لم تكن الإعاقة يوما حائل دون مشاركة الانسان في الحياة الاجتماعية والاقتصادية وهذا ما أكدته الدراسات والتجارب الإنسانية عبر التاريخ، وإنما القوانين والثقافة المتخلفة والبالية هي السبب في حرمان الأشخاص من ذوي الاعاقة بالاندماج والمساهمة في بناء وتطوير المجتمع بما يناسب قدراتهم، وعند الحديث عن هذه الفئة وحقوقها الإنسانية والاجتماعية، نجد عدم مبالاة وقلة اهتمام وتجاهل لحاجاتهم ولظروفهم، برغم ما يشكلون من حضور في مجتمعنا الفلسطيني، فالكثير منهم تسبب الاحتلال في إعاقته، وهي نتاج مشاركتهم في مراحل النضال الوطني الفلسطيني حتى يومنا هذا، بالإضافة لمن كانت إعاقته لأسباب حوادث، أو صحية أو وراثية وكلها خارجة عن إرادتهم، ورغم ذلك لم تشكل الإعاقة سببا في اعتزالهم الحياة؛ بل كانت دافعا للتقدم والتأهيل والتدريب واكتساب مهارات جديدة تتناسب مع خصوصيتهم، والاستعداد للاندماج الكامل بالمجتمع بإرادة صلبة وبروح إيجابية وحب للحياة والعطاء والمشاركة، وهذا يحتاج من الجميع للتعاون معهم ومشاركتهم في استكمال رسالتهم الإنسانية، واعطائهم الفرصة الكاملة ليكونوا عنصرا فعالا ومنتجا من خلال حقهم بالعمل المناسب واللائق والكريم، فالحياة والوجود الإنساني يقترن بالعمل، والإنسان من ذوي الاعاقة من حقه أن يحقق ذاته ومكانته، ومركزه الاجتماعي من خلال مشاركته في العملية الإنتاجية، واستثماره لقدراته ومهارته في بناء المجتمع وتنميته، فالإنسان يشعر بآدميته وكينونته طالما هو عنصر فعال ومشارك في العملية التنموية بإيجابية وفعالية، والعمل حق لكل إنسان قادر عليه، وهذا ما تنص عليه القوانين والتشريعات الدولية والعربية والوطنية، وهو حق من الحقوق الأساسية للإنسان التي يجب الحفاظ عليها، وفق معايير العمل اللائق والتي تحفظ كرامة الانسان العامل، بعدالة ومساواة وبدون تمييز، وبما يحقق لهم دخل يضمن مستوى جيدا من المعيشة.
وعلى الصعيد واقعنا الفلسطيني قد أصدر المشرع الفلسطيني العديد من القوانين لحماية هذه الفئة من الأشخاص ذوي الإعاقة وذوي الحاجات الخاصة، لضمان دمجها في المجتمع، وتنص على حق ذوي الإعاقة بالعمل والانصاف والدمج الاجتماعي، ومنها القانون الأساس، وقانون رقم 4 لسنة 1999 لحقوق ذوي الإعاقة، وقانون العمل رقم 7 لسنة 2000، والذي أكد على حقهم بالعمل، بنسبة لا تقل عن 5%، وهذا بهدف حفظ التوازن الاجتماعي، والزام المشغلين بتشغيل عمال من ذوي الإعاقة بمهن تناسب إعاقتهم، ومنحهم فرصة بالعمل والمشاركة في العملية التنموية، وبرغم ذلك ما زال هناك قصور وبطالة في صفوفهم عالية..؟!، وعدم التزام بالقانون، وتتجاهل واضح؛ فحجم التدخل لا يرقى لمستوى معاناة هذه الفئة من أبناء شعبنا وفي خاصة فرص العمل، فالمتابع لجهات التشغيل في مجتمعنا الفلسطيني ومنها الحكومة، ووكالة الغوث الدولية، والقطاع الخاص والأهلي، يلاحظ تجاهل في حقهم بالعمل، وعدم التزام بتشغيلهم بهذه النسب التي ينص عليها القانون، وهذا يحتاج لوقفة جادة من الجميع انطلاقا من واقع المسئولية الاجتماعية، لتقدير الموقف ووضع اليات جديدة لدمج هذه الفئة الاجتماعية في العملية التنموية والتشغيل، فمعظم التجارب السابقة اثبتت مقدرتهم العالية، برغم الإعاقة على استكمال حياتهم بالمجتمع والقيام بواجباتهم وإنجاز المهام التي توكل لهم وفق قدراتهم،- ومن منا كامل يستطيع فعل كل شيء؟!- من هنا نري ضرورة لتحمل المسئولية من الجهات المسئولة كلا في اختصاصه وإعادة دراسة الواقع، وتقدير الموقف والعمل على تذليل العقبات أمام الأشخاص ذوي الإعاقة بإعطائهم فرصة حقيقية للاندماج الاجتماعي والحق بالعمل، وذلك باتخاذ عدة خطوات يمكن البناء عليها استراتيجية تدخل ومنها التالي:
أخيرا لا أريد الاطالة في الموضوع برغم أهميته وضرورته بما يحمل من إبعاد إنسانية واجتماعية واقتصادية وثقافية تخص فئة مهمة في مجتمعنا من بناتنا وأبنائنا ذوي الاعاقة التي حكمت عليهم الظروف، لأسباب خارجة عن إرادتهم أن يكونوا بحاجة للدعم والمساندة من الجميع لتخطي الصعاب وكي يستطيعوا أن يكملوا رسالتهم الإنسانية في الحياة، وحقهم بالعمل كغيرهم من البشر ما داموا قادرين عليه، ولا يوجد ما يمنع مزاولتهم لمهن ووظائف وأدوار تناسب قدراتهم ومهاراتهم، والواجب دمجهم في بيئة العمل والعملية الاقتصادية، فالتجربة اثبتت بأنه لا يوجد مستحيل، وقد سجل التاريخ العديد من قصص النجاح والتميز للإنسان من ذوي الإعاقة في كل ميادين العمل، وحقق إنجازات ونجاحات في خدمة المجتمع والإنسانية، وواجبنا جميعا كمجتمع فلسطيني بكل أجهزته ومؤسساته ان نساعد في منحهم الفرصة والحق بالعمل بدون قيود أو تعقيدات قد تمس بإنسانيتهم وكرامتهم.