الخميس 23/10/1445 هـ الموافق 02/05/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
قيادة الطوارئ الوطنية الفلسطينية إلى أين ....عمر مراد

  تفرض تحديات المرحلة الدقيقة والخطيرة التي تمر بها القضية الفلسطينية على الكل الوطني الفلسطيني التوقف بمسؤولية عالية أمام استمرار العدوان الصهيوني ومخططات التصفية والإبادة التي تستهدف الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية جملة وتفصيلاً. بعد العملية البطولية الفدائية النوعية (طوفان الأقصى) في السابع من أكتوبر وما حققته من إنجازات مباشرة وما كان لها من أبعاد ومعاني استراتيجية تكشف هشاشة بنية الكيان الصهيوني وتهدد مستقبل وجوده. شن العدو الصهيوني عدوانه الإجرامي على قطاع غزة معلناً حقيقة أهدافه ومخططاته التصفوية المبيتة؛ اجتثاث المقاومة الفلسطينية واقتلاع الشعب الفلسطيني وتهجيره من أرضه واعتبار الفلسطيني الجيد هو الميت أو المهاجر أو الخانع والخاضع (المستسلم)، وما حربه وأهدافها بالإبادة الجماعية لسكان قطاع غزة وارتكاب آلاف المجازر بحقهم وتدمير كل مقومات حياتهم، ومضاعفة هجماته واقتحاماته لمدن وقرى ومخيمات الضفة الغربية، وممارسته لأبشع أنواع القتل والتنكيل والتدمير، وما يقوم به من استيطان ومصادرة الأراضي ومخطط ضم الأراضي، وما تهديده وقمعه للفلسطينيين في الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1948، إلا إمعاناً بارتكاب أبشع الجرائم والتطهير العرقي. كل ذلك يتم في ظل تعدد المرجعيات الفلسطينية، فهناك القيادة الرسمية المتنفذة والمستحوذة على مؤسسات ومقدرات الشعب الفلسطيني، رغم ما تعانيه من ضعف وانحسار، وهناك مرجعيات يفرضها الميدان، تتمثل بالقوى الوازنة المقاتلة التي تقاوم العدوان الصهيوني وتتصدى له تتصدرها حركة حماس. إن الضرورة الوطنية تفرض الإسراع بتوحيد الأداء السياسي والميداني، الأمر الذي يتطلب تشكيل قيادة طوارئ فلسطينية لقيادة وإدارة المعركة السياسية والميدانية بما يضمن الحماية للشعب الفلسطيني ومقاومته وحقوقه من جهة، وحماية الإنجاز والمعاني الآنية والاستراتيجية لعملية السابع من أكتوبر من جهة ثانية، وتعزيز ما أثبته الفلسطينيون من حالة صمود وثبات ومقاومة. لقد أدركت الجبهة الشعبية أهمية الوحدة في مواجهة كل هذه الأخطار والتحديات وبلورت مباردتها بعد نقاش عميق في هيئاتها القيادية وآثرت طرحها للإعلام أو حتى تداولها داخلياً حرصاً على عرضها أولاً على جميع الفصائل والقوى الفلسطينية ومناقشتها معهم. معلنة انفتاحها على أية أفكار أو آراء يقدمها الآخرون لتعزيز المبادرة بما يخدم متطلبات المرحلة الراهنة. وبهذا الصدد لا بد من الإشارة إلى أبرز المهام الراهنة لقيادة الطوارئ الوطنية وهي: - وقف العدوان وانسحاب القوات الصهيونية من غزة وإنهاء الحصار وحماية المقاومة. - إنجاز عملية تبادل الأسرى (الكل مقابل الكل). - تثبيت صمود شعبنا في أرضه وتوفير كل مقومات الحياة والكرامة (السكن، والإيواء، والغذاء، والدواء، والوقود.. إلخ). - فتح المعابر وخاصة المعبر الفلسطيني- المصري (رفح) بشكل دائم. - تعزيز وحدة شعبنا وقواه الوطنية لحماية القدس والضفة ودعم صمودهم ومقاومتهم في مواجهة أخطار التهويد والضم والاقتلاع. وهذا يتطلب: • انعقاد اجتماع فلسطيني مقرر. • التمسك بالحقوق الوطنية والتاريخية لشعبنا. • رفض تجريم المقاومة الفلسطينية أو أي من فصائلها ووصمها بالإرهاب باعتبارها من روافع حركة التحرر الوطني. • تشكيل قيادة وطنية ميدانية وفرعية لإدارة عملية التصدي لجنود الاحتلال والمستوطنين. • تحشيد الجماهير العربية وكل أحرار العالم وأصدقاء فلسطين لأجل وقف العدوان، وحرب الإبادة. • تحشيد الرأي العام الدولي ضد جرائم كيان الاحتلال، والطعن بشرعيته الأخلاقية والقانونية الدولية، وإدانته وعزله والعمل على إعادة الاعتبار لقرار الأمم المتحدة بأن الصهيونية حركة عنصرية. وفعلاً بدأت الجبهة باللقاءات الثنائية والثلاثية والرباعية والخماسية في بيروت ودمشق، وشملت اللقاءات (الجبهة الشعبية، وحركة حماس، وحركة الجهاد، والقيادة العامة، والديمقراطية، والصاعقة). وكذلك تواصلت مع حركة فتح، وأرسلت مشروع المبادرة إلى قيادتها، وأيضاً تم الاتصال والتواصل مع حزب الشعب، وحركة المبادرة الفلسطينية. رغم تأكيد الفصائل الفلسطينية على أهمية وضرورة ما تقدمت به الجبهة، وموافقة العديد منهم مبدئياً على الورقة إلا أن حركة فتح لم تقدم رأياً أو جواباً على الرسالة. وبعد اجتماع الفصائل الفلسطينية الخمسة في دمشق طرأت بعض التعديلات، وكان أهمها: - الإشارة لضرورة تحرك الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، والدول الحليفة والصديقة في العالم من أجل توفير شروط وقف إطلاق نار مستدام وحماية الحقوق الوطنية الفلسطينية؛ حق العودة وحق تقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس، وهذا ما كفلته الشرعية الدولية. - الالتزام بإعادة الإعمار وتوفير أوسع دعم دولي لذلك بدون تسيس أو استهدافات وغايات سياسية متعلقة بمستقبل قطاع غزة وإدارته. - وضرورة الدعوة لعقد اجتماع للفصائل الفلسطينية له صلاحيات القرار بحضور الأمناء العامين للفصائل للبحث في آلية تنفيذ مخرجات اجتماعات القاهرة 2021 والمتعلقة بالانتخابات؛ مجلس وطني ومجلس تشريعي والرئاسة، وبلورة موقف موحد واستراتيجية وطنية جامعة لمواجهة كل الأخطار والتحديات، وتشكيل قيادة موحدة تضم كافة الفصائل والقوى الفلسطينية، وإعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية وإعادة بنائها لتلبي نتائج معركة طوفان الأقصى. أما حركة حماس فكان جوابها وتفاعلها إيجابياً، وأشارت بأن لديها ما تضيفه إلى هذه الورقة وخاصة النقطة المتعلقة بتشكيل حكومة وطنية من التكنوقراط تتولى مهام إدارة الضفة والقطاع وقضايا الإغاثة والإعمار والإعداد للانتخابات العامة التشريعية والمجلس الوطني والرئاسية، وكذلك أكدت على طرح الاستقلال الوطني ودولة كاملة السيادة وعاصمتها القدس، حسب قرارات الشرعية الدولية. وفي موضوع حكومة التكنوقراط تم طرح سؤال حول مرجعية هذه الحكومة، فكان الاتفاق مبدئياً بأن الإطار القيادي المؤقت، والذي يشمل الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية هو المرجعية القيادية الأولى للحكومة ولهذه المرحلة، إلى أن يتم معالجة موضوع الوحدة الوطنية وأوضاع ومؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية وفقا لما جاء في حوارات واتفاقات المصالحة الوطنية. ثم طرحت حركة حماس عنوان الحقوق الوطنية الفلسطينية؛ حق العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، أي الحقوق المشروعة وفقا لما جاء في قرارات الشرعية الدولية على حد تعبيرها. ترى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أن المسؤولية التاريخية تفرض الإسراع بتشكيل قيادة طوارئ وطنية لتتولى مهام المرحلة الراهنة والخطيرة، وتتولى قيادة النضال السياسي والعملي الميداني على كل المستويات، وهي بدورها تعمل على تشكيل حكومة من التكنوقراط أو غير ذلك، وهي بدورها تعمل على ما تستوجبه الانتخابات الشاملة بناءً على ما تقرره قيادة الطوارئ. لا بد من الشروع بتشكيل قيادة الطوارئ أولاً للذهاب إلى العالم ومخاطبته بموقف فلسطيني موحد. على أي حال الى أين تتجه الأمور، وهل سيتفق الفلسطينيون على الوحدة ولو مؤقتاً ...؟ للأسف إن فرق الحسابات في المصالح والمواقع والبرامج والمكاسب سيطيح بأي مبادرة وأي محاولة جادة وصادقة لتوحيد الحالة الوطنية الفلسطينية. يقال بأن الهزيمة يتيمة وأن النصر آباؤه كثر، تعبر جميع القيادات الرسمية وقادة الفصائل الفلسطينية اليوم عن ضرورة حماية الشعب الفلسطيني والدفاع عنه ويسعون لوقف العدوان وحرب الإبادة والتطهير العرقي، والتصدي له بكل الطرق والوسائل السياسية والقتالية. هناك من يقوم بدوره على المستوى السياسي، وكذلك الميداني عبر المشاركة في معارك الصمود والمقاومة المسلحة للعدوان ويوفر كل ما يستطيع من مقومات الصمود والثبات للمدنيين في قطاع غزة، كيف لا وهم الذين بصمودهم وما قدموه من دم وتضحيات أفشلوا مخططات التهجير التي وضعها العدو الصهيوني في سلم أولوياته. وهناك من يقوم بدوره على المستوى السياسي والرسمي محاولا وقف العدوان وتأمين أكبر حجم من المساعدات وكسب أوسع تأييد دولي من أجل ذلك. إن المقاربة للمواقف الفلسطينية حول ما تتعرض له الضفة الغربية والقدس من تهويد واستيطان ومصادرة أراضي وهدم بيوت وتوغلات واقتحامات وقتل وإعدامات وخطف واعتقالات يومية وبكل الأوقات على يد جيش الإرهاب وأجهزة المخابرات وقطعان وعصابات المستوطنين الصهيونية. تشير إلى أن جميع المستويات القيادية الفلسطينية الرسمية وغير الرسمية متفقون على موقف واحد وهو ضرورة المواجهة والتصدي للمخطط الصهيوني التصفوي "خطة الحسم" القائم على ضم الأراضي واقتلاع وتهجير الفلسطينيين. من الواضح أن الاتفاق بالمواقف لا يعني الاتفاق بالرؤى والأهداف واشكال واساليب النضال والمقاومة ...ربما هذا الأمر بحاجة إلى بحث قائم بذاته ولكن يمكن الإشارة إلى بعض الأمثلة؛ الموقف من العملية البطولية يوم السابع من أكتوبر، صحيح أن الموقف الرسمي الفلسطيني لم يخضع للضغوط الأمريكية والإسرائيلية المطالبة بإدانة العملية ولكنه هل يؤيدها أو يباركها؟!! كان بالإمكان الذهاب بالموقف إلى ما ذهب إليه غوتيرش أمين عام الأمم المتحدة بأن ما حصل في السابع من أكتوبر ما هو إلا رد فعل على معاناة الفلسطينيين على مدى يقارب الخمسة والسبعين عاما، لكن وللأسف لم يشر اي مسؤول أو أي منبر إعلامي رسمي فلسطيني لذلك. أيضا ورغم كل المجازر والآلاف المؤلفة من الضحايا والشهداء الفلسطينيين، وإصرار الكيان الصهيوني على تنفيذ مخططاته الصهيونية التصفوية الواضحة كل الوضوح، ما هو الموقف الرسمي الفلسطيني من المقاومة المسلحة؟!! إن تصدر المشهد الفلسطيني على المستوى العربي والعالمي كان بفضل المقاومة وثبات الشعب الفلسطيني في وجه العدوان الصهيوني وآلاف المجازر التي ارتكبها بمنهجية عالية وترجمة لمعتقداته الدينية والصهيونية العنصرية. ولم تتحرك شعوب العالم تأييداً للشعب الفلسطيني ودعماً لنضاله العادل والمشروع فقط، وإنما لإدانة وفضح ورفض جرائم الكيان الصهيوني وعنصريته للمطالبة بضرورة ملاحقة قادته قانونياً وقضائياً باعتبارهم مجرمي حرب، هذا بعد أن كانت القضية الفلسطينية في أخر الاهتمامات الدولية وحتى العربية، إذاً إن الصمود والثبات والمقاومة وبكل أشكالها هي الرافعة الحقيقية والأساسية للكفاح الوطني والقضية الفلسطينية. إن الخلط بالأفكار والمهام الراهنة مع المهام القائمة والآجلة وكذلك الخلط بين الخيارات والتوجهات السياسية بخلفيات مختلفة طابعها فلسطيني داخلي أو ضرورات إقليمية ودولية أو صياغات ملتبسة لا تقطع مع خيارات سياسية سابقة وبائدة وتتماشى شكلا مع نبض الشارع والحالة الوطنية الفلسطينية الراهنة، لن يكون ذلك إلا تعطيلا لأي مبادرات أو خيارات جدية وصادقة تستجيب وترقى لمستوى التضحيات والصمود أو لمستوى الأخطار والتحديات التي تواجه الشعب الفلسطيني. فالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين إذ تقدمت بورقتها فهي تدرك تماما أن ما حصل في السابع من أكتوبر، وما مثله الشعب الفلسطيني من ثبات وصمود ومقاومة وخاصة في غزة والضفة والقدس ما هو إلا انطلاقة جديدة للمشروع الوطني الفلسطيني على أساس أن هذه المرحلة لازالت مرحلة تحرر وطني والصراع مع الكيان الصهيوني هو صراع تناحري وهو أيضا صراع شامل وتاريخي ومفتوح. فهي أي الجبهة الشعبية لن تقبل باتفاقيات عامة تفرضها مشاعر التراضي والنفاق أو الحرج من الجهة الراعية أو المستضيفة لأي حوارات ولقاءات فلسطينية قادمة.

(دعوة للنقاش.)

عمر مراد ... عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين

2024-01-01