تعددت الآراء حول زيارة الدكتور سلام فياض إلى بيت الحكمة بغزة وتباين التحليلات وذهب معظمها إلى السؤال أين كان فياض من غزة خلال سنواته السابقة وبخاصة سنوات ترأسه حكومة تسيير الأعمال منذ العام 2007، وقد تباينت المواقف سواء من حماس أو فتح بين متحفظ ومرحب ثم مخون، فياض بحضوره إلى غزة ألصق بنفسه صفة الجدلية كيف ذلك..
لقد حظي الدكتور سلام فياض باحترام عالمي وذلك لتجاوبه مع المتطلبات الدولية ممثلة باللجنة الرباعية والتي نادت بضرورة تنظيم النظام المالي الفلسطيني واعتماد عنصر الشفافية لمؤسسات السلطة الفلسطينية، فكانت محطة الانتخابات التشريعية عام 2006 والتي تلتها تشكيل الحكومة الفلسطينية من قبل حركة حماس والتي جوبهت بجدار شروط الرباعية وأهمها الاعتراف بإسرائيل فكان القرار الدولي بوقف المساعدات الدولية للسلطة الفلسطينية خلال النصف الثاني من ذات العام، ليتلوه في العام التالي الانقسام الفلسطيني الفلسطيني المستمر، فكانت الحاجة إلى البحث عن شخصية فلسطينية مقبولة لاستمرار العلاقات الدولية وجسرا لمرور المساعدات الدولية إلى الأراضي الفلسطينية فكان فياض أكثر الشخصيات قبولا للجنة الرباعية آنذاك، ترأس الرجل حكومة تسيير الأعمال وأصبح بذلك تحت جناح مؤسسة الرئاسة منفتحا على شراكة عمل مع حركة فتح لتجد فيه حركة حماس ندا لها وأنه غير شرعي وغير مخول أن يمثل الشعب الفلسطيني ومنزوع الشرعية وأنه أداة للاحتلال والطفل المدلل للولايات المتحدة.
قد يبرر بعض المحللين بأن فياض كان مجبرا على تنفيذ أجندة معينة في ظل واقع صعب جعله بين مطرقة اللجنة الرباعية وسندان الانقسام البغيض ولكن لكل مهنة شرف فأين شرف المسؤولية لغزة؟ المسؤولية التي تحدث عنها الدكتور فياض كثيرا "وجود المسؤولين وانعدام المسؤولية ويجب تصحيح المسار فكان الطريق الثالث".
فياض هو صاحب الطروحات التي كانت لا تنسجم مع أهداف حركة حماس عرض عام 2008 خطة مصالحة وطنية على حركتي فتح وحماس ترتكز على مبادرة لجلب بعثة أمنية مصرية الى قطاع غزة تعمل كمحكم وتشرف على نزع سلاح كل المنظمات الفلسطينية وتوحيد أجهزة الأمن، وفياض هو من بادر بقطع رواتب مئات الموظفين في غزة منهم من هم محسوبون على حماس أو أنهم ممن ألق التحية على أحد العناصر المحسوبين لحماس. لقد كان فياض رئيسا للحكومة الفلسطينية الموازية في رام الله له ما له وعليه ما عليه ولكن في كل الأحوال فهو صاحب أجندة والواضح للآخرين أن آلياته العملية دائما كانت منظمة وموجهة.
لقد جاءت الزيارة إلى غزة وتحديدا بيت الحكمة الذي يترأسه الدكتور أحمد يوسف القيادي في حركة حماس تطورا غير طبيعي لجدلية العلاقة واللافت هو عنوان الحوار "نحو رؤية للوحدة الوطنية" لشخصية كانت موضع اتهام بأنها أحد عناصر الانقسام.
من ناحية أخرى يرى بعض المحللون أن زيارة دكتور فياض لغزة ما هي إلا بداية لمرحلة جديدة خاصة بعد الطروحات التي تتسرب ما بين الحين والآخر حول خليفة الرئيس عباس، ولكن قبل البداية يجب التطهر والوجهة غزة سواء لفياض أو لغيره، فقد أضحى حال غزة كحال نهر الغانج في الهند الذي يلجأ إليه الهندوس ليغتسلوا فيه ظنا منهم أنه يزيل خطاياهم ويطهرهم تطهيرا روحيا فمعتقدات الهندوس الغريبة والمبنية على الأساطير تقول أن رمي الأموات في النهر هو حالة تعبدية فإذا ما تم رميهم من الجهة الشمالية قد تجعل الأموات يعودون إلى الحياة بهيئة شخص ميسور الحال وإذا ما تم رميهم من الجهة الأخرى فقد يعودون إلى الحياة ولكن على هيئة فئران أو حمير. والمتأمل يلتمس وجه الشبه الكبير بين غزة والغانج.
لقد كان الأولى بأحمد يوسف ممثلا عن حركة حماس وفياض ممثلا عن سنوات حكمه أن يقدموا اعتذارا للشعب الفلسطيني في غزة وفي مقدمتهم ذوي الرواتب المقطوعة والخريجين وأسر الشهداء والجرحى فيكفي استخفافا بالعقول وانحدارا إلى المجهول فلا طموح اليوم لدينا إلا أن تحترموا عقولنا ومن يريد أن يتطهر فعليه أن يقر بخطيئته أولا، فغزة أكبر وأعظم من أن تكون نهرا للاغتسال وإذا ما سألتهم فستجيدون أن نهر الغانج هو أكثر الأنهار تلوثا في العالم.
بل أن الواجب على كل مسؤول كان نائبا أو وزيرا أو وكيلا أن يعتذر إذا ما أخفق وأخطئ، واذا ما بلغنا هذه المرحلة فإن أبواب التنموية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية ستصبح سمة ملاصقة للحكومة ولحركة التحرر الفلسطينية، فلسان حالنا يقول أنه لا يوجد من يخطأ على مر حكوماتنا ومجالسنا فالكل يصيب أو يصيب.
إذا المطلوب أن لا نستعجل فكر التخوين لتسهيل تحقيق الأهداف فأصل العمل كان يجب أن يبنى على فكر الشراكة والنقد البناء والعمل الوحدوي لبناء الوطن مبتعدين عن الوقوع في فخ الجدلية وتضييع الفكر واستعباط الآخر, وإذا ما أخذتم قرارا في إخراج أحدهم من دائرة الوطنية فلا بد أن يكون القرار مبنيا على رؤية ومقاييس وطنية لأنكم إن أعدتموه إلى الدائرة فقد يخرج بعودته الكثير من الوطنيون أصحاب المبادئ والمواقف الثابتة.