الأربعاء 22/10/1445 هـ الموافق 01/05/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
على قيد العودة .....هند يوسف خضر

 لم يعد باستطاعته ارتداء ثوب المنفى المطرز بالليل أكثر من ذلك ،وجع الاغتراب ينهش روحه صباحاً مساءً ،يلاحق كل ذرة أمل تزحف على مفاصله وتزيده إصراراً على العودة رغم القليل الباقي من عمره .. أبو خالد يخرج من بيته صباحاً باتجاه عمله في وكالة الغوث ،يتأمل المارة الذين يذهبون إلى وظائفهم ،كذلك تقع عيناه على الأولاد الذين يقصدون مدارس وكالة الغوث ،تثير هذه المشاهد في داخله الرغبة بأن يفترش أرض وطنه و يلتحف بسمائه ،كيف لا تزداد رغبته اشتعالاً باحتضان تراب وطن ينتمي إليه ولم يشاهده بأم عينه ؟!

هذا الرجل الذي يقطن في أزقة المخيمات مسكون بعشق ممنوع من الصرف لأولى القبلتين وثالث الحرمين ،إنه بحالة شوق لعناق الأقصى وتقبيل جدار كنيسة القيامة ،تجتاحه نوبات الحنين ليشم رائحة الزعتر وخبز التنور، يسيل لعابه ما إن يشتهي أن يتذوق عنب الخليل ،برتقال حيفا ويافا و زيتون جنين ... إنه يعي تماماً ما معنى أن يعيش الإنسان متغرباً عن وطنه ،في بلاد ليست له ،ليس له سوى شاهدة قبر تحتضن جسده الذي أرهقه وجع الانتظار ،يحدق في المدى البعيد ، تارةً يشعر بأنه لن يُمنح تذكرة السفر للعبور من جليد المنفى وتارةً أخرى يأمل أنه سيتحسس دفء العودة براحتيه ذات نهار .. هكذا يمضي أبو خالد أيامه على قيد العودة ... طعم المنافي لا يشعر بمذاقه إلا من ذابت مرارته تحت لسانه .

القاصّة هند يوسف خضر ..سورية

2023-09-04