الجمعة 9/11/1445 هـ الموافق 17/05/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
لا تسوية في الأفق/ حماده فراعنه

خلص زبيغنيو بريجنسكي ، مستشار الأمن القومي الأميركي الأسبق إلى أن حل الصراع الفلسطيني الأسرائيلي على أساس حل الدولتين ، بات متأخراً وبالغ الصعوبة في ظل الظروف السائدة ، ويعزو ذلك إلى ثلاثة أسباب :

أولها : تفوق أحد الطرفين ( إسرائيل ) وليس لديه حافزاً لتقديم تنازلات .
ثانيها : ضعف الطرف الأخر ( فلسطين ) ومحدودية خياراته .
ثالثها : عدم وجود طرف خارجي  ( الولايات المتحدة ) ملتزم فعلاً في الدفع بإتجاه السلام .

إذاً موازين القوى والأوضاع السائدة ، والجارية ، فلسطينياً وإسرائيلياً وعربياً ودولياً ، لا تجيز ولا تسمح بالتوصل إلى تسوية واقعية ، أو بفرضها ،  تضمن تلبية الجلاء الأسرائيلي ( جيش ومستوطنين ) عن القدس وباقي أراضي الضفة الفلسطينية  أسوة بما جرى في قطاع غزة حيث تم الأنسحاب الأسرائيلي ، وفكفكة قواعد جيش الأحتلال وإزالة المستوطنات .

لقد خاض شعبنا الفلسطيني خلال سنوات الأحتلال الماضية ، منذ عام 1967 ،  معركتين باسلتين على أرض الوطن وليس خارجه :

المعركة الأولى كانت بالأنتفاضة المدنية ذات الطابع المدني السلمي عام 1987 ، لم يستعمل خلالها السلاح وقدم الشهداء والضحايا من الجرحى والأسرى ، بدون خسائر بشرية إسرائيلية ملحوظة ، ولكن بفعل الأنتفاضة وبسالة الشعب على متاريس المواجهة ، والتعاطف الدولي والعربي وجزء من المجتمع الأسرائيلي ( قوى سلام يسارية وتقدمية وليبرالية ) ، تم إنتزاع الأعتراف الرسمي الأسرائيلي الأميركي بالعناوين الثلاة : 1- بالشعب الفلسطيني  2- وبمنظمة  التحرير كممثل للفلسطينيين  3- وبالحقوق السياسية المشروعة للشعب الفلسطيني ، وعلى أرضية هذا الأعتراف ( إتفاق أوسلو 1993 ) جرى الأنسحاب الأسرائيلي التدريجي من المدن الفلسطينية ، وعودة الرئيس الراحل ياسر عرفات ومعه أكثر من ثلاثمائة ألف فلسطيني إلى وطنهم ،  وولادة السلطة الوطنية عبر صناديق الأقتراع كمشروع وكمقدمة للدولة المستقلة ( إنتخابات  1996 )  .

وكانت المعركة الثانية عام 2000 ، وإنفجرت عبر الأنتفاضة الأستشهادية والمسلحة ، جرى بسببها وتحت ضرباتها ، وقائع الأنسحاب الأسرائيلي من قطاع غزة عام 2005 ، وإزالة المستوطنات وفكفكة قواعد جيش الأحتلال  عنها ، وكان يمكن أن يشكل قطاع غزة وإدارته وتنميته نموذجاً يُحتذى وعنواناً جاذباً للتعددية والديمقراطية وتداول السلطة إعتماداً على نتائج صناديق الأقتراع ، ولكن " الحسم العسكري " من طرف حماس ، وسيطرتها المنفردة ، ونزوعها للهيمنة ورفضها الأحتكام إلى صناديق الأقتراع حال دون تحقيق الرهان على أن تكون غزة النموذج والعنوان الفلسطيني .


ولذلك يمكن القول بثقة أن الشعب العربي الفلسطيني لم يحقق نتائج يمكن المباهاة بها والأستدلال عليها إلا بفعل العمل والكفاح سواء كان مدنياً أو مسلحاً في مواجهة الأحتلال ، وهو حال شعوب الأرض كافة التي حققت الحرية والأستقلال بفعل قدراتها على الصمود والمواجهة وإستنزاف قدرات العدو ومكانته الأخلاقية والسياسية أمام المجتمع الدولي .

هذا هو الدرس ، وهذا هو الأستخلاص ، وهذا هو الطريق ولا طريق غيره ، فالمفاوضات التي جرت في أوسلو تمت على خلفية الأنتفاضة ووقع يومياتها وتداعياتها وتأثيرها ، وأدت إلى وقوع إنقلاب بالمفاهيم الأسرائيلية ، وفي كيفية التعامل مع الفلسطينيين والإقرار بوجودهم على أرض فلسطين ، والتسليم بحقهم  بالحياة والأستقرار ، وأن الحل معهم لا يكون إلا على أرض فلسطين وبالشراكة معهم ، وهو إنقلاب وتوجه وتغيير دفع باليمين الأسرائيلي المتطرف لإغتيال إسحق رابين بإعتباره عنواناً للتغيير الأسرائيلي وإستجابة له  .


[email protected]

2012-09-06