الإثنين 20/10/1445 هـ الموافق 29/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
الاستراتيجية السياسية الفلسطينية : نجحت العملية ومات المريض/ بقلم عدنان عطية رمضان

منذ اكثر من عقدين شهد العالم والمنطقة تحولات في علاقات القوة تركت اثارا كبيرة على القضية الفلسطينية فمنذ ان انهار الاتحاد السوفيتي وما تلاه من عدوان على العراق في حرب الخليج الاولى والثانية مرورا بمؤتمر مدريد واتفاقية اوسلو والدخول في نفق المفاوضات التي لم تنتهي وتفرد امريكا بالقرار العالمي وبالرعاية غير النزيهة للمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية والحرب على الإرهاب ومبادرة السلام العربية ثم اخيرا   إلى الربيع العربي المشؤوم كل ذلك بالاضافة     إلى غيره من العوامل تركت اثارا جدية على الاستراتيجية السياسية الفلسطينية الرسمية ودفعت بالقيادة   إلى الدخول في مسارات وتحولات كبيرة والسير على حد السيف 

ونقصد بالاستراتيجية السياسية انها مجموعة من المواقف والتوجهات والانشطة والبرامج و السياسات المترابطة والتي تكمل بعضها بعضا وتتضمن جهات مستهدفة وطرق عمل محددة وخطط ومصادر مادية وبشرية وميزانيات وتتضمن افتراضات مخاطر وتتواصل بغية الوصول  إلى اهداف محددة ولا يتم الحكم عليها في اطار فرديتها او في لحظة زمنية محددة بل في اطار صيرورة افعالها ونتائجها وتداعياتها
منذ ان انتخب ابو مازن رئيسا لمنظمة التحرير وللسلطة الفلسطينية فقد اعتمد سياسة واستراتيجية تقوم على التمسك بخيار دولتين لشعبين وبالسلام وبالمفاوضات كخيار وحيد وبناء وتعزيز المؤسسات الفلسطينية وخاصة الامنية والحفاظ على التنسيق الامني مع إسرائيل حفاظا على الاستقرار ومنعا للفوضى ورفض الانتفاضة لما لها ن اثار تدميرية والتمسك بالمقاومة السلمية والحفاظ على درجة عالية من التنسيق مع الدول العربية وخاصة المحيطة وكذلك مع الجامعة العربية دون اهمال المؤسسات الدولية
وكان الهدف من هذه السياسات هو الحفاظ على الشعب الفلسطيني وقضيته في ظل هذه التحولات التسونامية التي لم تبقى ولم تذر والوصول به  إلى بر الامان ومن جهة اخرى النجاح في اختراق دولي يعزز من صورة فلسطين الدولة والمجتمع الديمقراطي ويرفع من ثقة المجتمع الدولي بالقيادة والشعب الفلسطيني لنيل شهادة الاعتراف بها كدولة مستقلة على حدود 1967
والسؤال الذي يطرح الان هل حققت هذه السياسات اهدافها ؟ وهل وصل الشعب الفلسطيني  إلى بر الامان؟ وهل السياسات التي يتبناها ابومازن قادت  إلى نجاحات واختراقات في الموقف الدولي ؟ وهل حان الوقت لاجراء مراجعات لهذه السياسة ؟
القدس ومنذ رمضان الماضي وهي تعلي صوتها بتضحيات ابنائها لتقول للداني والقاصي انها على شفا الانهيار وان تهويدها تحول  إلى حقيقة صارخة فقد تكثفت وزادت الجهود الصهيونية المتعلقة بعزل وتهويد القدس وخاصة بعد العام 1991 مستغلين عملية التفاوض التي بدات على اثر مؤتمر مدريد وبدات عمليات تفريغ القدس من سكانها وضرب بنيته المجتمعية والقيمية والثقافية وتهويد التعليم والجغرافيا والاماكن الدينية فلقد عملت الحكومات المتعاقبة على اختلاف الوانها بتطبيق برنامج 'القدس الكبرى' بالمفهوم الإسرائيلي والتي تبلغ مساحتها 600 كم2 أو ما يعادل 10% من مساحة الضفة الغربية، بالإضافة  إلى إقامة أحزمة من الشوارع السريعة والاتفاق لربط هذه المستعمرات خارج وداخل حدود 'البلدية' وتظهر الاحصائيات الاعداد المتزايدة والمتسارعة في المستوطنين اليهود في القدس الشرقية حيث اظهرت معطيات جديدة نشرتها وزارة الداخلية الإسرائيلية ببلوغ بلغ عدد المستوطنين في الأحياء الشرقية بمدينة القدس مثل "بسغات زئيف, والنبي يعقوب, ورمات أشكول, ورامون.. وغيرها", بلغ نحو 300 ألف مستوطن. وهذا ارقم اعلى من عدد المقدسيين الفلسطنيين الذين يعيشون في القدس الشرقية كما انه وفقا لمخططات القدس 2020 فانه يجب ألا تتجاوز نسبة السكان العرب 12% من المجموع العام لسكان القدس الواقعين داخل حدود بلدية الاحتلال في القدس.
المسجد الاقصى قبلة المسلمين وثاني الحرمين يتم انتهاكه بشكل يومي وتسير خطة تقسمه المكاني والزمني على قدم وساق فهل القدس وما وصلت اليه مؤشر على نجاح الاستراتيجية السياسية الفلسطينية ؟ بالتاكيد لا
مواجهة ووقف الاستيطان لقد بنيت اسرائيل على فكرة الاستيطان وهو يشكل جوهر الصهيونية والسلاح الذي استخدمته لتهود فيه فلسطين وتستمر بمشروعها ولكن في ظل استراتيجية السلام الفلسطينية فان الاثمان التي تدفعها تكاد تكون معدومة فرغم الاتفاقيات ومرجعياتها والنوايا الحسنة التي اظهرها العرب والفلسطنيين لم تزد اسرائيل الا عنجهية واصرار على الاستمرار في سياساتها الاستيطانية حيث ان البناء الاستيطاني يزداد في كل عام عن العام الذي سبقه بصورة كبيرة جدا"، مشيرا  إلى زيادة نسبة البناء الاستيطاني في عام 2012 عن العام الذي سبقه 2011 بنسبة 30%، في حين زادت نسبة البناء في عام 2011، عن العام الذي سبقه 2010 بقرابة 20%
ويبلغ عدد سكان المستوطنات الرسمية -البالغ عددها اكثر من 144 مستوطنة رسمية عدا عن البؤر وعدد السكان فيها ما يقارب 340 ألف نسمة حسب إحصاءات المستوطنين لعام 2012،ومن الواضح ان نسبة الزيادة السكانية للمستوطنين تتعدى ال 5% مما يعني العدد الحالي للمستوطنين في القدس والضفة الغربية يقارب ال 700 الف مستوطن وهو يزيد عن عدد السكان اليهود في فلسطين في العام 1948.
لم يقتصر الاستيطان على توسعة السيطرة على الارض واحلال السكان اليهود مكان الفلسطنيين بل ان اسرائيل امعنت ولا زالت تمعن في سرقة ثروات الفلسطنيين من الماء حيث تسرق معظم الموارد الفلسطينية وما تنتجه الضفة الغربية من مياه لصالح المستوطنات وكذلك "94% من الموارد التي يتم استخراجها من خلال المحاجر الإسرائیلیة في الضفة الغربية تذھب  إلى داخل دولة الاحتلال لتغطي 25% من حاجة إسرائيل من المواد الخام اللازمة ونحو سبعة ملايين طن من الحصمة، وكميات كبيرة من الرمل إضافة  إلى ما يسرقه من بوتاسیوم من البحر الميت. وما تنتجه اسرائيل في مستوطناتها معتمدة على ثروات الضفة الغربية عدا سرقة البترول والغاز ناهيك عن تحويل الضفة  إلى مكب نفايات وسموم تنتجها المصانع الاسرائيلية وتحويل الضفة  إلى سوق للبضائع حيث ان 3.5 مليار دولار حجم الاستهلاك الفلسطيني السنوي من الصادرات الاسرائيلية  إلى السوق الفلسطيني وقد اوضح التقرير السنوي الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية 2014، عن سرقة إسرائيلية "علنية" للموارد الطبيعية من الضفة الغربية، خاصة في الأراضي المسماة بالمناطق "ج"، ما يحرم الفلسطينيين من 3,5 مليارات دولار سنويا موارد تلك المناطق بالاضافة  إلى الاضرار التي تسببها لاقتصاد الزراعي والصناعي والتجاري واستغلال وسرقة حقوق العمل مستندة  إلى الاتفاقيات من جهة وسيطرتها التامة على مفاصل الحياة والحركة التجارية والاقتصادية الفلسطينية
ان الجهود الفلسطينية سواء الرسمية او الشعبية السلمية لم توقف او تعرقل النشاط الاستيطاني الاسرائيلي بل استثمرت السياسة الفلسطينية لزيادة هذه الجهود وحسب دائرة شؤون المفاوضات نفسها فقد شكلت "سنوات أوسلو: مرحلة نمو استيطاني غير مسبوق أّدت العديد من ترتيبات التجميد الجزئي للاستيطان  إلى نسب غير مسبوقة من النمو الاستيطاني. زاد العدد الكلي للمستوطنين الاسرائیلیین في الفترة من عام 1993  إلى عام 2000 بنسبة 40% تقریباً حوالي 40% من نحو 460000 مستوطن اسرائيلي والذين یعیشون الآن في الأرض الفلسطینیة المحتلة وربع من المستوطنات التي یفوق عددھا 170 مستوطنة موزعة في الأراضي الفلسطینیة المحتلة عام 1967 أقیمتا بعد التوقیع على اتفاق أوسلو  وهكذا دواليك مما بشير  إلى ان امد المفاوضات وطوله يصب في صالح المشروع الصهيوني ويقوض خطط وفرص الفلسطنيين  ،مع العلم ان النشاط الاستيطاني عاش لحظات ضعفه في سنوات الانتفاضة الاولى وكذلك في السنوات الاولى من الانتفاضة الثانية
وفيما يتعلق بحل الدولتين فلقد بات واضحا للقاصي والداني ان المجتمع الاسرائيلي واغلب احزابه وحكومته يرفضون مبدا الانسحاب من الضفة الغربية ويعلنون رفضهم الصريح لدولة فلسطينية في الضفة الغربية كما جاء على لسان بينت وقبله موشيه يعلون وغيرهم بهذا الشان ومن الجدير ذكره ان الاصوات الاسرائيلية الرسمية اصبحت اكثر جراءة ووضوح في التعبير عن هذا الموقف خاصة في ظل الحرب على الارهاب والحلف الدولي ضد الدولة الاسلامية
ان حقيقة وفاة حل الدولتين كامكانية واقعية لا تحتاج  إلى كثير من النقاش حيث عبرت القيادة السياسية نفسها وعلى لسان الرئيس عباس نفسه "عباس أبلغ عددا من نواب حزب «ميرتس» اليساري الاسرائيلي أمس أن استمرار النشاطات الاستيطانية في الأرض الفلسطينية يهدد ليس فقط بانهيار المفاوضات الحالية، وانما أيضا بانهيار حل الدولتين" . وظهر هذا الادراك لهذه الحقيقة بشكل مكثف في مواقف وتصريحات العديد من قادة اللجنة التنفيذية ل م ت ف او اللجنة المركزية لحركة فتح مثل توفيق الطيراوي ، عدا عن العديد من المواقف الدولية مثل فرنسا وبعض الدول الاوروبية والعديد من تقارير المنظمات الدولية والتنموية العاملة في المنطقة وظهر ذلك ايضا وبشكل جلي في كتابات توماس فريدمان او أستاذ السياسة الأميركي البارز جون ميرشايمر حل الدولتين في فلسطين الآن بأنه أصبح محض خيال ووهما كبيرا.
ان الحقائق على الارض المتمثلة بعدد المستوطنين في الضفة الغربية و وتوزيع المستوطنات وما يترافق معها من سيطرة امنية وسيطرة الارض و الموارد وخاصة المياه ومن عزل التجمعات الفلسطينية في كانتونات وجدار الفصل ونقاط التفتيش والسيطرة التي تحول الحياة البشرية الاعتيادية  إلى مهمة شبه مستحيلة.
ان التنازلات الفلسطينية والتلميح والتصريح بقبول مبدا تقاسم السيادة على القدس او تبادل الاراضي او تنازل الرئيس عن حقه الشخصي بالعودة  إلى صفد واستبداله بطلب الاذن الاسرائيلي بزيارتها وحديثة عن أنه لن يكون أمام إسرائيل دعاوى قضائية للمطالبة بعكا ويافا وصفد" والتمسك بالمفاوضات كخيار وحيد والتعامل مع التنسيق الامني على اعتبار انه مقدس لم يجلب اي تحول في المواقف الاسرائيلية او لرسمية او الحزبية او على مستوى الجمهور بل بالعكس فان كل المؤشرات تشير وبوضوح  إلى مزيد من التعنت وتحولات قانونية وسياسية رسمية وشعبية عنصرية مقيتة وفاشية في التعامل مع الفلسطنيين اينما تواجدوا.
البعض يرى ان هذه التحولات في المجتمع الاسرائيلي وما يترافق معها من سياسات فلسطينية ستقود  إلى عمليات اختراق جدية في الموقف الدولي من اسرائيل ويؤكدون على ذلك بالتحركات الكبيرة التي شهدتها الساحة الدولية اثناء العدوان على غزة وهو صحيح ولكن هل يعود ذلك  إلى الاستراتيجية السياسية الفلسطينية ام ان هناك الكثير من العوامل اهمها ممارسات اسرائيل نفسها والجهود الجبارة التي تقوم بها العديد من المؤسسات ولجان التضامن التي استثمر فيها وبشكل كبير من العديد من الجهات الشعبية الفلسطينية وهي نتاج لسنوات طويلة من الجهود الفردية والجمعية للشعب الفلسطيني واستثماره لفضاءات المجتمعات المدنية والقوى التقدمية ومنظمات حقوق الانسان والقوى الاجتماعية من نقابات واتحادات ومنظمات ايمانية مختلفة توجت بتشكيل حركة تضامن عالمية كبيرة ونشطة وايضا بحركة مقاطعة اسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها والتي كانت في كثير من الاحيان ولا تزال في تضاد مع السياسات الرسمية الفلسطينية
ان هذه التغيرات ورغم اتساعها شعبيا الا ان اثرها على السياسات الرسمية بقى محدودا وصغيرا فالتعويل على المواقف الاوروبية الرسمية هو في الغالب محض اوهام فالعلاقة بين اوروبا واسرائيل اكثر متانة مما تبدو فاسرائيل في الحقيقة وهي جزء من بنية السياسة والاقتصاد والثقافة الاوروبية الاستعمارية سابقا وحاليا والثقافة الغربية لا زالت ترى في اسرائيل نموذجا ثقافيا غربيا وبكون إسرائيل دولة غربية – ليبرالية ورغم بناء اسرائيل على اسس اثنية ودينية ورموزها كافة مستمدة من الدين اليهودي الا انم الغرب يرى فيها دولة علمانية ويصر على " انتماء إسرائيل  إلى مجموعة الدول الغربية، التي يسود فيها هذا الأمر وهذا يعيدنا  إلى ما قاله هرتسل ""هناك في فلسطني سنكون جزءا من جدار أوروبا أمام آسيا، وسنعمل كمركز متقدم للحضارة ضد البربرية"  او كما استنتج ادوارد سعيد ان اسرائيل هي نموذج الاستشراق الغربي الذي هو اسلوب غربي للسيطرة على الشرق واستبنائه وامتلاك السيادة عليه فالشرق قد شرقن بمعنى أنه أعطي تفسيرا غربيا لتبرير وتسهيل استعماره
كما لا زالت التغطية الإعلامية الرسمية والخاصة وهي الاكثر انتشارا في الغرب وتلعب دورا حيويا في تشكيل رأي عام وبلورة مفاهيمه، حيث تستثمر الجهل والصور النمطية والدعايات المغرضة و تراكم ثقافة الكراهية والتعصب والعداء للإسلام خاصة في ظل صعود قوى اليمين والدعاية الصهيونية والمسيحية الصهيونية حيث أن البعد الديني في الصراع الجاري في فلسطين بات اليوم أكثر تزايدا في ظل الحديث عن تحالف اليمين المسيحي مع اليهود في محاولة حسم الصراع في المنطقة يكفي ان نعلم ان معظم التغطية والمكاتب الاعلامية الغربية تغطي القضية الفلسطينية من اسرائيل وأن" الإعلام الغربي محكوم في معالمه الأساسية بمعايير ومقاييس وضوابط إسرائيلية. وعلى العكس من ذلك يتعامل الإعلام الغربي مع الفلسطينيين باعتبارهم "الآخر"، بينما تكاد تكون إسرائيل جزء من "الأنا" أو "الذات". كما جاء في دراسة مكرم خوري حول هذا الموضوع
ان وثيقة "الخطوط الحمراء" التي بلورها الاتحاد الأوروبي ، لسياسات إسرائيل ضد الفلسطينيين، كانت دائما ولا تزال خجولة فقد رفضت اوروبا رسميا تحويل قضية الجدار  إلى محكمة العدل ورغم رفضها اللفظي لسلوك اسرائيل تجاه القدس الا ان موقفها لم يتجاوز اعلان "القلق تجاه الوضع في القدس الشرقية " حسب بيان وزراء خارجية اوروبا
ان معظم الدول الاوروبية امتنعت عن التصويت لصالح قبول فلسطين لدولة مراقبة في الامم المتحدة وترافق مع دعم اقتصادي ومعلوماتي وعلمي اسرائيل حيث استمرت اوروبا كاهم شريك اقتصادي لاسرائيل عبر العقود الستة الماضية  ،خلاصة الموقف الاوروبي من اسرائيل هو الدفاع عن امنها ووجودها وعدم الضغط الجدي عليها بل الضغط على الفلسطينيين لتقديم تنازلات والاعتراف اللفظي بحقوق فلسطينية في الاراضي المحتلة عام 1967 اما امريكا فحدث ولا حرج عن الانحياز المستمر والواضح لاسرائيل ويكفي ان نرى الدعم السياسي والعسكري وعدد مرات استخدام الفيتو في صالح اسرائيل وضد الحقوق والتوجهات والسياسات الفلسطينية حتى ندرك الوهم الذي نعيشه حيث ان الادارات المتعاقبة في البيت الابيض وعبر اكثر من عقدين من الزمن كانت تزداد سوءا مع مرور الزمن وليس العكس
اما من جهة الحفاظ على الاستقرار وبناء مؤسسات الشعب الفلسطيني للوصول به  إلى بر الامان فهو ايضا موضوع يحتاج  إلى وقفة ومراجعة فحالة الانقسام التي استمرت لاكثر من سبعة سنوات وما افضت اليه اخيرا من التوصل  إلى مصالحة او اقتسام كما يحب ان يسميها البعض مشكوك فيها وتعتريها تحديات جدية فالحقائق على الأرض تظهر نموذج الازدهار الكاذب في الضفة الغربية ومن جهة أخرى نموذج غزة حيث الحصار والفقر والبطالة وانعدام الأمن واستمرار تعرضه للضربات العسكرية من خلال الممارسات العدوانية التي تقوم بها إسرائيل كما يفتقد القطاع للاحتياجات الأساسية وإذا توفرت ففي إطار الحد الأدنى بالإضافة  إلى الحصار بكل ما للكلمة من معنى من كلمة مع استمرار المقاطعة السياسية.
النتائج المترتبة على هذين النموذجين هي مزيد من التشوه للبنى والمكونات الفلسطينية حيث ان النموذج الأول (الضفة الغربية) لا يملك القدرة على حماية هذا النموذج ولا توجد اية ضمانات لاستمراره، في أحسن أحواله فالاحتلال الإسرائيلي لا يمر يوم دون اقتحامات واعتقالات واعتداءات ومزيد الانتهاك لحرمة هذا النموذج والتأكيد على إن قوة الأمن الفلسطيني ليست في خدمة المشروع الفلسطيني بل في خدمة المشروع الإسرائيلي بمعنى أن حالة الأمن في الساحة الفلسطينية مرهونة بالأمن الإسرائيلي فيما يرى المواطن الفلسطيني أن الأمن ليس بوجود أجهزة امن أو شرطة وغيرها تعجز عن حماية طفل في العاشرة من الاعتقال والتعذيب ولا تملك شيئا إزاء القضم المتواصل للأراضي وتنتهك حرماتها كما تنتهك حرمات أي مواطن على نقاط التفتيش، إن الأمن لفلسطيني يتحقق بمقدار قربه من التخلص من الاحتلال وأية صورة أخرى للأمن هو وهم سريعا ما تزيله دبابات الاحتلال.
ان الاستطلاعات تشير  إلى تراجع ثقة الشارع وخاصة الشباب الذي يعاني حالة بطاله وضياع واغتراب بالنظام السياسي الفلسطيني وسياساته وما التوجهات نحو الهجرة او نحو التطرف  إلى مؤشرات لهذه الحقيقة
ان تشكيل جيش من الموظفين الكبار ذوي الدخل المرتفع والذين يديرون جهاز بيروقراطي مكون من 143 ألف موظف ينتظرون رواتبهم في بداية كل شهر من الحكومة في رام الله سيغرقون في ديون القروض لبناء بيوت او شراء سيارات حديثة وتحولهم  إلى جيش من المستهلكين، مستلبي الارادة ،منعزلين عن هموم  بقية ابناء الشعب الفلسطيني سواء في غزة او القدس او اماكن اللجوء،انما هو تعبير عن تدهور وليس استقرار ، ان نموذج الضفة في أعين المواطنين هو نموذج مؤقت واغلب الامر ان ما يفكر به المواطن الاستفادة من حالة شبه الاستقرار المؤقت  لتوفير لقمة العيش والاستعداد للأيام العجاف فالاستطلاعات تشير الى عدم الثقة بالمستقبل والقلق  و إلى تراجع ثقة الشارع وخاصة الشباب الذي يعاني حالة بطاله وضياع واغتراب بالنظام السياسي الفلسطيني وسياساته ،وما التوجهات نحو الهجرة او نحو التطرف  إلى مؤشرات لحقيقة ان هذه السياسة لن توصل الشعب الا  إلى مازق جديد وليس  إلى بر الامان
خلاصة الامر ان الاستراتيجية السياسية الفلسطينية لم تصل اهدافها بل تحولت  إلى منظومة ابقاء الامر على ما هو عليه  لما في ذلك من منافع سياسية والمالية واجتماعية لبضعة الاف يتربعون على اعلى الهرم السياسي والوظيفي بشقيه الامني والمدني  وتحالفه مع راس المال والاعلام وتركت الاهداف الاستراتيجية التي قامت عليها ورائها
والسؤال المطروح الان هل يمكن ان تنتج هذه البنية وما الت اليه اليات موثوقة للمراجعة الوطنية  و إلى متى سيستمر الحال الفلسطيني على ما هو عليه دون افق واضح ؟

2014-11-05