السبت 18/10/1445 هـ الموافق 27/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
أطفــال العــرب!!... عبد الهادي شلا

 لعدم قناعتي بما تسير إليه ثقافتنا العربية نحو "بعض" تلك الاتجاهات الغريبة على أصالتها ولا أعني المتزمته والمتحجرة أو تلك التي لا تنفع مع أي زمن ويجب التخلي عنها .

إنما تبقى قناعتي مع تلك الأصالة التي ترسخت فينا اجتماعيا وقبلها إيمان قوي بأنفسنا وبقدرتنا على التصدي إلى أي غزوات خارجية أو سلوكية اجتماعية بما فيها الثقافة في زمن مغاير.

ولا يمكن لهذه القناعة أن تتجاهل الحاجة إلى أدوات التطور وتسريع وتيرة الحياة التي هي سمة العصر،وإنما تلتفت إلى تلك الصور التي تصيب جوهر الثقافة والمعرفة والسلوك الاجتماعي التي تقتضيها الضرورة قبل غيرها .

لن نكرر الحديث عن العالم الذي أصبح قرية صغيرة كما يراه الجميع في زمن انفتحت فيه كل البواب على اللامنتهى من المعارف والتواصل فذلك أمر بات معروف بل سنتوجه إلى لب الموضوع مباشرة ونتحول إلى نقطة ذات أهمية استيقظت في نفسي وادركت قيمتها وحاجتي إليها  وتمنيت لو أنها أتيحت لي وغيري من أبناء جيلي حين كنت صغيرا ولكنها لم تتوفر بتلك الصورة أو الامكانيات التي أتيحت لأطفال عالمنا اليوم.

كما لا ننكر اننا من جيل سابق قد قطفنا ما لحقنا به من ثمرات المعرفة والتقدم التقني بمثابرة ووعي بقيمة هذه الأدوات الجديدة ونحن ندرك أنها "لغة العصر وأدواته" ونحن في حاجة إليها فيما تبقى لنا من وعي كي نبدع من خلالها.

قلت بداية " لعدم قناعتي.." وكنت أقصد الكثير من الجديد الطارئ والذي يرفضه الكثيرون إما لأنه يتنافى مع القيم الأصيلة أو لأنه غريب عن ثقافتنا العربية وخاصة في عالم الفن الذي لم يصل في إنحدارة واستخفافه بالقيم الجمالية مثلما وصل إليه في زمن قريب مازالنا نعاني منه ونخاف على ذائقة العامة صغارا وكبارا وكأن هناك خطة خفية تريد تغيير كل ملامح تراثنا وثقافتنا بما فيها الفنية الرفيعة.

تفائلت على حذر وأنا أتابع برنامجا على قناة MBC خصص لاكتشاف المواهب الفنية من الأطفال The voice kids العرب حين إستمعت إلى بعضهم يؤدون كل بقدر إستطاعته ومقدرته ووعية أغان أكثر ما لفت النظر فيها بعد تلك الأصوات البديعة في الأداء أن أغلبهم قد اختار أغنيات من تلك التي نطلق عليها أغنيات "الزمن الجميل"،وهذا في حد ذاته يؤكد تخوفنا مما أشرنا إليه بأن هناك خطة موجهة إلى ذائقة العامة الرفيعة في الفن يقوم بها أولئك الذي يلهثون وراء الشهرة والكسب السريع بأعمال فنية هابطة،وأن الجيل القادم الذي يمثله هؤلاء الأطفال سيكون أكثر وعيا وإدراكا إلى ضرورة أن يكون الفن رفيعا وجميلا ويعود إلى مجرى النهر العذب الذي شرب منه العمالقة الأولون وأسقونا.

لا يعنينا هنا الجانب التجاري الذي يجتهد فيه راعي هذه البرامج فهذا حق له وإنما سنبقى في إنتظار المزيد من البرامج التي تؤهل الكثيرين من أطفالنا في مجالات إبداعية أخرى ينتفع منها مجتمعنا العربي مستقبلا ضمن خطة بناء سليمة تعيد الأمور إلى اساسها وأصالتها بأدوات العصر وتقنياته .

 

2016-02-14