السبت 11/10/1445 هـ الموافق 20/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
الهروب إلى الحرية والهجرة إلى المريخ!/عماد رسلان

لا أخفي عليكم سرا ً بأني مشترك في صفحة على الفيسبوك ترتب لرحلة بلاعودة لكوكب المريخ. ففي عام 2022 ستنطلق أول رحلة للمريخ بمجموعة من المتطوعين وذلك بعد إجراء الإختبارات اللازمة. لقد فكرت بالموضوع كثيرا ً ولا أخدعكم بأني حلمت كثيرا ً بأن أكون على متن تلك الرحلة حيث لاعودة بعدها لكوكب الأرض, وأطلقت حينها أيضا ً العنان لخيالي بتأسيس حياة جديدة هناك حسب إستراتيجة تصفير المشاكل, حيث لاقيود إجتماعية أو دينية أو سياسية أو حتى بيئية.

لا أعرف لماذا فكرت بتلك الرحلة اللعينة التي سوف لن تحدث أبدا ً, ربما تعبت من هذا العالم, أو ربما أنا بحاجة لخلوة مع نفسي أرتب فيها أفكاري, فعالمنا مليئ بالمفاجئات الطائفية هذه الأيام. على أية حال, أن حدث ذلك فعلا ً فإنها بالتأكيد ستكون بداية لحياة جديدة بالنسبة لي, حياة أنا أختارها وأختار مساراتها. لقد ولدت ولم أكن سببا ً في وجودي على هذه البسيطة, ولم أختر شكلي ولاحتى مجتمعي وديني ومذهبي, لم أختر أيضا ً طولي وجنسي أو حتى اللحظة التي ولدت فيها. وكما قال إيليا أبو ماضي...جئت, لا أعلم من أين, ولكني أتيت...ولقد أبصرت قدامي طريقا ً فمشيت.  إذن, أن البحث عن بداية ما, ما هو إلا إختبار لقوة الإرادة أو حتى تمرد على كل تلك القيود التي وضعتني في سياقات الزمان والمكان, أو قل هو بحث أو بالأحرى هروب إلى الحرية. ولكن, ماهي تلك الحرية التي يتبجح بها كل فرد ويطلبها كل إنسان؟ هل نحن أحرار ونستطيع فعل مانريد, أم نحن محكومين بقدر قدره الخالق, وإن كنا محكومين بقدر مقدر فما قيمة عقولنا وكيف ينسجم ذلك مع عدالة الخالق وفكرة الثواب والعقاب. أذن, هو نفس النقاش الدائر منذ قرون بين الشيعة والمعتزلة من جهة والأشاعرة والجبرية من جهة أخرى حول سؤال الجبر والتفويض. 

أن الحرية هي فعل الشيئ أختياريا ً من دون أي تأثير من قوة معنوية أو مادية. ولكن, ربما لا هذا ولاذاك, فالحرية تكمن بالخيارات المتوفرة وليس بالقدرة على الفعل, والخيارات المتوفرة أو المتاحة تعتمد على البنى الثقافية والاجتماعية والسياسية نفسها عندما تسمح بخرق ما بين الحين والآخر. فنحن بإختصار شديد أسرى للقيود الثقافية التي تفرض علينا العادات والتقاليد إذ نقوم بوعي أو لاوعي بإعادة أنتاجها وتوريثها لأبنائنا لتصبح قيود إجتماعية ومعايير لابد أن نلتزم بها ولانحيد عنها قيد أنملة وذلك من أجل المحافظة على الهوية الإجتماعية أو الوجه الإجتماعي. ونحن أسرى القيود السياسية التي تبدأ حربا هنا وتنهي حربا ً هناك. ولاننسى دور الإعلام والدراما التي تصنع ذوقنا وتؤسس لآرائنا ولهذا سميت بالسلطة الرابعة, أما القيود الإقتصادية فنحن نعيش بعالم أنتقل من ثقافة الإنتاج إلى ثقافة الإستهلاك الذي صار يمنحنا هوياتنا الشخصية بل حتى أنه يعطينا معنى الوجود. إنها اللعبة الرأسمالية عندما تأتي الأموال بإستثمار الأموال وليس مقابل الجهد أو العمل.

إذن, التفكير في الهجرة إلى المريخ ماهو إلى حلم أسميه الهروب إلى الحرية وذلك عندما يرفض الإنسان أن يتحول إلى موضوع. فعندما تسيطر علينا القيود المختلفة وتسيرنا حسب هواها سنتحول حينها إلى مواضيع ووكلاء ننفذ أجندات ترتبط بالمال والسلطة والتي تهيمن على تلك البنى والسياقات التي ترسم القيود على أعناقنا وفي أيدينا. أما الحرية فلايمكن فهمها على إنها ترف بل هي مطلب أخلاقي وحاجة إنسانية, ولكن, وبشكل صريح وواضح, لابد من فهم أن هناك علاقة وثيقة وراسخة, أو سأسميها علاقة جدلية ماورائية بين الحرية والوعي. نعم, فالوعي هو الخطوة الأولى نحو الحرية, إذ لاحرية بلا وعي, حتى لو كان الإنسان بلا قيود فهو بحاجة للوعي ليصل إلى شرف الحرية. لا أقصد هنا الوعي الجمعي, بل الوعي الذاتي, أي الوعي بالوجود الإنساني وكل الأسئلة المرتبطة به, كسؤال الهوية وسؤال المسؤولية. أن وجود الوعي يمنعنا من أن نتحول إلى مواضيع بل يحولنا إلى ذوات لها واقع مستقل عن تلك القيود المختلفة, ولايوفر لنا الوعي الخيارات التي تجعلنا أحرارا ً فحسب بل يرشدنا إلى وجود تلك الخيارات ويهيئنا لإغتنامها وعدم تضيعها, بل يتجاوز ذلك إذ يخلق الوعي خيارات خاصة بنا لنشعر بالحرية ولنتجاوز حالة الصمت التي تفرضها علينا تلك البنى الإجتماعية وتلك السياقات الثقافية بخطاباتها المختلفة.

هل يأتي الوعي من الفراغ؟ بالتأكيد لا, فالوعي مرتبط بالمعرفة التي تقوض الأسطورة والمعتقد الزائف, لذلك بناء الوعي قائم على التشكيك, وينطلق من حالة نقدية بحتة باعتباره مساحة أخلاقية مرتبطة بالحرية والمسؤولية. إذن, لاحرية بدون وعي, ولاوعي بلا معرفة. أما المعرفة فهي السلطة , كما سماها فوكو, والتي تمنحنا القدرة على بناء الذات وحينها لايمكن أن نكون وسيلة للوصول إلى غاية أخرى, فالإنسان غاية بنفسه كما سماه إمانؤيل كانت. وهذا بحد ذاته يقوض نظرية المنفعة التي تعتمتد عليها المبادئ السياسية والإقتصادية الغربية, بالخصوص الواقعية السياسية والليبرالية الجديدة.

ربما شطحت كثيرا ً في وصفي لمعنى الحرية وأتعبت القارئ معي, لكني, وبإختصار شديد أحاول أن أبدأ من جديد بهجرتي إلى المريخ. فالحرية لها بدايات واضحة تفصلنا عن الماضي الذي نلقيه ورائنا ولانلتفت له لأنه سوف يعطلنا ويعرقل مسيرة حياتنا. فالبدايات تجعلنا نكسر الروتين ونخرج خارج السياقات والبنى الاجتماعية والثقافية التي تقيدنا. حينها سنرفض أن نكون عبيدا ً لمخططات ترسمها أيدلوجيات ترتبط بالمال والسلطة. نعم, نحن بحاجة إلى البدايات بشكل مستمر فذلك سيشعرنا بأننا أحرار عندما نبحث عن فسحة في جدار البناء الاجتماعي لننفذ منها ونصنع التغيير. فالتغيير, تلك الحركة السحرية, ترتبط بالوعي الفردي أو الوعي الجمعي والذي يساعد على خدش جدار تلك البنى الثقافية والاجتماعية ليهدمها في نهاية المطاف. أما إذا تخلينا عن مطلبنا بالحرية والتغيير فسنتخلى حينها عن المسؤولية وسنكون كالدمى والأدوات لمشاريع سياسية واجتماعية واقتصادية تحركها أيدلوجيات اقليمية أو دولية مرتبطة بالمال والسلطة. فأن لم نبحث عن الحرية والتغيير فسنكون حينها طائفيين من الطراز الرفيع, وإستهلاكيين من الطراز الأول, ودعاة للحروب بأسم القومية والدين. أن الحرية هي الحياة بعينها أما باقي الأشياء فإنها ستكون بلا شك الموت بعينه.

2013-03-03