الجمعة 17/10/1445 هـ الموافق 26/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
الولايات المتحدة تنسف حل الدولتين...بقلم د.جودت مناع

أظهرت تصريحات الناطقة باسم الخارجية الأمريكية حول حل الدولتين سياسة مغايرة لعدد من الإدارات الأمريكية السابقة المؤيدة لهذا الخيار.

فإعلان هيدز نويرت أن تأييد الولايات المتحدة لحل الدولتين انحيازا للفلسطينيين يؤكد تخلي إدارة ترمب عن خيار حظي بموافقة معظم دول العالم بما فيها الولايات المتحدة وطرفي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

السياسة الجديدة لإدارة ترمب تتبع أثر سياسة اليمين الإسرائيلي الذي أعلن عن رفضه لحل الدولتين ليس قولا فحسب وإنما باتخاذ خطوات فعلية ديموغرافية تتمثل بتوسيع رقعة الاستيطان من ناحية وإصدار تشريعات وقوانين في الكنيست الإسرائيلي من ناحية أخرى تثبط أي حراك سياسي دولي في هذا الاتجاه.  

لعل تذمر السلطة الفلسطينية التي يقودها عباس من إبطاء الإدارة الأمريكية في إبداء رأيها حول الاستيطان والاستقلال الوطني الفلسطيني يؤكد انحراف الإدارة عن إجماع دولي على حل الدولتين استمر سنوات طويلة مما ينذر بصد الأبواب أمام أي حل سياسي خلال الأربع سنوات القادمة.  

ويعزز هذه الرؤية عدم دراية الإدارة الأمريكية الحالية وقلة خبرتها في شأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والشكوك في قدرة جاريد كوشنير صهر ترمب  التي تزامنت مع إيفاده إلى الشرق الأوسط وهو ما عبرت عنه حنان عشراوي.

موقف الإدارة الأمريكية هذا ينسف كل الجهود السابقة التي بنى عليها عباس موقفه السياسي والأمني من الصراع مع إسرائيل؛ أن لا حل إلا بإقامة دولة فلسطينية إلى جانب "دولة اسرائيل" ولا انتفاضة جديدة في عهده بما في ذلك انخراطه في التنسيق الأمني الذي لم أبقى قوات الأمن الوطني الفلسطيني على الحياد أمام اعتداءات الاسرائيلية واقتحامها لمدن وقرى ومخيمات فلسطين.

كل هذا يجري في ظل وضع العراقيل أمام أي مقاومة للعدو باستثناء تلك التي تقتصر على مواجهات سلمية مع جيش الاحتلال وتجد بعض الأجهزة الأمنية متسعا لها لتبني تلك المواجهات بتواجد من خلال المؤيدين لها.

أمام هذا الواقع السياسي الجديد ينتظر الشعب الفلسطيني تغييرا في سياسة السلطة وضرورة انتقالها من حالة الإعاقة إلى حالة الشعب التي تتسم بالغليان إزاء اعتداءات الكيان الصهيوني اليومية.

ولعل تجربة الشعب الفلسطيني النضالية الأخيرة ومركزها القدس في الدفاع عن الأقصى مثالا على الفصل في حال تموضع الشعب الفلسطيني بمواجة قوة الاحتلال الغاشمة حين انبرى مواطني المدينة للدفاع عن عقيدة الأمة ومعهم ابناء فلسطين عموما وآزرهم الأردن غي ذلك ضمن إمكاناتة المتاحة.

لكن الشعب اصطدم بتحديد عباس سقفا لهبة القدس عندما اشترط عودة التنسيق الأمني بإزالة الحواجز العسكرية والكاميرات المثبتة عند بوابات الأقصى.

وإذا ما تأملنا في هبة القدس وأكنافها مؤخرا، نرى بصيص أمل كالذي عشناه إبان الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987.  

هذا الأمل ينبع من قدرات الشعب العظيمة التي أظهرت شجاعة وصمودا وتحديا لصلف قوة الاحتلال وسياسته الأمنية الكاذبة التي تهدف لتهويد المدينة المقدسة وفرض السيطرة الكاملة على بقية الأراضي الفلسطينية المحتلة.

فما هو المطلوب !  

عودة السلطة الفلسطينية إلى صفوف الشعب والاستفادة من قدراته. أعرف أن أي سلطة في العالم تطالب الشعب للوقوف إلى جانب قرارات حكومتها ومساندة جيشها في حالة الحرب.

لكن حال السلطة الفىسطينية ليس كذلك وإن كان الموقف غير واقعيا.

لا أريد ذكر الانقسام والدعوة لإنهائه لأنه لا فائدة مرتجاة من ذلك، ففريقي غزة ورام الله منشغلان بسياستين مختلفتين ولكي أكون أكثر وضوحا يتبعان أيديولوجيتين مختلفتين ورؤية سياسية لا يمكن أبدا أن تضع حدا لهذا الانقسام الذي يعرض الأمن الوطني الفلسطيني للخطر.

ولعل البديل عن ذلك هو تحرك شعبي فلسطيني موازي لا يلتقي مع الفريقين المتخاصمين – هبة القدس خير مثال- بهدف إعادة اللحمة الاجتماعية والاقتصادية بين الضفة والقطاع. نعلم أن الوحدة الجغرافية يفرضها العدو لكن لا يمنع من التفكير باستراتيجية وطنية تشمل التواصل الاجتماعي والاقتصادي بين الضفة الغربية والوطنيين الفلسطينيين المقيمين في المناطق التي تعترض التواصل الجغرافي بين أجزاء الوطن.

بقي شيى أخير...

يتعين على السلطة الفلسطينية التي تأخذ في جريرتها منظمة التحرير إعادة التفكير في سياستها وأن لا تبني أوهاما على إدارة ترمب بل البحث عن استراجية جديدة تجنب الشعب الفلسطيني من ويلات مرتقبة سيتحمل تداعياتها فريقي رام الله وغزة.

د. جودت مناع

كاتب صحفي ومحاضر في الإعلام

2017-08-25