجمهور من خلال أعمالها المتنوعة والملهمة.

عبر جهودها المستمرة وإصرارها على تحقيق النجاح رغم التحديات، استطاعت دكتور هناء أن تتخطى كل الصعاب وتصنع مكانة لها في عالم الفن، مؤكدة بذلك أن الإرادة والعزيمة هما المفتاحان لتحقيق الأحلام وتحقيق النجاح.هذا الروح الإبداعية والتفاني في التعبير الفني،  لاستكشاف عالم دكتور هناء عبد الخالق والاستمتاع بجمالية أعمالها وعمق رسالتها الفنية.

من هي دكتور هناء عبد الخالق؟

فنانة تشكيلية لبنانية، باحثة في الجماليات

أكاديمية محاضرة في الجامعة اللبنانية منذ العام 2016 حتى اليوم.

حائزة دكتوراه في الفن وعلوم الفن من المعهد العالي للدكتوراه، الجامعة اللبنانية.

مُتخصصة في فن التجهيز، أصدرت كتابا بعنوان: فن التجهيز: إشكالية العلاقة بين المبدع والمتلقي     صادر عن دار المؤلف/ بيروت2019.

أمين سر جمعية الفنانين اللبنانيين للرسم والنحت.

لديها العديد من الأبحاث والمقالات حول فن التجهيز والفنون المعاصرة.

أقامت ثلاث معارض فردية والعديد من المشاركات في لبنان والخارج.

ما هي قصة بدايتك في عالم الفن التشكيلي؟ وكيف تطورت موهبتك؟

قبل أن أُبحر في مجال الفن التشكيلي كانت رحلتي مليئة بالتجارب والتحديات المختلفة، عشت الحرب الأهلية اللبنانية بجزء من طفولتي ومراهقتي وشكّلت لدي شخصية رافضة للواقع، مع مزيد من الأحلام عبر الروايات وهواية المطالعة. ليأتي بعدها زواجي المبكر وثلاثة أبناء وهبتهم كل الوقت والاهتمام لحين اعتمادهم على أنفسهم.

خلال هذا الوقت مارست أعمالاً حرفية داخل منزلي واكتشفت أن لدي إحساس فطري مع اللون وتدرجاته وبأنه يزيّن حياتي بالبهجة والجمال. لا شك بأن الفن هو وميض من الموهبة الفطرية موجود بداخل كلّ منا، وماعلينا هو اكتشاف هذه الموهبة وتطويرها، وحينما اكتشفت ذلك كان قراري بالعودة إلى الجامعة واستبدال اختصاص كنت بدأته سابقاً ألا وهو علم الاجتماع باختصاص الفنون التشكيلية، لأنني أردت تطوير هذه الموهبة وصقلها علمياً وتطبيقياً.

هل يمكنك أن تشاركينا كيفية توظيفك للمشاعر والأفكار في أعمالك الفنية؟

تعتبر اليوميات أداة قوية للتعبير الفكري والعاطفي في العمل الفني. بشكل عام أنا امرأة أستطيع التعبير عن آرائي وأفكاري بطلاقة، لكن الفن وفّر لي مساحة آمنة لاستكشاف الذات والتأمل.  كما أحاول في الغالب تحويل القلق إلى إبداع، أو الغوص  في داخلي عن أحلام هربت مني خلال فترة الحرب التي عشتها، كإقامة معرض عام 2014 بعنوان "أحلام في زمن هارب"، ومن خلال الفن يمكننا الحصول على فهم أعمق لمشاعرنا وأنماط تفكيرنا.

ما هي أكبر التحديات التي واجهتك في مسيرتك الفنية وكيف تمكنت من تجاوزها؟

كل رحلة سواء فنية أوشخصية تحمل بين طياتها العديد من المعوقات لتصبح تحديات، وُجب عليّ تخطيها سواء في الحياة بشكل عام كذلك في بداية رحلتي الفنية. تحدياتي الشخصية كانت مواجهة العديد من التساؤلات التي كادت أن تثبط من عزيمتي منها الشك في تطوير قدراتي الفنية والاهتمام بأولادي وعائلتي بالمستوى المطلوب لكليهما، وبعد مواجهة هذه المشكله اكتشفت بأن هذا الشك نابع من إصراري على النجاح دون أي فشل وكان يتطلب الكثير من القوة والعزيمة والصبر والإرادة.

أما التحديات المجتمعيه هو عدم ايمان المجتمع بالفن كموهبة واعتقادهم بأن الفن ماهو الا إهدار للوقت، وخاصة أني امرأة متزوجة ولدي مسؤوليات أسرية واجتماعية، ولكن ثقتي بنفسي وبقرار مصيري اتخذته، أضف إليه دعم الأسرة  بمنحي المزيد من الثقة والإيمان بموهبتي جعل اعتقادي التام بأن الفن يستحق مني كل هذا الجهد.

ما هو دور الشغف والإصرار في نجاحك في مجال الفن التشكيلي؟

الشغف والإصرار هما شعاري في الحياة بشكل عام والفن بشكل خاص. الشغف قوة تدفعني على تجاوز العقبات من أجل تحقيق أحلامي وتمنح حياتي معنى أعمق وأغنى. وهذا بطبيعة الحال يحتاج إلى إصرار وجهد استثنائي ومنها التعلم المستمر من أجل اكتساب مهارات جديدة وأن تكون منفتحاَ على جميع خطوط المعرفة والإبداع.

هل تعتبرين أن الفن يمكن أن يكون وسيلة للتعبير عن الذات وتوثيق الحياة والعواطف؟ ما هي الرسالة التي تحاولين توصيلها من خلال أعمالك الفنية؟

إن القدرة على التعبير عن الذات من خلال الفن التشكيلي هي وسيلة فريدة وهبة قيّمة تسمح للفنان بالتواصل مع الناس بطريقة مميزة. الفن التشكيلي وسيلة مهمة للتعبير عن ما يختلج في مكنونات الفنان، وبطبيعة الحال يشير العمل الفني إلى هوية الفنان الثقافية والاجتماعية لأنه يعكس رحلته الشخصية وتجاربه وتحولاته في الحياة،  من خلال لغة بصرية تتجاوز حدود اللغة المحكية وتسمح بالتواصل مع الجمهور بطرق أشمل وأعمق.

ليس لدي رسالة محددة أحاول توصيلها للجمهور، المهم في ما أقدمه من أعمال فنية وما أسعى إليه هو البحث عن أفكار جديدة غير مطروحة أو مكررة، وأن تتميز أعمالي بالعمق الفلسفي الجمالي، مثالا على ذلك معرضي الأخير المستوحى من المرآة المحدبة بعنوان "رؤى محدبة".

لذلك يجب على الفنان أن يجعل العين تقرأ كل ما تقع عليه ليكون لديه مخزون، ومن خلاله يستطيع جذب المتلقي ليتفاعل ويتعايش أو يتعمق في تجربته، وهذا هو الهدف برأيي.

كيف يمكن للفن أن يلعب دورًا في تغيير المجتمع؟

هناك علاقة جدلية وسؤال مهم هل التغيرات الاجتماعية هي التي تقود الفن أم الفن هو من يقود التغيير الاجتماعي؟ برأيي إن التغيير الجوهري الذي يقوم به الفن ليس في خلق حالة تمرد ضد وضع سائد أو أن يعكس مأساة فقط. للفن دور محوري يبدأ بحرية الرأي والفكر والتعبير وصولاً للاهتمام بالجمال بوجه عام وما يتركه في النفس البشريّة ُ باعتباره الغاية من الوجود الإنساني على الأرض منذ الإنسان الأول وحتى الآن.

ما هو التأثير الذي تأملين في تحقيقه من خلال فنك التشكيلي؟

يلعب الفن دورا حيوياً في تشكيل رؤيتي وأفكاري، وهو أيضاً وسيلة للحوار الحسي بيني وبين الجمهور. عندما رسمت لوحتي قوارب الموت نتيجة الهجرة اللاشرعية لم أتأمل أن لوحتي ستغير الواقع وتوقف هذه الهجرة.. بل كانت تعبيراً عن ألم عشته بغرق الأطفال ومعاناة الأهل بموت فلذات أكبادهم ورميهم في البحر بأنفسهم. هذا الألم سيطر على مشاعري وكنت أطرح من خلال عملي الفني سؤالاً: بإمكان الإنسان المغامرة بروحه لكن كيف يستطيع المغامرة بأرواح أطفاله؟

كان الهدف الأول هو التعبير عن نفسي ومشاعري المتخبطة، بالإضافة إلى تسليط الضوء على المعاناة التي يمر بها اللاجئين في أي بلد بالعالم.

كيف يمكن للفن أن يساهم في تعزيز حرية المرأة في المجتمع؟ ما هي أمثلة على أعمال فنية تعبر عن تجارب وقضايا المرأة بشكل فعال؟

تعكس المرأة في الفن معنى الحياة والطبيعة والجمال وهو حضور عميق برمزيته. وهي لم تعد مجرد فكرة ورمز وصورة، أو موضوعاً يتناوله الرجل الفنان كما في العصور السابقة، بل أصبح للمرأة حضور ذاتي مشرق في الفن والإبداع  بل أصبحت فنانة ومسؤولة فاعلة في هذا المجال.

يعود هذا التحوّل لتغير البيئة الاجتماعية والثقافية والنضال النسوي في البدايات، مما جعلها تنهض بنفسها وتقرر أن تصنع دورها كمبدعة خلاقة تبتكر صورتها وخيالها وانفعالاتها وتعبّر عن ذاتها ووجودها بحرية لتكون صاحبة قرار ورأي وفكر وجمال في عالم الفن.

بالنسبة للأمثلة هي عديدة ومتنوعة تستحضرني الآن الفنانة المكسيكية فريدة كاهلو ورحلتها مع معاناة آلامها الجسدية والعاطفية، وآرائها السياسية، وعلاقتها المعقدة مع زوجها دييغو ريفيرا في صورها الذاتية وتجسيدها لأعمال فنية لا زالت خالدة حتى يومنا هذا.. كذلك الفنانة الفلسطينية العالمية منى حاطوم صاحبة الفكر والجرأة في استخدام التقنيات وأعمال التجهيز.

 كيف يمكن للمرأة الفنانة أن تستخدم فنها كوسيلة للتعبير عن قضايا تتعلق بالمرأة؟

لطالما كانت النساء قوة فاعلة في عالم الفن، حيث ابتكرن أعمالًا تعبر عن وجهات نظرهن وخبراتهن وعواطفهن الفريدة. وقد واجهت الفنانات في الماضي العديد من التحديات والحواجز ولكن ثابرنا في مسيرتهن الفنية للمضي قدما والمساواة مع الرجل الفنان.

برأيي اليوم على المرأة الفنانة أن تكون منفتحة أكثر على القضايا الإنسانية وليس فقط قضايا تهم المرأة، هذا المجتمع برمته بحاجة إلى المساندة في قضاياه. بالنسبة لي الفن تعبير عن الحياة بكافة أوجهها وتحدياتها هو وسيلة للتصريح برأي أو إحساس، والأهم بناء رؤية أخرى للعالم. إنه وسيلة للتواصل وخلق مساحة للإنسانية المشتركة، ولربما لو انخرطت جماهير أوسع بالأساليب الفنية العالمية المتنوعة، لتغيرت المجتمعات وشهدنا انفتاحاً وتسامحاً أكثر..

في أعمالك الأخيرة نلحظ رؤية جديدة للمرأة، هل تعتقدين أن الفن يمكن أن يسهم في تغيير الصور النمطية والتحديات التي تواجه المرأة في المجتمع؟

صحيح في أعمالي الأخيرة المرأة حاضرة لتعلن عن نفسها بحرية، تضع حدودها بنفسها وبوعي منها، هي انطباع مقصود عن خبرةٍ ما، بوصفها غاية في ذاتها، بمعنى التخلص من كل طقوس المجتمع التي تكبّل الأنثى وتمنعها من تطوير نفسها وإيجاد عالمها المستقل.. هكذا كانت مسيرتي في الحياة وجزء من نضالي فأنا أتساوى مع الرجل من دون المناداة بحقوق المرأة..

أريد للمرأة في عالمنا العربي أن تحيا حرّة دون قيود، أن تكون مبتهجة مع الحفاظ على أنوثتها ورقتها وأخلاقها.. فهي مخلوق جميل ومعطاء دون حدود..
حوار اجراه الناقد الاعلامي خالد محمود

https://www.facebook.com/KhaledMahmoudcom

2024-04-14