الإثنين 20/10/1445 هـ الموافق 29/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
سلم لي على إسماعيل يا سين !!... عبد الهادي شلا

 توقفت كثيرا حين وقعت عيني على شريط مصور يتحدث فيه المرحوم الفنان"نور الشريف" في جمع من الفنانين يرأسه الرئيس"عبد الفتاح السيسي" وكان الفنان نور يشيرأو يلفت النظر إلى قيمة الفن والفنان وما يجب أن يكون عليه الحال ليرتقي بذائقة العامة ،وأن تأثير الفن في الشعوب وثقافتها معروف وثابت على مر التاريخ وفي كل العصورلا يقل عن تأثير أي نوع من الإبداع أو الإكتشافات حين يكون رفيعاً ذو قيمة تقع في نفس المواطن.

 

استشهد الفنان بقصة جاءت على لسانه كالتالي:(في إحدى زيارات الرئيس جمال عبد الناصر إلى المملكة المغربية وكان برفقة ملك المغرب وبينما الموكب يمر بين جموع الناس اتجه إليه مواطن مغربي بعفوية و تخطى كل ما يحيط بهما من حراسة حتى وصل إليه وقاله له :"سلم لي على إسماعيل ياسين...!!".

 

كانت الجملة غريبة و قوية في مضمونها حين توقف نورالشريف عند هذه الصورة التي استشف منها قيمة الفنان وتأثيره في نفس المشاهد والمتلقي وكيف أن عفوية هذا الرجل أخذته بمجازفة غير محسوبة في مثل هذه المواقف ليقول لرئيس أكبر دولة عربية وصاحب العظمة الإنسانية أن يُبلـّغ سلامه لفنان أضحك و أثر في الشعب العربي وليس المصري فقط وهو على يقين بأن الرئيس يعرف من هو إسماعيل ياسين وربما كان في اعتقاد الرجل أن إسماعيل ياسين صديقاً شخصيا للرئيس أيضا !!

 

لعلنا نتوقف نحن أيضا عند ما يجري في عالم الفن وما يقدم من "إسفاف" في أكثره وما به من فراغ فكري وتثقيفي لنقول بأن الفنون في بلادنا العربية في زمن قريب كانت قد مرت بفترة ذهبية بقيت منبعا يصب حتى الآن في نفوس أصحاب الذائقة الرفيعة والذين يغارون على الوطن من السقوط في مستنقع الهبوط الذي يتسع و يزداد في تسلطه على كل ما هو جميل من القيم الرفيعة.

 

لا يمكن أن نُعفي المواطن من أنه مشارك فيما يُقدم له من هبوط يتحكم فيه سوق لا يراعي حرمة للعقل ولا يؤدي دورا يرتقي بالفرد،فهو مشارك لأنه يتفاعل مع ما يصله لأكثر من سبب يبدأ من عدم الإهتمام بالثقافة الفنية و أن الأمر متروك لما يقوم به الفرد من ذاته و الذي يحتاج إلى توجيه لو أنصفناه، وثانيهما هو حالة الضجر والضغوط الحياتية التي تجعله يتابع كل ما يقدم له دون تقنين أواهتمام فهو يرى أن كل الأيام متشابهة إن لم تكن أكثر ظُلمة فيجد فيما يقدم له هروبا مما يعاني ظنا بأن فيها حل يمكن أن يريح نفسه و يساعده على تحمل المزيد من الصدمات!!

 

لكن هذا لا يكفي كي نبرراستقبال ما يُقدم في عالم الفن،وإن تصحيح المسار يحتاج إلى خطة ترعاها الدولة وتضع على رأسها من تتوفر فيه إمكانيات الخروج من المأزق الكبيرالذي يعيشه الفن ويعاني منه كثير من الفنانين الذين احتجبوا حفاظا على تاريخهم وكرامتهم أو ماتوا في عوز والفقر وهو ما حدث مع كثير من الفنانين الكبار الذي رحلوا عن عالمنا بعد أن تركوا إرثا فنيا ما زلنا نعيشه على أثره.

 

وهذا الأمر لو رجعنا قليلا لوجدنا أن بعض الدول العربية حين وضعت الخطط التي هدفت لبناء "الإنسان" قبل الحــَجـَر حصلت على إنسان جديد لكن الحالة حين خرجت عن السيطرة وانفلت العقال تم تغييبه وإفساد ذائقته!!

2021-08-23