الإثنين 30/5/1446 هـ الموافق 02/12/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
'الثقافة الفنية العالمية من بداية القرن العشرين، سينما، مسرح، موسيقى' تحت الطبع اليوم....د. وسام الداودي

  أول العطلة الصيفية، بعد إنهاء دراسة المتوسطة يمسك الأديب برهان الخطيب دفترا يسجل فيه أفلاما شاهدها خلال مراهقته، وقبل ذلك مع والديه، في دور السينما الثلاثة في مدينته الحلة الفيحاء، التلفزيون حينه لم يظهر بعد، يدوّن أسماء الممثلين مؤدي الأدوار الرئيسة في تلك الأفلام. تذكرهم جميعا ليس سهلا، مساعده على ذلك مجموعة (مناشير) الأفلام الوفيرة لديه، اليوم يباع الواحد منها في الغرب بين الهواة مقابل مبالغ كبيرة، ليلة حساب مع العقل يتخلص الخطيب منها يرميها إلى الزبالة، يقرر قد (كبر) على ذلك الهوى الصبياني، إعلانات توزع للدعاية مع عرض الفيلم ترويجا له، رغم ذلك يحتاج الخطيب شهرا، أو أكثر، لتذكر كل، أو معظم الأفلام التي يشاهدها حتى ذلك الحين، 360 فيلما تقريبا مع أسماء الممثلين مع مختصر قصة الفيلم في سطور قليلة، في خانات يضعها بالمسطرة، مادة صحفية مبكرة تملأ الدفتر بأكمله. يبني ذاكرة تعينه في عمله حتى اليوم، بعد وضع تلك (الموسوعة) يرى حان صعود درجة أخرى من سلّم المعرفة والفن والأدب، ما أصعبه من سلّم، لكنه يرمي تلك الموسوعة أيضا جانباً يبدأ دراسة كتب جادة من مكتبة والده البيتية ومكتبة المدينة، بعد مرور نصف قرن تقريبا تعود تلك الحكاية القديمة إليه مجددا، في صيغة أخرى، في مقاس أكبر، تطرق بابه، تناديه تطلب إكمال عرضها في صيغة جذابة عصرية للقارئ العربي..
باختصار، مشروع كلمة الثقافي الكبير في دولة الإمارات العربية يتصل مع الأديب برهان الخطيب يطلب مساهمته في إخراج موسوعة الثقافة الفنية العالمية من بداية القرن العشرين إلى يومنا، تضعها مجموعة من الباحثين الروس دراسات جادة مستفيضة تشمل تاريخ السينما برمته في أوربا وأمريكا وروسيا ومسيرة المسرح والموسيقى أيضا في تلك الدول، تنشر الموسوعة قبيل سنوات قليلة بالروسية ويقوم المترجم محمود طحينة بنقلها إلى العربية، إنما تُزود الطبعة العربية القادمة قريبا بصور عديدة من ذخيرة فن السينما والمسرح والموسيقى هناك، يحين دور الأديب برهان الخطيب حسب اختصاصه القديم بمراجعة الترجمة وتحرير الأسلوب، تهيئة للكتاب للنشر، خاصة والأديب الخطيب أثناء دراسته الثانية الأدبية وعمله في روسيا عقدين في دار نشر يلتقي العديد من الأسماء المؤثرة  المذكورة في الكتاب، يترجم بعض كتبها إلى العربية، يتم تحويلها إلى السينما في روسيا، كرواية الشاطئ ليوري بوندريف، "سوتنيكوف" لفاسيلي بيكوف، وغيرهما، أو بما له  صلة مباشرة مع تلك الأسماء، مثل الأسطورة ليونيد تراوبيرغ، هكذا يُسمى في روسيا لدوره الكبير في سينماها، وهو مخرج ثلاثية مكسيم، يدرّس الخطيب منتصف السبعينات مادة تأريخ الفن السينمائي بمعهد الآداب، كذلك المخرج الشهير نيكيتا ميخالكوف الذي يعقد الخطيب معه برفقة زميله سعود الناصري لقاءً مطولا حول طاولة مستديرة بفندق روسيا أثناء مهرجان موسكو السينمائي الثاني، يحضره الممثل المصري المعروف صلاح نظمي، كذلك الشاعر الكبير سفرونوف، في الكتاب صورة له مع الخطيب، والشاعر المتميز يفتشينكو الذي يلاقيه في مناسبة وأخرى بدار نشر التقدم والمعهد الأدبي، وآخر الكتاب الكلاسيكيين فلاديمير ليدين، يسلّم الخطيب شهادة التخرج، يترجم الخطيب له قصة عن همنغواي، موجودة على موقع "صخر" الثقافي الكبير، والمستشرق الفذ لوتسيان كليموفيتش، مدرس ب الخطيب أيضا بمعهد الآداب، لهما لقاء واسع بصحيفة "الجمهورية" العراقية. من الطريف أن الخطيب يرتاح يوما في فندق بريمورسكايا على البحر الأسود صحبة زميله عصام الماشطة، يلتقيان هناك الممثل الأشهر أندريه ميرونوف وقت تصوير أحد أفلامه، يصل الخطيب بلاغ من مخرج الفيلم عن رغبته في ظهور الخطيب بلقطة مطولة من ذلك الفيلم، لم يكن الدور (التراجيدي) يتطلب من الخطيب غير التمشي على الساحل جوار البحر، وميرونوف يشير إلى الخطيب يقول شيئا حسنا، هكذا تبدأ تنتهي طبعا مغامرة الخطيب السينمائية، بداية نهاية أي مزاح جاد، غير عريض، غير طويل، بعد ذلك يضطر الخطيب الانتقال إلى الشام في ذروة الحرب العراقية الإيرانية ومنها إلى السويد، يقيم دار أوراسيا للنشر، يحلها لاحقا مضطرا أيضا.  كتاب (الثقافة الفنية العالمية من بداية القرن العشرين، سينما، مسرح، موسيقى) تحت الطبع اليوم، مرجع مهم في المستقبل لا مناص عنه لجميع المثقفين العرب، خاصة العاملين في المجالات المذكورة، فهو مزود بقاعدة هائلة من المعلومات عن أهم الأحداث الفنية في حقبة حافلة بالتغيير سواء في السينما، أو المسرح، أو الموسيقى، كذلك تجد فيه أهم الأفكار، أهم الأسماء، أهم التيارات الفنية، ذلك يضع الكتاب في مصاف الكتب الأكاديمية والشعبية الأساسية، باختصار الكتاب عبارة عن خارطة ثقافية كاملة لأمريكا، أوربا، وروسيا.  مراجع الكتاب ب الخطيب لا يخفي حماسه وإعجابه بقيمة ودور المعلومات والتفاصيل الواردة فيه، في لملمة صورة شاملة موزعة، صورة ثقافية واسعة عميقة غير السائدة قبل ظهور الكتاب المذكور، حتى أنه يبتسم يقول: هناك نص آخر تحت النص المنظور، تمسكه بإدراك تبدأ تفهم الفن والعالم كما هما، لا كما يفهمهما سارح مع همه الخاص وشك غفوة في صالة سينما، أو برلمان.
الفن الحقيقي سلاح ناعم  أقوى من النووي. الثقافة الفنية العالمية الجادة تمتلك الإنسان بالحسنى، لذلك لا يخشى الغرب نووي روسيا، بقدر خشيته ثقافتها العظيمة!

2017-03-06