الإثنين 20/10/1445 هـ الموافق 29/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
الروحانية في إيران الجديدة / توفيق أبو شومر

إن سلطات رؤساء الجمهوريات ليست متماثلة في دول العالم، فهي إما أن تكون سلطاتٍ مطلقةً في حالة الدول التي يقودها العسكر، وإما أن تكون سلطات مُقنَّنةٍ في الدول التي تسير وفق القوانين السياسية والمدنية، وإما أن تكون سلطاتٍ محدودةً في مجالات معينة، وغير محدودة في مجالات أخرى مثلما هو الحال في الدول التي تُسَيًَّرُ وُفقَ مجموعة من الأعراف غير المحددة ، في الدول مجهولة الهوية السياسية، الدول التي تخلط بين الدساتير الوضعية والمذاهب الدينية والتكتيكات السياسية!
ويمكننا أن نضع معظم دول العالم الثالث، أو ما يسمى الدول النامية ضمن النوع الأول والثالث من ذلك التصنيف، فمعظم الدول العربية ظلت أسيرة طوال عقودٍ خلت للنوع الأول (النظام الاستبدادي الديكتاتوري العسكري) حيث يقوم الرئيس بدور القائد للجيش النائب عن الشعب الموجه لسياسة الوطن، المالك لمفاتيح الخزانة،والإمام والمشرِّع الديني، فهو ملك ورئيس وإمام في الوقت نفسه.
                                 انتقلتْ إيران من حكم الشاه إلى حكم رجال الدين، وبقي رئيس الدولة يمزج بين الدين والسياسة، وظل النظامُ السياسي في إيران خاضعا للسلطة الدينية أكثر من خضوعه للسلطة القوانين المدنية.
                                      التمهيد السابق توطئة  لتفسير التغييرات الجارية في إيران، وهي بالتأكيد تغييرات تجري على نارٍ هادئة، أفرزتها انتخابات عام 2013  بعد فوز الرئيس الجديد حسن روحاني، هذا الفوز يشير إلى تراجع مؤيدي التيار الديني، أو بتعبير آخر رضوح السلطة الدينية الحاكمة للإرادة الجماهيرية في إيران، وخوف السلطة الدينية من (انتفاضة) أخرى جديدة على غرار انتفاضة عام 2009  إذا فاز المحافظون، وخشية القيادة الدينية بأن تكون الانتفاضة الجديدة هي الأخطر، كل تلك الأمور دفعت التيار المحافظ إلى التسليم بنتائج الانتخابات!
ويجب أن نشير إلى أن شخصية الرئيس الجديد، لها مدلولات أخرى، فهو في التقديرات الغربية والتحليلات السياسية رجلٌ معتدلٌ، بما يعني في علم السياسة:
أنه لن يكون منفذا سهلا للتعاليم التي تصدر من القائد الديني الأعلى خامنئي. فربما يُعتبر فوزه في الانتخابات بمثابة تعديل لصناعة القرار في إيران، فالقرار المركزي لم يعد  حكرا على المرشد الأعلى، بل يمكن أن يقوم روحاني بتغيير العُرف السياسي المعمول به في إيران،والمؤسس على نظام القرار الديني أولا، ليصبح القرار السياسي أولا!
فشخصية الرئيس الجديد شخصية مدنية أكثر منها شخصية دينية، ، فهو يُجيد عدة لغاتٍ أجنبية، كما أنه من رواد الحركة الإصلاحية أي أنه مقرَّبٌ من مرشح الرئاسة السابقة الإصلاحي مير حسين موسوي الموضوع تحت الإقامة الجبرية، من قبل النظام الإيراني.
وهو أيضا رئيس المفاوضين بشأن البرنامج النووي الإيراني، وهو الملف الأخطر في إيران، الملف الذي أوقع إيران في ضائقة عالمية أنتجتْ أزمة اقتصادية كبيرة،ويمكن أن يكون تأثير هذا الملف هو التأثير الأكبر في انتخابات 2013 ، وأتوقع أن يدير الرئيسُ الجديد هذا الملف إدارة وفق الخطوات التالية:
  المحافظة على استمرار البرنامج النووي في حالة النمو المعتدلة للأغراض السلمية، ومتابعة ملف التفاوض حول البرنامج النووي وقبول التفتيش الدولي على البرنامج النووي،  حول هذا المشروع لإفشال التهديدات الإسرائيلية بضرب المنشآت النووية الإيرانية.
السعي الدبلوماسي لرفع الحظر الاقتصادي عن إيران لتحقيق الرفاه الاجتماعي، والإبقاء على التصريحات الإعلامية المعتادة، حفاظا على سلطة المرشد الأعلى!
ترشيد التصريحات الإعلامية حول الملف السوري والفلسطيني، مع فتح أفاق التفاوض مع دول الخليج والسعودية.
العمل على تخفيف سلطات أجهزة الأمن في إيران، وذلك بتغيير القيادات في الحرس الثوري، وتخفيف الرقابة بمختلف أشكالها وألوانها.
            كما أن شخصية حسن روحاني دفعت حتى منتقديه ومعارضي سياسته من المحافظين للتسليم بأنه شخصية أمنية ذات كفاءة عالية ، فهو يشغل سكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي في إيران منذ ستة عشر عاما!
وعلينا أن نعترف أخيرا بأن السياسيين اعتادوا ألا يثقوا بالوعود الانتخابية والبرامج التي يطرحها مرشحو الرئاسة على أتباعهم قبل الانتخابات، فمعظم الرؤساء عندما ينتقلون من خانة المرشحين، إلى كرسي الرئيس  فإنهم لا ينسون مبادئهم فقط، بل ينقضونها أيضا!

2013-06-16