الثلاثاء 21/10/1445 هـ الموافق 30/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
الحركات الإسلامية بين الهوية والدين/بقلم خالد كراجة

يتجدد الحديث عن ما يسمى بالزي الإسلامي أو الحجاب بين فترة وأخرى وتمتلأ وسائل الإعلام المرئي والمسموع بالحديث عن هذا الموضوع كردة فعل حول قرار هنا أوهناك .
فمنذ الأحداث التي جرت في فرنسا بما يتعلق في منع الزي الإسلامي أو الحجاب في المؤسسات الرسمية انطلاقا من اعتبار فرنسا لنفسها أنها دولة علمانية ولا تسمح بإبراز الهوية الدينية والاجهار بها أمام الناس وفي داخل مؤسسات الدولة، وان الهوية الدينية هي قضية شخصية يحتفظ بها المرء لنفسه ، تطل علينا إدارة جامعة الأقصى في قطاع غزة بقرار يفرض من خلاله الحجاب أو الزي الإسلامي على الطالبات والسؤال هنا لماذا هذه القضية تثار من فترة إلى أخرى ولماذا لم يقفل هذا الملف مرة والى الأبد في الحياة العربية والإسلامية ، ولماذا لا تأخذ قضايا دينية أخرى هذا الحيز من التفاعل والقرارات وهل هناك أبعاد سياسية لذلك الموضوع أكثر من غيرها ، أم أن القضية لها علاقة بكونها شيء ظاهري وليس باطني يمكن رصده وفرضه ، هذه أسئلة لابد من طرحها ومحاولة الإجابة عليها مع أني أدرك أن الإجابة عليها وبشكل تفصيلي بحاجة إلى بحث مستفيض ولا يمكن حصرها في مقالة صغيرة كهذه .

    ففي وقتنا الحاضر تأخذ قضية الزي الإسلامي والحجاب أولويات الحركات الدينية الإسلامية ، ولفرض ذلك يحاولون تأويل وتفسير الآيات القرءانية لتدعيم فكرة تمسكهم بالحجاب، هناك من يعتبر الزي الإسلامي هو الحجاب والجلباب وهناك من يعتبر الحجاب ولبس ساتر للعورة هو الزي الإسلامي ، استنادا إلى ورود كلمة "جلابيبهن" في الآية القراءانية التي يستندون إليها في فرض الحجاب ،واعتباره فرض لا بد من الالتزام به على الرغم انه لم يكن ركنا أساسية من أركان الإسلام كباقي الأركان فقد تعلمنا أن الإسلام بني على خمس  وهي "شهادة أن لا اله إلا الله وان محمدا رسول، وإقامة الصلاة ، وايتاء الزكاة ، وحج البيت من استطاع إليه سبيل" ، فلماذا لا تقوم تلك الحركات بالمباشرة في جمع الزكاة وفرضها على الناس أو بأخذ قوافل من الناس إلى الحج ،أو تضع حواجز على الطرقات لإجبار الناس على النطق بالشهادتين للتأكد أنهم يطبقون هذا الركن من أركان الإسلام.

لكن يبقى السؤال في أي إطار وبعد فرض الزي الإسلامي وهل هو فقط حجاب أم حجاب وجلباب كما يقول البعض ،لنعد للتاريخ الذي فرض فيه "الجلباب" للتعرف على دلالات كلمة " جلباب" مفرد كلمة "جلابيب" وما هي التفسيرات والتأويلات التي وردت بهذا الخصوص.

    "الجلباب" في اللغة حسب ما ورد في لسان العرب هو ثوب أوسع من الخمار، دون الرداء، تغطي به المرأة رأسها وصدرها.

   جاء في التفاسير " الجلالين، وابن كثير ، والقرطبي، الطبري " للآية رقم 59 من سورة الأحزاب (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما )، إن تعريف كلمة "جلابيبهن " جمع جلباب وهي الملاءة التي تشتمل بها المرأة وترخي بعضها على الوجه ولا تظهر إلا عينا واحدة ، والهدف من هذا التشريع كما جاء في التفاسير ، أن بعض المنافقين كانوا يعترضون الاماء في الليل لأخذ حاجتهم منهن، ولكن بعض الحرائر ممن لم يعرفن أنهن حرائر كن يتعرض للأذى أثناء خروجهن من بيوتهن لقضاء حاجتهن ، فجاءت الآية الكريمة بهدف حل مشكلة اجتماعية كانت سائدة في ذلك الزمان وهي اعتراض النساء في الأزقة والطرقات الضيقة وذلك بفرض زي يميز ما بين الحرائر و الإماء لكي يتم التعرف عليهن فلا يتعرضن للأذى، وجاء في القرطبي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا رأى أمة تتقنع يضربها داعيا أيها بعدم التشبه بالحرائر.

     وهنا أود إرفاق التفاسير كما جاءت لكي أتجنب خطأ الفهم، فقد أكون فهمت ما جاء فيها بشكل خاطئ ولكي أعطي مساحة للقارئ لكي يفكر بالتفاسير بعيدا عن ما توصل إليه عقلي من فهم.

     في تفسير الجلالين (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما )  جَمْع جِلْبَاب وَهِيَ الْمُلَاءَة الَّتِي تَشْتَمِل بِهَا الْمَرْأَة أَيْ يُرْخِينَ بَعْضهَا عَلَى الْوُجُوه إذَا خَرَجْنَ لِحَاجَتِهِنَّ إلَّا عَيْنًا وَاحِدَة "ذَلِكَ أَدْنَى" أَقْرَب إلَى "أَنْ يُعْرَفْنَ" بِأَنَّهُنَّ حَرَائِر "فَلَا يُؤْذَيْنَ" بِالتَّعَرُّضِ لَهُنَّ بِخِلَافِ الْإِمَاء فَلَا يُغَطِّينَ وُجُوههنَّ فَكَانَ الْمُنَافِقُونَ يَتَعَرَّضُونَ لَهُنَّ "وَكَانَ اللَّه غَفُورًا" لِمَا سَلَفَ مِنْهُنَّ مِنْ تَرْك السِّتْر "رَحِيمًا" بِهِنَّ إذْ سَتَرَهُنَّ" .

     كما جاء في تفسير الطبري: { يَا أَيّهَا النَّبِيّ قُلْ لِأَزْوَاجِك وَبَنَاتك وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبهنَّ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا أَيّهَا النَّبِيّ قُلْ لِأَزْوَاجِك وَبَنَاتك وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ , لَا يَتَشَبَّهْنَ بِالْإِمَاءِ فِي لِبَاسهنَّ إِذَا هُنَّ خَرَجْنَ مِنْ بُيُوتهنَّ لِحَاجَتِهِنَّ , فَكَشَفْنَ شُعُورَهُنَّ وَوُجُوهَهُنَّ , وَلَكِنْ لِيُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبهنَّ , لِئَلَّا يَعْرِض لَهُنَّ فَاسِق , إِذَا عَلِمَ أَنَّهُنَّ حَرَائِر بِأَذًى مِنْ قَوْل , ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي صِفَة الْإِدْنَاء الَّذِي أَمَرَهُنَّ اللَّه بِهِ , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ أَنْ يُغَطِّينَ وُجُوهَهُنَّ وَرُءُوسَهُنَّ , فَلَا يُبْدِينَ مِنْهُنَّ إِلَّا عَيْنًا وَاحِدَة" وَقَوْله : { ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِدْنَاؤُهُنَّ جَلَابِيبهنَّ إِذَا أَدْنَيْنَهَا عَلَيْهِنَّ أَقْرَب وَأَحْرَى أَنْ يُعْرَفْنَ مِمَّنْ مَرَرْنَ بِهِ , وَيَعْلَمُوا أَنَّهُنَّ لَسْنَ بِإِمَاءٍ , فَيَتَنَكَّبُوا عَنْ أَذَاهُنَّ بِقَوْلٍ مَكْرُوه , أَوْ تَعَرُّض بِرِيبَةٍ { وَكَانَ اللَّه غَفُورًا } لِمَا سَلَفَ مِنْهُنَّ مِنْ تَرْكهنَّ إِدْنَاءَهُنَّ الْجَلَابِيبَ عَلَيْهِنَّ { رَحِيمًا } بِهِنَّ أَنْ يُعَاقِبهُنَّ بَعْد تَوْبَتهنَّ بِإِدْنَاءِ الْجَلَابِيب عَلَيْهِنَّ"

     وجاء أيضا في تفسير ابن كثير " وَقَوْله " ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ " أَيْ إِذَا فَعَلْنَ ذَلِكَ عَرَفَهُنَّ أَنَّهُنَّ حَرَائِر لَسْنَ بِإِمَاءٍ وَلَا عَوَاهِر قَالَ السُّدِّيّ فِي قَوْله تَعَالَى " يَا أَيّهَا النَّبِيّ قُلْ لِأَزْوَاجِك وَبَنَاتِك وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبهنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ " قَالَ كَانَ نَاس مِنْ فُسَّاق أَهْل الْمَدِينَة يَخْرُجُونَ بِاللَّيْلِ حِين يَخْتَلِط الظَّلَّام إِلَى طُرُق الْمَدِينَة فَيَعْرِضُونَ لِلنِّسَاءِ وَكَانَتْ مَسَاكِن أَهْل الْمَدِينَة ضَيِّقَة فَإِذَا كَانَ اللَّيْل خَرَجَ النِّسَاء إِلَى الطُّرُق يَقْضِينَ حَاجَتهنَّ فَكَانَ أُولَئِكَ الْفُسَّاق يَبْتَغُونَ ذَلِكَ مِنْهُنَّ فَإِذَا رَأَوْا الْمَرْأَة عَلَيْهَا جِلْبَاب قَالُوا هَذِهِ حُرَّة فَكَفُّوا عَنْهَا فَإِذَا رَأَوْا الْمَرْأَة لَيْسَ عَلَيْهَا جِلْبَاب قَالُوا هَذِهِ أَمَة فَوَثَبُوا عَلَيْهَا وَقَالَ مُجَاهِد يَتَجَلَّيْنَ فَيُعْلَم أَنَّهُنَّ حَرَائِر فَلَا يَتَعَرَّض لَهُنَّ فَاسِق بِأَذًى وَلَا رِيبَة وَقَوْله تَعَالَى " وَكَانَ اللَّه غَفُورًا رَحِيمًا " أَيْ لِمَا سَلَف فِي أَيَّام الْجَاهِلِيَّة حَيْثُ لَمْ يَكُنْ عِنْدهنَّ عِلْم بِذَلِكَ"

     وفي تفسير القرطبي " "ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا " أَيْ الْحَرَائِر , حَتَّى لَا يَخْتَلِطْنَ بِالْإِمَاءِ ; فَإِذَا عُرِفْنَ لَمْ يُقَابَلْنَ بِأَدْنَى مِنْ الْمُعَارَضَة مُرَاقَبَة لِرُتْبَةِ الْحُرِّيَّة , فَتَنْقَطِع الْأَطْمَاع عَنْهُنَّ . وَلَيْسَ الْمَعْنَى أَنْ تُعْرَف الْمَرْأَة حَتَّى تُعْلَم مَنْ هِيَ . وَكَانَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ إِذَا رَأَى أَمَة قَدْ تَقَنَّعَتْ ضَرَبَهَا بِالدِّرَّةِ , مُحَافَظَة عَلَى زِيّ الْحَرَائِر . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّهُ يَجِب السَّتْر وَالتَّقَنُّع الْآن فِي حَقّ الْجَمِيع مِنْ الْحَرَائِر وَالْإِمَاء . وَهَذَا كَمَا أَنَّ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنَعُوا النِّسَاء الْمَسَاجِد بَعْد وَفَاة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ قَوْله : ( لَا تَمْنَعُوا إِمَاء اللَّه مَسَاجِد اللَّه ) حَتَّى قَالَتْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا : لَوْ عَاشَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى وَقْتنَا هَذَا لَمَنَعَهُنَّ مِنْ الْخُرُوج إِلَى الْمَسَاجِد كَمَا مُنِعَتْ نِسَاء بَنِي إِسْرَائِيل .))


     نستنتج مما تقدم عدة قضايا لابد من النظر إليها وتمحيصها والاستدلال إليها من خلال التفاسير المختلفة للآية القرءانية وهي :
أولا: هناك إجماع بين المفسرون أن أصل الحجاب هو تغطية الرأس فقط ويذهب البعض إلى ابعد قليلا من تغطية الرأس بإضافة تغطية الصدر وليس كما يدعي البعض أن الحجاب هو تغطية الرأس والجسد، بالجلباب المتعارف عليه اليوم.

     ثانيا: أن "الجلباب" جاء لحل مشكلة كانت سائدة في ذلك الزمان وهي اعتراض المنافقين للاماء أثناء خروجهن لقضاء حاجتهن ، فجاء التشريع بضرورة تغطية الرأس للحرائر لكي  يتم تمييزهن عن الإماء ، ولكي لا يتم التعرض لحرة بدون قصد أي بسبب عدم معرفة أنها حرة ، وهذا يتأكد من خلال تصرف عمر بن الخطاب مع الأمة التي قامت بتغطية رأسها فضربها داعيا أيها عدم التشبه بالحرائر.

     ثالثا: أن تمييزا كان سائدا بين الحرائر والإماء وان التشريع بما يتعلق بلبس "الجلباب" اقتصر على الحرائر فقط ، واذا حاولت بعض الإماء ارتدائه لتتقي شر المنافقين كانت تمنع من ذلك  وهذا يقودنا إلى الاعتقاد أن التعرض إلى الإماء واغتصابهن كان مباحا، وان التشريع في ذلك الوقت لم يكن للحد أو منع ظاهرة لا أخلاقية على الأقل بمفهومنا اليوم ، تنتهك فيها حقوق المرأة كانسان وإنما لحماية الحرائر فقط وكأنة التشريع اختص بفئة دون الأخرى.

     رابعا: لا يوجد ما يسمى بالزي الإسلامي وان كل من كان يدخل الإسلام من شعوب أخرى  كان يحافظ على زيه التراثي المتعارف عليه في ذلك الوقت، وان الأزياء التي يرتديها بعض المشايخ وبعض رجال الدعوة في بلادنا إما مأخوذة من زي تقليدي لبلد آخر ، مثل الزي الباكستاني مثلا.

     ولو تجاوزنا الاستنتاجات السابقة وتذرعنا بانتهاء عصر الإماء واعتبارنا أن هذا التشريع لجميع المسلمين وتجاوزنا أيضا تعريف كلمة "جلباب" و أننا نريد أن نفرض اليوم زيا نسميه زي إسلامي ، يبقى السؤال ما دام "الجلباب" فرض في زمانه لحل مشكلة اجتماعية وان التشريعات الدينية لها أسباب نزول تبرر وجودها في زمانها ، فما هي المشكلة التي نحاول حلها بفرض ما يسمى بالزي الإسلامي، وهل فرضه يحل المشكلة فعلا أم أن الموضوع هو فقط يتعلق بالهوية وتعريف الذات واخفاء نواقصنا التي لم نستطع اخفاءها بطرق اخرى، وان القضية لا علاقة لها بالدين، تبقى هذه الأسئلة وغيرها مثار نقاش يجب علينا جميعا أن نبذل كل جهد للإجابة عليها بمنطق وعلم ودون مصادرة لعقولنا وحقنا في التفكير .

2013-02-10