الأحد 12/10/1445 هـ الموافق 21/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
مدى شرعية انهاء عقد العمل عند بلوغ العامل سن الستين....المحامي حسام عرفات

 قد يقوم صاحب العمل بتحديد سقف زمني لإنهاء عقود العمل تتمثل بوضع سن معيّنة للتقاعد في اللائحة الداخلية للمُنشأة، كأنْ تَتَضمَّن تلك اللائحة شرطاً يقضي بإنتهاء عقود العمل عند بلوغ العامل سن الستين، ويفعل ذلك العيدي من المؤسسات في فلسطين مثل البنك العربي.  

ولم ينص قانون العمل رقم 7 لسنة 2000م على هذه الحال، وبالتالي يُثار السؤال حول الطبيعة القانونية لهذا الشرط، وأثره على تصنيف هذا العقد بين عقد محدَّد أو غير محدَّد المدَّة، كما يُثار السؤال حول مشروعية قيام صاحب العمل بإنهاء عقود عماله عند بلوغهم سن الستين .

وقد استقرت محكمة النقض الفلسطينية على اعتبار عقود العمل التي تتضمن مثل هذا الشرط (شرط الستين سنة) عقدا غير محدد المددة اذا تجاوزت مدة خدمة العامل السنتين المنصوص عليها في المادة 25 من قانون العمل الفلسطيني، ولم تعتبره – بحق- عقدا محدد المدة  . 

الا ان محكمة النقض الفلسطينية لم تستقر على اعتبار انهاء عقد العمل الذي يتضمن شرطا بانهائه عند بلوغ العامل سن الستين فصلا تعسفيا ام لا ، حيث قضت باعتبار هذا الانهاء  فصلاً تعسفياً في بعض الأحيان وفصلاً غير تعسفي في أحيان أخرى ([1]). وفي حكم حديث  لها في العام 2019 ، اعتبرت ان هذا الشرط يخالف نص المادة 35 من قانون العمل الفلسطيني رقم 7 لسنة 2000 الذي حدد بشكل حصري حالات انتهاء عقد العمل الفردي ، والتي ليس من بينها بلوغ العامل سن الستين ، وقضت باعتبار الفصل تعسفيا يستلزم تعويض المدعي تعويضا عن الفصل التعسفي وفق نص الفقرة الثانية من المادة 46 من قانون العمل الفلسطيني رقم 7 لسنة 2000 [2].

ونحن نرى أنَّه لا داعي لهذا التناقض، حيث أنَّ المسألة الرئيسية هنا، هي تقرير ما إذا كان عقد العمل الذي يَتضمّن بنداً بإنهائه عند بلوغ العامل سن الستين عقداً محدَّد المدَّة أم غير محدَّد المدَّة، فإذا اعتبرنا هذا العقد محدَّد المدَّة – وهو غير ذلك- فإنَّه لا يمكن تطبيق الفصل التعسفي عليه حيث أنَّ الفصل التعسفي أمر محصور في العقود غير محدَّدة المدَّة كما هو منطوق المادة 46 من قانون العمل  رقم 7 لسنة 2000م.

وقد نصت المادة (25) من قانون العمل لسنة 2000م، على أنَّه (لا يجوز أنْ تزيد المدَّة القصوى لعقد العمل محدَّد المدَّة لدى نفس صاحب العمل بما في ذلك حالات التجديد على سنتين متتاليتين). ولذلك فإنَّ العقود التي تزيد مدّتها عن سنتين تُعتبر عقوداً غير محدَّدة المدَّة، وتُطبّق عليها نظرية الفصل التعسفي إذا توافرت شروطه التي حدّدتها المادة 46 من القانون. وعلى هذا فإنَّ إنهاء عقد العمل بسبب بلوغ العامل سن الستين ليس سبباً مشروعاً لإنهاء العقد ويُعتبر تعسفياً إذا لم يكن الإنهاء مستنداً إلي أسباب موجبة وحقيقية ولغير هذا السبب.

وقد تناول القضاء في مصر والأردن هذا النوع من العقود، وقضت المحاكم المصرية باعتبار وضع سن معينة لتقاعد العامل يؤدي إلى إنتهاء العقد تلقائياً ببلوغ العامل هذه السن دون حاجة إلى إخطار سابق من قبل أي من الطرفين، واعتبرت محكمة النقض المصرية أنَّ استمرار العامل في عمله بعد بلوغ سن التقاعد تلك وبموافقة صاحب العمل، يعني أنَّ عقداً جديداً غير محدَّد المدَّة قد نشأ بين الطرفين، ولا يجوز إنهائه بدون إخطار سابق ودون أسباب موجبة للإنهاء([3]). أمَّا محكمة التمييز الأردنية فقد تناقضت قراراتها بهذا الشأن، إلى أنْ استقر قضائها باعتبار إنهاء عقد العمل عند بلوغ العامل سن التقاعد المحدَّدة في اللائحة الداخلية للمُنشأة غير تعسفي، مما يعني أنها اعتبرت هذا النوع من العقود غير محدَّد المدَّة ([4]).

 

 

([1]) - أنظر حكم محكمة النقض  المنعقدة في  رام الله  في الدعوى الحقوقية رقم 104 لسنة 2009م ، المنشور بتاريخ 27/9/2009م ، المنشور في المقتفي على الرابط التاليhttp://muqtafi.birzeit.edu/courtjudgments/CJFullText.aspx?CJID=58314. وقد قضت المحكمة في هذا الحكم  بمشروعية الإنهاء لعقد العمل  وعدم اعتباره تعسفياً  ( طالما أنَّ صلاحية تمديد عقد العمل  بعد بلوغ سن الستين هي مسألة جوازيه لصاحب العمل). أنظر أيضاً حكم محكمة النقض  المنعقدة في  رام الله  في الدعوى الحقوقية رقم 835/2012م، الصادر بتاريخ 20/4/2015م . وقد اعتبرت المحكمة في هذا القرار إنهاء العقد عند بلوغ العامل سن الستين فصلاً تعسفياً .

[2] - راجع قرار محكمة النقض الفلسطينية رقم 652/2015 ، الصادر بتاريخ 16 ديسمبر 2019 ، والمنشور على موقع (مقام) موسوعة القوانين والاحكام الفلسطينية على الرابط الاتي : https://maqam.najah.edu/judgments/7510/

([3]) - أنظر نقض مدني مصري ن طعن رقم 540 لسنة46 ق ، جلسة 22/2/1982م، الموسوعة القضائية، الجزء الخامس ،ص145 . أنظر أيضاً نقض مدني مصري ، طعن رقم 1219 لسنة 51 ق ، جلسة 6/4/1987م ، الموسوعة القضائية ، الجزء السابع ، ص109.مشار إلى هذه القرارات في د.محمد أحمد عجيز ، الإنهاء الاتفاقي لعلاقات العمل ، ص 20. واعتبرالقضاء المصري ان وجود شرط في العقد يقضي بانتهائه عند بلوغ العامل سن الستين لا يُحيل عقود العمل من عقود غير محدَّدة المدَّة إلى عقود محدَّدة المدَّة ، حيث ما تزال إمكانية الإنهاء بإرادة أحد طرفيه قائمة على الرغم من هذا التحديد. أنظر في هذا الصدد: نقض مصري ، 8 يناير 1969م، مجموعة أحكام النقض ، س20 ، ع1 ، رقم 20 ، ص61.مشار إليه في د.حسن كيرة ، أصول قانون العمل ،  ، ص780.وأنظر أيضاً نقض مدني مصري ، طعن رقم 344 لسنة 34ق ، جلسة 26/3/1969م، الموسوعة القضائية ، الجزء الأول ، ص226. وأنظرأيضاً نقض  مدني مصري ، طعن رقم 483 لسنة 29 ق، جلسة 20/1/1973م ،الموسوعة القضائية ، الجزء الأول ، ص264 .وكذلك نقض مدني مصري ، طعن 443 لسنة 35 ق ،جلسة 26 /5/1971م،الموسوعة القضائية ،الجزء الأول ، ص263. مشار لكل هذه القرارات في د.محمد أحمد عجيز ، الإنهاء الاتفاقي لعلاقات العمل ، ص 20.

([4]) -   ففي حكم لها  في القضية الحقوقية رقم 3038/2002م قضت محكمة التمييز بأنْ (يُعتبر فصل العامل لبلوغه الستين من عمره فصلاً تعسفياً لعدم ورود ذلك ضمن الحالات التي نصت عليها المادة (28) من قانون العمل). أنظر تمييز حقوق 3038/2002م، المشار إليه في بحث أعده الأستاذ أحمد صويص بعنوان (بحث قانوني حول القضايا العمالية) المنشور على موقع محاماة نت على الرابط التالي : 

http://www.mohamah.net/answer/22695 تاريخ الزيارة . ثم عادت وقررت في القضية الحقوقية رقم 1158/2004م بأنَّ :  (إنهاء خدمات العامل لبلوغ الستين سنه من العمر لا يُعتبر فصلاً تعسفياً) لأنَّ قانون العمل الأردني  "..لم يرد فيه أي نص يحظر على الجهة المدعى عليها (صاحب العمل ) إنهاء خدمة أي موظف قبل بلوغ سن الستين وعليه فإنَّ مطالبة المدعية ببدل أجورها حتى بلوغها الستين من عمرها تستحق الرد لعدم استنادها إلى أساس من الواقع والقانون). وبسبب هذا التناقض فقد حسمت محكمة التمييز الأردنية أمرها وأزالت هذا التناقض في قراراتها بأن قررت في حكم حديث لها في هذا الخصوص (. أنَّ الفصل لبلوغ الستين سنه لا يعتبر فصلاً تعسفياً ..." أنظر حكم محكمة التمييز الأردنية في القضية الحقوقية رقم 3282/2008م ، المشار إليه في بحث للأستاذ عطا المناصير بعنوان (مقال قانوني هام عن الفصل التعسفي بسبب التقدم في السن) منشور على موقع محاماة نت على الرابط التالي:  http://www.

        

       

2023-04-06