السبت 18/10/1445 هـ الموافق 27/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
جدوى دراسات الجدوى الاقتصادية التي لا تعيها الحكومة....محمد عزت الشريف

  لا جَدوَى في حكومةٍ لا تَعلَم أيّ جدوى لدراساتِ الجدوى!.

لقد صُدِمتُ من تصريح أكبر مسئول عن الملف الاقتصادي لواحدة من أكبر الدول في الشرق الأوسط من العالم، و هو يكشف لنا عن سر إبداعات حكومته التي أنجزت غالبية مشروعاتها الكبيرة - على حدّ قوله -دون الرجوع إلى أيّ دراساتٍ للجدوى الاقتصادية!

و يعلن أنهم لو كانوا يعتمدون على دراسات الجدوى الاقتصادية للمشروعات ما كانوا أقدموا على تنفيذ كل تلك المشروعات من الأساس، و في زمنٍ قياسيّ أقل مما ينبغي حسب ما تحدده الدراسات!

إن هذه السيولة و عدم المسئولية في إطلاق مثل تلك التصريحات " الهمايونية" يجعلنا مضطرين إلى إعادة النظر ليس فقط في حكوماتنا و مستوى مسئولي الملفات الاقتصادية فيها فحسب، بل يدفعنا لإعادة النظر في مفهومنا الجمعي العام لمصطلح دراسات الجدوى الاقتصادية.

و من هنا كان موضوع بحثنا هذا الذي قصدنا منه توضيح معنى مصطلح دراسات الجدوى الاقتصادية، بأسلوبٍ مُبسَّطٍ و يسيرٍ يتسنّى فهمُه حتى لغير المتخصصين: دراسات الجدوى الاقتصادية لتبسيط معنى هذا المصطلح سنَعمَد إلى تفكيكه لثلاثِ كلماتٍ يتكوَّن منهن المصطلح: (جدوى/ اقتصاد/ دراسات) الجدوى: مفردةٌ تعني في اللسان العربي "النفع".

والاقتصاد : يمكنني تعريفه هنا بشكل بسيط و مختصر بأنه " الحصول على أفضل مردود بأقل الموارد و الجهود". و إلى هنا يصح لنا أن نقول أن الجدوى الاقتصادية تعني: تعظيم النفع. و التَوَصُّل للبديل الأنسب الذي يحقق لنا تعظيم ذلك النفع لا يأتي إلا من خلال مجموعة إجراءات.. و هي ما تُسَمّى بالدراسات. والدراسة : يمكنني تعريفها هنا استناداً لقواميس العربية بأنها " تذليل الشيء لفهمه و تحليله و الإفادة منه". و هنا يكون قد اكتمل لدينا التعريف العام المبسط للمصطلح: دراسات الجدوى الاقتصادية و الذي يعني: " مجموعة الاجراءات التي نقوم بها من أجل تحديد أي الخيارات التي يُتَوَخّى منها تعظيم النفع للفكرة أو للمشروع الذي نحن بصدد تنفيذه". الهدف من دراسات الجدوى إن جوهر الهدف عموماً هو في: المفاضلة بين النظائر التنافسية. و تختلف نتائج المفاضلة تلك تبعاً للمعايير المعتمدة للحكم على مدى أفضلية تلك النظائر. و نجاح عملية المفاضلة إنما يعتمد بالأساس على المعيار المعتمد للمفاضلة. معايير المفاضلة من أهمها: - معيار صلاحية الفكرة. - معيار التكلفة و العائد. معيار الأهداف المتوخّاة. اختيار معايير المفاضلة إن مهارة صاحب المشروع هنا سواء كان من الحكومة أو من القطاع الخاص هي في صحة اختيار المعيار الذي على أساسه نفاضل بين النظائر أو البدائل. و اختيار المعيار المعتمد للمفاضلة في حالة الأفراد أو الشركات الاستثمارية يختلف عنه في حالة المؤسسات الخيرية او الحكومية. - ففي حالة الأفراد أو الشركات الاستثمارية الخاصة يكون المعيار المقبول هو معيار "التكلفة و العائد" ويكون الهدف دوماً هو في تحقيق أعلى عائد مادي، بأقل التكاليف الممكنة. - أما في حالة المؤسسات الخيرية أو الجمعيات الشرعية فإن المعيار المقبول لن يكون هو تحقيق أكبر عائد مادي على وجه الحصر ، بل تقديم أجود و أكبر الخدمات لمحتاجيها من الأفراد و الجماعات. - اما في حالة المؤسسات الحكومية فإن معيار المفاضلة بين البدائل هو معيار الهدف، و هذا عادة ما يتطلب دراسات مستفيضة. فقد لا يكون الهدف من إقامة المشروع هدفاّ مادياً، و قد لا يكون خيرياً، بل قد يكون سياسياً، او معنوياً، أو تنموياً، أو تربوياً، أو بيئياً.. إلخ. فإن كانت الحكومات لا تَعي ذلك فهذا ضلالٌ، و إنْ كانت تعيه ولا تعمل به فهذا فساد!

فالحكومات الرشيدة لا يكون دورها، ولا هدفها الأساسي في المجتمع هو في كسب الأموال وجبايتها فحسْب، و إنما دورها في رعاية الوطن أفراداً و مؤسساتٍ رعايةً كاملة. و من الأهمية بمكان مراعاة ألا تتضارب مشروعات الحكومة مع مشروعات القطاع الخاص، بل و ألا تتقاطع مع السياسات العامة للحكومة نفسها .

إنّ دراسات الجدوى الاقتصادية التي يجب أن تقوم بها أيّ حكومة و هي بصدد إقامة مشروع ما إنّما هي بحرٌ مُتّسِعٌ لا يمكن الإحاطة به في مثل مقامنا هذا. و إن ما نود أن نؤكد عليه عند هذا الحدّ أن إنكار أهمية دراسات الجدوى الاقتصادية لا يتأتّى إلّا من أُناسٍ بدائيين لم يُدرِكوا (أو يُدركهم) عصر الاقتصاد و لم ينالوا حظاً من البحث و الدراسات، و بالمحصلةً فلا جدوى البَتّةَ مما مضى منهم..

و لا جدوى مِمّا هو آت!. (و للموضوع بقية).

2023-06-05