الإثنين 13/10/1445 هـ الموافق 22/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
العرب وغياب الإبداع...عدنان الصباح

  كليا يغيب الإبداع عن العرب ومنذ أمد يكاد يكون بلا حدود لشدة إيغاله في البعد فكل المحاولات التي سعيت جاهدا من خلالها أن أقدم ذلك في مقالي على انه  حقيقة وان للعرب مكانة كبيرة ومشاركة فاعلة في صياغة الحضارة الإنسانية وكل قراءاتي لم تعطيني إلا نتيجة عكسية, أن الإبداع لدينا غائب كليا وأننا امة امتهنت التقليد عبر كل العصور وكل ما أمكنها فعله أنها تخفت تحت عباءة الإسلام وحاولت أن توحد بين الحضارة العربية والحضارة الإسلامية في محاولة مكشوفة للتمويه ولذا فحين نتحدث عن العلماء العرب أو الأطباء أو الفلاسفة أو المخترعين وحتى الأبطال القوميين أحيانا نجد أنفسنا نعدد أسماء لا علاقة لها بالعروبة والعكس صحيح وحين نتحدث عن فن العمارة نجد أننا سطونا على إبداعات غيرنا من الأمم ونسبناها لأنفسنا فنحن خليط عجيب لا شيء يشبهنا إلا كشكول الشحاذين وحالة التغني بالذات هذه لا تعدو عن كونها مجرد أغنيات فارغة لا تستند إلى أية حقيقة على الأرض فكلما أردنا أن نتحدث عن البطولات في أيامنا هذه وجدنا أنفسنا نصرخ باسم صلاح الدين وهو بطل كردي لا عربي سرقناه من كرديته ولم نعد نذكرها لا من قريب ولا من بعيد  كما فعلنا مع محمد علي وابنه إبراهيم وكل أسرته فيما بعد.

مقلدون فاشلون لكل شيء ولا نملك القدرة على صهر وابتلاع وإعادة إنتاج ما يعجبنا من إبداعات غيرنا بل نمارس النسخ الغبي ولعل الحالة الإعلامية التلفزيونية هي أبشع هذه الأشكال لما لها من تأثير كبير على عقلية المشاهد وتفكيره وسلوكه فلا يوجد برنامج تلفزيوني عربي واحد على سبيل المثال تمكن من الوصول للعالمية أو حتى لان يصبح برنامجا شعبيا عربيا يمثلنا كعرب بشكل أو بآخر وقائمة البرامج المقلدة تطول حتى باسماءها من برنامج من سيربح المليون ووزنك ذهب وستار أكاديمي واراب آيدول ولاحظوا الاستخدتم للكلمات نفسها أحيانا فلا إبداع على الإطلاق بل ولا حتى محاولات للإبداع.

كنت قد تقدمت من احدهم ذات يوم بفكرة برنامج تلفزيوني عربي باسم العائلة يقدم فيه نموذج الأسرة العربية المتماسكة والناجحة عبر برنامج شعبي ينشط الفكرة ويدفع بالعائلات للاهتمام بان تكون كذلك أو أن تسعى لتقليد ما تراه كنموذج للأسرة الايجابية, وفكرة أخرى عن الشاب المثقف كنموذج للشباب يحفزهم على القراءة والتثقف والاطلاع على الأدب والفكر وتطوير مفاهيمهم ومبادئهم وقيمهم الايجابية وتغيير مفهوم الجمال عند الشاب والفتاة إلى جمال الخلق والسلوك والمعرفة, وبرنامج آخر بعنوان الشريك يربط بين الشباب العرب والفلسطينيين لإقامة مشروع مشترك فلسطيني عربي على ارض فلسطين وهكذا لكن الرجل ألقى بكل ما كتبت في أدراجه المليئة فهو بحاجة لنموذج غربي جاهز لا يتعب نفسه في التفكير أو المحاولة أو المغامرة لأننا جميعا نخشى الإبداع ونلتصق خلف معاداته بل وجميعنا بداخلنا صغير مقتنع أن الإبداع بدعة خوفا من الجديد والتطور لا إيمانا وتقوى.

في العالم الكثير من المنتجات التي تجتاح الدنيا بأسمائها بدءا من كوكا كولا ووجبات الدجاج واللحم المطحون باسماءه وكل الوجبات السريعة الأخرى وانتهاء بكل المعدات والآلات والأجهزة على مختلف أنواعها ورغم أننا نوصف كأمة تحب الأكل أكثر من غيرها إلا أننا لم نتمكن حتى يومنا من تقديم وجبة طعام عالمية واحدة وطبعا لا احد يتحدث عن منتجات العصر الميكانيكية والالكترونية وغيرها.

إن استمرارنا في حالة الخوف من الإقدام على فعل الإبداع والابتكار سيبقى سبب عجز وتخلف عربي دائم وبامتياز ودون أن نوغل في فعل الإبداع دون خوف أو وجل, من النتائج إبداعا قائما على أوضاعنا وظروفنا وقيمنا بما يكفي ليكون إبداعا عربيا أصيلا يضع أقدامنا على سلم التطور الحضاري الإنساني ببصمتنا الخاصة والمميزة فإننا سنظل نقوم بدور اللاحقين الذين يتعمشقون على سلم الباص الخلفي ليصلوا إلى حيث يريد لهم الآخرين الوصول لا أكثر.

عشرات المحطات العربية برأس مال عربي وكادر بشري عربي تبث طوال الوقت لمجتمع عربي برامج وأفلام أجنبية مترجمة حتى كادت أو أنها ستنجح في المستقبل القريب أن تدفع بكل شبابنا للإحساس بالاغتراب عن واقعهم وحياتهم ومع ذلك يتسابق أصحاب هذه المحطات ودولهم في كبت كل محاولة للانعتاق منهم ومن حكمهم وقيودهم فأنت تبث أفلاما عن الحرية الشخصية والعامة بأشكال وأنماط مختلفة وصارخة أحيانا وتلجأ لترجمة غير حرفية لتخفي بعض المفردات عن بيوتنا في نفس الوقت الذي تشجع فيه إتقان اللغات الغربية كالانجليزية والفرنسية في الشارع والمدرسة والعمل حتى أصبح إتقان لغة أجنبية شرطا من شروط العمل في بلادنا بل ولم يعد احد من شبابنا يقدم مع طلب العمل سيرة ذاتية بالعربية فكيف إذن ستتمكن من الاحتفاظ بأسرة عربية بشروطك وأنت تخترق عقولهم على مدار الساعة بلغة وفكر وثقافة ومنتج غيرهم من النوع الذي تحاربه أي عجب لزمن عجيب وقيادة عجيبة لأمة نائمة قابلة بكل هذا التناقض الخطير.

 

2016-03-29