الخميس 23/10/1445 هـ الموافق 02/05/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
حرية الصحافة ..وحدود القلم ... والنظام !!!/بقلم رمزي نادر

اذكر فيما اذكر قصة رواها الشيخ عبد الحميد كشك رحمه الله في احد خطبه عن شخص كان يتمطى فامتدت يده لتلمس انف الرجل الذي في جواره فسأله الرجل ماذا تفعل فرد عليه أنا حر فقال له الرجل عزيزي" تنتهي حرية يدك عندما تبدأ حرية انفي " إن الحرية مفهوم نسبي فيه من القيود أكثر مما فيه من الإباحة فلا تعني الحرية بالمطلق أنني استطيع أن افعل كل ما أريد أو أقول كل ما ارغب فهناك دائما ضوابط للحرية تنتهي عندما تتعارض مع حرية الآخرين .
قد يعتبر الإعلام و الصحافة من الأدوات الأهم التي تمتلكها الدولة أو المؤسسة وقد استخدم الإعلام حديثا كأحد الأسلحة الإستراتيجية التي لها تأثير كبير على فاعلية المعركة أو تمرير السياسات وفرض الرؤى و توجيه المجتمعات فان الدولة أو المؤسسة التي لا تمتلك إعلامها الخاص هي بالتأكيد تفتقد إلى احد الأسلحة القوية والتي تستخدم في فرض وجودها وتمرير رؤيتها كما أنها ارتضت أن تلتزم جانب المتلقي دون أن يكون لها القدرة على التأثير أو على الأقل حق الرد والدفاع عن ذاتها فيما لو تعرضت إلى أي حملات خارجية وهناك من الدول التي استخدمت الإعلام لإيجاد نفسها على خريطة العالم والتأثير المباشر في المنطقة رغم انعدام تأثيرها الفعلي  .
إذا افتقد الإعلام والصحافة الضمير والأخلاق وأصبح يوجه من جهات غير وطنية فهو لا يقل في خطره و تأثيره عن أي آفة في المجتمع كالمخدرات التي تدمر المجتمع أخلاقيا واقتصاديا وتغيب العقول فأدوات الإعلام أصبحت شريك جبري ملازم لنا في كل لحظات حياتنا يبدأ من الرسائل التي نستقبلها على الجوال والراديو والتلفزيون والمواقع الالكترونية والصحف المطبوعة وغيرها من عشرات الوسائل حتى نصل إلى الإعلام المنقول بالمشافهة ومن ضمنها "الإشاعة" وما صاحب ذلك من تطور هائل في عالم الاتصالات والتي تكاد تكون وصلت كل بيت بشكل أو بأخر .
يقع على عاتق الإعلامي العنصر الأهم في المنظومة الإعلامية واجب وطني وأخلاقي فهو المترجم الحقيقي لكافة التفاعلات التي تحدث في المجتمع وهو بدوره القادر على حملها إلى الجهات التي من المفترض أن تصل إليها وبذلك هو استحق مرتبة السلطة الرابعة التي لم تمنح له وإنما فرضها فرض مئات من الشهداء في مهنة الإعلام وآلاف من المعتقلين منهم على خلفية الرأي فهو أيضا حصل على لقب مهنة المتاعب دون منازع لممارسته سلطة الرقابة .
بالتأكد الإعلامي الذي يطرح نفسه كطرف محايد لن يستطيع أن يرضي كافة أطياف المجتمع الذي ينتمي إليه وفي الغالب هو سيخسر كافة أصحاب السلطة والنفوذ في هذا المجتمع لان الإعلامي الشريف دائما ينحاز إلى مجتمعه ومشكلاته وهذا الانحياز لا يرضي أصحاب القرار وتظهر هذه المشكلة جلية عندما يكون المجتمع مقسم إلى طوائف أو أحزاب فغالبا سيحاسب الإعلامي على الخلفية التي جاء منها سواء طائفية أو حزبية وفي معظم الأحيان لا يكون الحكم موضوعي أو نقدي بناء على الفكرة التي يطرحها الإعلامي .
ليس من العيب أن يكون الإعلامي منتمي إلى حزب ما أو انه مؤمن بأيدلوجية فكرية أو يعتنق ديانة مختلفة أو ينتمي إلى طائفة أو انه من منبت فكري أو ثقافي معين ولكن العيب الحقيقي أن يحاول أن يفرض هذا الإعلامي ثقافته ورؤيته الخاصة على المجتمع فان ما يتوجب عليه هو النظر للأمور من أعلى والحكم عليها بحيادية كاملة وأرائه الخاصة ما لم تتنافي مع الأعراف العامة والقوانين فانه من حقه التعبير عنها وطرحها مع حق الآخرين في نقدها دون التعرض لشخصه أي يتم نقد الأفكار وليس الإنسان ولكن الملاحظ على معظم السجال الإعلامي والأفكار التي تطرح في المجتمعات العربية أن منبتها متأثر بشكل كامل بخلفية الانتماء العرقي أو الديني أو السياسي فلم ينجح الإعلام العربي بتشكيل جبهة وطنية موحدة تعالج مشكلات العرب والتي في غالبيتها متشابهة لتشابه الواقع وتشابك العادات والتاريخ والتقاليد واللغة .
لا توجد حدود لقلم الإعلامي الذي يستطيع ترجمة أي تفاعل للمجتمع مهما صغر أو كبر فهو يستطيع أن يكتب بل إن واجبه أن يكتب كل ما تلحظه عينه ويرصده عقله من حركة المجتمع وردات فعله وايجابياته وسلبياته وتأثير النظام عليه وتأثيره على النظام ولكن أيضا هناك سياج واقي للإعلامي والمجتمع حتى لا يغرق الإعلامي في دوامة المباح وغير المباح وإدراكي المحدود يفتيني بان القانون وحده لن يشكل هذا السياج الواقي ما لم يكن هناك أخلاقيات وضمير لهذه المهنة المقدسة من خلال البحث عن الحق والحقيقية وما ينفع المجتمع ويسهم في توثيق الصلات فيه وان يكون قلمه قلم الله في الأرض وليس قلم الشيطان .
حرية الصحافة هي كلمة تطلق في كافة المناسبات الاستعراضية التي يواجه فيها المسئول كاميرات الإعلاميين ولكن عند التطبيق تتلاشى هذه الحرية لتقارب الذوبان فظني أن الحرية التي يتحدث عنها الجميع والمسموح بها هي حرية التعبير في نقد المعارضين وعندما يوجه النقد إلى النظام يكون الإعلامي اقترب من المحظور فمتى سيفهم الجميع إن الإعلامي عندما يعري حقيقة أو يسلط الضوء على مشكلة هو لا يهدف إلى تعرية النظم وإنما يأمل في مساندة المسئول للوصل إلى  ما اخفي عنه وهو بذلك يساند في العلاج والحفاظ على سلامة المجتمع .
إن الإعلامي الذي يلتزم بقواعد المهنة وآدابها وبفتح ملف وفق الأصول ويمتلك كافة الأدلة على ما قاله مهما كان نوعه محرج أو مؤذي للنظام يجب أن يكافأ لا أن يعاقب لأنه ساهم في حفظ سلامة النظام من انفجار المجتمع الذي سيراكم هذه الأخطاء ويعاقب النظام عليها في يوم ما حتى لو انه لم يكن المسئول المباشر عنها وكان المخطأ احد أدوات النظام أو مؤسساته والواقع أكد ذلك أكثر من مرة .
أصبح من غير الممكن أن يتم التحكم في الإعلام  بشكل مطلق ويزداد انفلات الإعلام كلما ذاد التضييق عليها فالإعلام بالنسبة للدولة كالابن المراهق الذي لديه حب الفضول والاستطلاع دائم البحث عن الحرية فان لم يجدها داخلها سيبحث عنها خارجها وهنا مكمن الخطر والنظام الراشد هو من يعي كيفية التعامل مع هذا الابن والحفاظ عليه في داخل بيته يرشده ويغذيه دون أن يقمعه أو يتركه دون عقال .
الإعلام هو المؤشر الحقيقي على قياس المجتمع فهو الترمومتر الذي يؤشر لكافة الزوايا فيه فكلما ازداد حرية الإعلام والرأي كلما كان هذا مؤشر على تقدم الدولة وانفتاح النظام على المجتمع وقدرته على التفاعل معه ومعالجة مشكلاته بشكل مستمر الأمر الذي يحافظ على سلامة العلاقة بين المجتمع والنظام فان التضييق على الإعلام ومحاولة إخفاء الحقائق لا يعني أبدا الحفاظ على النظام وإنما تأجيل الانفجار في وجه النظام وانه أصبح من المستحيل عزل مجتمع ما عن وسائل الإعلام وإخفاء ما يدور فيه .
في الختام وبمناسبة يوم حرية الصحافة العالمي الهدف الذي نتمنى أن نصل إليه يوما ما  أتوجه بالتحية إلى كل الإعلاميين والإعلاميات والى شهداء الواجب المقدس في مهنة الإعلام ومعتقلين الرأي  الذين عبدوا الطريق لمن سبقوهم بدمائهم أملا بان نصل إلى اليوم الذي يصبح فيه الإعلامي يعامل بود من الجميع ممن تصله رسالة الإعلامي سواء له أو عليه وان ينصر الإعلامي مجتمعه وحزبه وطائفته وثقافته وأيدلوجيته التي ينتمي إليها ليس ظالما أو مظلوم وإنما بقول الحق المدعم بالمنطق والانتماء للوطن والشعب .

2013-05-03