الخميس 23/10/1445 هـ الموافق 02/05/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
ثالوث ..الشر (فرعون-هامان-الملأ) ....بقلم الدكتور مدحت محمد العزب

 

 ثالوث الشر الذى عبر عنه الله سبحانه وتعالى فى،كتابه المعجز ،عن تحالف هذا الثالوث الطاغية للحكم عبر كل العصور، منذ فجر التاريخ ،والى قيام الساعة.

فرعون يمثل سلطة الحاكم الطاغية المستبد الذى لا يرى الا نفسه ،وانه ظل الله فى الأرض، نصف اله ،لا راى الا رأيه، ولا حكم الا حكمه، ولا ولاء الإ له ،بعيدا عن مصلحة الأرض والشعب.

وفرعون هو كل حاكم فى الانظمة المستبدة على مر العصور ،لا تعرف الحكم القاىم على دولة المؤسسات، ولا تعرف ابسط قواعد الديمقراطية ،او اختيار الشعب لحاكمه ،وتلاحم مؤسسات الدولة والحكم لمصلحة الأرض والشعب.

اما هامان فيمثل السلطة التنفيذية بوزراء الحاكم المستبد ،الذين هم مجرد العوبة و سكرتارية له ،لا يرون الا رضاه ولا ينفذون الا اوامره ،سواء خاطئة ام صاىبة، ضارة ام نافعة ،لمصلحة البلد ام ضدها، يكتفون بمراكزهم وما يتحصلون عليه من اموال و نفوذ.

ويمثل هامان كذلك، كبير كهنة فرعون ،الظهير الدينى للسلطة المستبدة ،سواء كاهن او حاخام او فقيه سلطان ،يلوون الفتاوى الدينية لمصلحة الحاكم و بسط سلطته الزمانية و  المكانية ،بتخويف الشعب بالفتاوى التى لا تجيز الاعتراض على الحاكم وان كان مستبدا ،و بالطاعة العمياء  والولاء   التام له مهما كانت أفعاله.

ولا يقتصر دور رجال الدين فى الانظمة المستبدة ،على اختلاف دياناتها و عقيدتها، على إصدار الأوامر والفتاوى المؤيدة للسلطة الحاكمة ،بل تتعداها إلى محاولة بسط السيطرة على الشعب فى مجالات حياته المختلفة : الاجتماعية ،و الاخلاقية والسلوكية والاقتصادية حسب رؤية ومصلحة الحاكم الشخصية.

اما الملأ  ،فهم طبقة المنتفعين المقربين للسلطة ،فى كل زمان و كل عصر ،من طبقة النبلاء والامراء والاشراف ،و طبقة كبار رجال الأعمال، واعلام السلطة المنافقين بوق الحاكم المستبد ، و طبقة الذين يحمون كرسى فرعون ،من كبار رجال الجيش والشرطة و القضاء.

وقد استطاعت الدول الديمقراطية ،و خاصة فى العصر الحديث ،الخروج من دائرة ثالوث الشر هذا، بإقرار دولة المؤسسات ،و اختيار الحاكم عن طريق الانتخابات التى تعبر عن ارادة واختيار الشعب، و السماح بمراقبة أداء الحاكم و محاسبته  وان يرحل بصندوق الانتخابات كما جاء به ،و دولة مؤسسات تتفاعل و تتناغم فى اتخاذ قرارات و قوانين وأفعال لصالح الدولة والمواطن.

و الوزراء فى هذه الدول الديمقراطية، اصحاب مسؤولية وتكليف ،لا مناصب و فساد واثراء على حساب الدولة ،فهم مراقبون محاسبون مسؤولون عن قراراتهم و ثرواتهم وافعالهم ،امام برلمان الشعب الذى لا يعرف رضاء السلطة او فساد الكرسى.

وفى هذه الدول ،يكون لرجل الدين دوره المنوط به فقط فى الوعظ والارشاد والأخلاق والفضيلة، و ما يمس الجوانب الشرعية الدينية حسب ديانة الدولة ،بعيدة عن التملق للسلطة او السيطرة على الشعب.

وفى مثل هذا المناخ الديمقراطى المسؤول ،فإن طبقة الملأ  تكاد تكون مسيطر عليها ،و ان كان الفساد لا يمكن القضاء عليه تماما فى اى مجتمع ،الا ان نظام يقوم على الديمقراطية و المحاسبة و الرقابة والشفافية ،فإن دائرة الفساد و طبقة المنتفعين و المنافقين و مظاهر الفساد والرشى و استغلال النفوذ تكون فى أضيق الحدود.

2023-11-27