الخميس 23/10/1445 هـ الموافق 02/05/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
حكاية على هامش تطور العلاقات بين الهند وإسرائيل...م . زهير الشاعر

مع إيماني بأن المعرفة هي السلاح الحقيقي لحالة الوعي التي يحتاجها الإنسان ، وحتى أساهم ولو بالقليل من هذه المعرفة لوقف رحلات الموت التي يقبل عليها الشباب الفلسطيني بغض النظر عن الأهداف النبيلة التي يحملونها في صدورهم ، ظناً منهم بأن هذه الآلية هي التي تحقق لهم الأمل بوطنٍ حر، وبالرغم من نصائح الكثير من الأخوة والأصدقاء الذين يرون أن الوقت غير مناسب للخوض في ملفات لا زال البعض يصر على أن يضع المزيد من التراب عليها حتى تبقى بعيدةً  وغائبة عن التدقيق والمحاسبة، ويسجل لنفسه بطولة ما أو يقفل صفحة سوداء من صفحاتٍ شديدة السواد في تاريخه لم نكن نعلم عنها شيء من قبل، إلا أنني فضلت أن أتطرق لهذا الموضوع من زاويتي الفكرية الخاصة بعيداً عن السياق الذي طرحه البعض وجاء في إطار مزايدات هدفها اختلاس بطولة وهمية لبعض الكتاب والمعلقين من المأجورين.

من هنا فإنني أرى كمراقب لتطور العلاقات الهندية الإسرائيلية ومتابع لها عن كثب في ظل الحكومتين اليمينيتين الحاكمتين في كلا البلدين، وانطلاقا من إيماني بمفهوم أن السياسة هي انعكاس لحالة تطور طبيعية في خلق الجسور التي تفسح المجال أمام بناء العلاقات المتوازنة بين الدول وبعضها البعض ، ولم تكن يوماً نابعة من حالة استغباء أو استبهال أو حتى انعزال، لذلك أود أن أطرح وجهة نظري من منظور آخر بعيداً عن التحليل السياسي البحت خاصة في ظل الظروف الراهنة التي تمر بها المنطقة، وذلك من خلال قراءتي الخاصة بدون التلاعب بالألفاظ وتهييج المشاعر والعواطف التي غالباً ما تُستَخدم من أجل حرف الأنظار عن الحقيقة، وذلك  وراء هذا التطور الطبيعي في العلاقات بين الدول إن تحدثنا بشكلٍ مجرد وبدون تجيير الأمور للمصالح الشخصية التي بات يعتمدها الكثير من الدبلوماسيين الفلسطينيين كنهج حياتي ومهني بعيداً عن المصلحة الوطنية العامة ومتطلباتها الرئيسية.

هذا يأخذني لتفنيد بعض المواقف الإعلامية الفلسطينية بعيداً عن السياسة الهندية التي تنتهجها الحكومة الهندية حاليا،  والتي من حقها أن تتخذ أي موقف تراه مناسباً بأنه يخدم مصالح بلادها في سياق المزاج العام الدولي الذي باتت المصالح هي الحكم الرئيس في تطور العلاقات بين الدول، مستشهداً بذلك بحالة السفير الفلسطيني السابق د. عدلي صادق الذي أنهى حياته المهنية في المجال الدبلوماسي من خلال خدمته في الهند التي مثلت الساحة الأخيرة له للعمل في هذا المجال، وكانت تتزامن مع وصول الحزب القومي الهندوسي "بهاراتيا جاناتا" برئاسة رئيس الوزراء الهندي نارندرا مودي إلى سدة الحكم.

من الجدير ذكره أن د. عدلي صادق انتقد في يوم 10 يوليو 2017 تطور العلاقات الهندية الإسرائيلية بطريقة تحليلية عميقة ظاهرياً،  وذلك من خلال مقال له بعنوان "محور نيودلهي وتل أبيب يتوج مخططات إسرائيل 'للفوز' بالهند" ، حيث أشار إلى أن هذا المحور لم يَدع مختص سياسي أو إعلامي لكي يُقَدِم قراءة للتطور المذهل في العلاقة حتى الشخصية بين رئيسي وزراء عنصريين كارهين للمسلمين حسب تعبيره، والسبب من وجهة نظره هو حالة الهوان الذي يغرق فيه العربان حيث أنهم يخافون وكلهم مكلفون بالدق في بعضهم كما ذكر!.

بعيداً عما جاء في مقال الكاتب والمحلل السياسي د. صادق من تفاصيل استعراضية حول حيثيات تطور هذه العلاقة بين الهند وإسرائيل، أود أن أُذَكِر هنا بأن الهند كدولة كبيرة لا زالت تسعى لأن تحظى بعضوية دائمة في مجلس الأمن الدولي، مستندة بذلك على أنها قوة نووية واقتصادية، وباتت ذات تأثير في الحفاظ على السلم العالمي ، هذا عوضاً عن أنها أصبحت دولة باحثة في مجال التكنولوجيا وعالم الفضاء، كما أن اقتصادها بات يزحف طردياً ليزاحم وينافس اقتصادات دول العالم الكبرى .

من هنا كان الأجدر بعدلي صادق أن يتحدث عما قدمه خلال خدمته كسفير لفلسطين في دولة كبيرة كالهند للحفاظ على العلاقة معها والعمل على تطويرها ، بدلاً من انتقاد الدول العربية أو بعض القيادات الفلسطينية ممن هم على شاكلته من الذين كان يتراقص في أحضانهم في رام الله ويكتب فيهم شعراً خلال الأيام القليلة التي كان يزور فيها السفارة الفلسطينية في نيودلهي ، مكان خدمته في حينه، والتي لم تكن تتجاوز بمجملها الشهرين من كل عام ، حيث  كان يمارس فيها عمله كسفير لفلسطين معزول عن الواقع السياسي الهندي، وباقي العام يتجول مسافراً وباحثاً عن منصب وزير ثقافة أو رئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية أو كسفير لفلسطين في جامعة الدول العربية في القاهرة، كحلم كان يتمناه ، بدلاً من حرصه على تطوير علاقاته مع الدولة المضيفة التي كان يخدم فيها وهي الهند.

هذا إلى جانب أنه كان يصل عمله الساعة الحادية عشرة صباحاً أو بعد ذلك خلال الأيام التي كان يقضيها في الهند ليمارس فيها هوايته المفضلة في نسج الفتن وضرب الطاقم الدبلوماسي والإداري ببعضه ليشغله في قضايا ثانوية تافهة ليس لها علاقة بجوهر العمل الدبلوماسي والحرص على تطوير العلاقة مع البلد المضيف ، ومن ثم العودة لبيته الساعة الرابعة مساءاً ليعود مرة أخرى ليفتح ديوانية النميمة ويكتب مقالته اليومية المدفوعة الأجر وذلك من الساعة السابعة حتى الثانية عشر ليلاً لتتحول السفارة وإمكانياتها بذلك إلى مكتب صحفي خاص يخدم مصالحه الخاصة فقط، وذلك بالتوازي مع انشغال معظم أفراد طاقمه الدبلوماسي في لعب الطرنيب، مطبقاً بذلك مقولة أن الراعي يُطعِم الغنم ويحميها من الذئب إن كان ذلك يصب في صالحه ، والغنم تقضي عمرها خائفة من الذئب، وفي النهاية من يأكل الغنم هو الراعي بعيداً عن المصلحة العامة!.

بالتالي ليس مستغرباً تطور العلاقات الهندية الإسرائيلية إلى هذا الحد من التحالف الذي بات يمثل جزء من محور استراتيجي، كونها جاءت نتاج حصاد العمل الدبلوماسي الفلسطيني الذي كان مبرمجاً  بدقة للفشل في الهند على مدى سنوات طويلة وبالتحديد منذ عام 2009  وما تلى ذلك من ورثة ثقيلة فاشلة أسس لها هذا الناقد لهذا المحور، حيث كان الجانب الإسرائيلي متفوقاً ديبلوماسياً  بلا شك ويسرح ويمرح في الهند،  ويبني علاقات قوية مع كل أطياف المجتمع الهندي ومع أعضاء الحزب الحاكم حالياً قبل وصولهم لسدة الحكم ، وكان عدلي صادق على علم بذلك، ولكنه كان غارقاً في أوهامه ولم يكن يأبه بشيء سوى انشغاله بتحقيق حلمه الموعود معتبراً بأن رحلته الدبلوماسية لا تمثل له سوى بقرة حلوب وظيفتها تغطية نفقات سفرياته وتعطي له متسعاً من الوقت ليحقق خلالها مكتسبات شخصية فقط لا غير ، ظناً منه بأن قطار تطور العلاقات بين الهند وإسرائيل كدولتين وصلتا في الأبحاث العلمية إلى عالم الفضاء ، سيبقى واقفاً في نفس  المحطة ينتظر تحقيق وهمه الذي كان ولا زال ينتظره!.

هذا يعيدني بالذاكرة إلى لقاء تلفزيوني يتيم قام به عدلي صادق وحينها كانت المذيعة الهندية توجه له الأسئلة الصحفية وهو يجيب وكأنه في كوكبٍ أخر غير معلوم منذ الخليقة، وبعيداً عن ما كانت تطرحه عليه من أسئلة سياسية وتتعلق بعمله الدبلوماسي، مما حذا بها إلى إلغاء بث ذلك اللقاء اليتيم، وهذا ما أكده لي إعلامي عربي معروف كان يعمل كمديرٍ لمحطة فضائية عربية كبيرة، بأن اللقاء لن يُذَاع لأن الصحفية خرجت حزينة من المستوى المتدني الذي وصل إليه حال الدبلوماسية الفلسطينية في حينه من خلال ممثلها في الهند عدلي صادق وطاقمه المهووس بفكر المؤامرة وصياغة الفتن والحرص على امتصاص حليب البقرة قدر الإمكان ، وبالفعل لم يتم إذاعة ذلك اللقاء، ولا أريد هنا أن أخوض بالتفاصيل أكثر وأكثر!.

طرحت هذا الموقف حتى أوضح للرأي العام المغرر به من ناحية والذي يتم المتاجرة به وبأحلامه ومستقبله من ناحية أخرى وخاصة الشباب الفلسطيني  المظللين والمخدوعين بوهم أسماء قيادات هم في الحقيقة أناسٌ هزيلة الفكر والانتماء والمكانة ، أناسٌ تعتاش على الغوغائية وتجهل بأن لغة التدليس والهلوسة الإعلامية المبنية على الأكاذيب وصناعة البطولات الوهمية لم تعد تمر مر الكرام ، أقول هذا بالرغم من إدراكي بأن هناك أطرافاً ستغضب من كلامي هذا وهناك أطرافاً أخرى ستسعد به!، وأيضاً عدم إغفالي بأن تهديد سابق قد جاء من طرف أحد المحسوبين على د. عدلي صادق لمحاولة إسكاتي عن قول الحقيقة، مفاده بأن محوسبكم عدلي يشرف على ألف موقع إلكتروني حول العالم وبأنه سيقوم بالتشهير بي إن تطرقت لاسمه في أي موضوع إعلامي!.

هذا يدفعني لأن أؤكد اليوم هنا بعيداً عن خزعبلات وغوغائية  د. صادق وهذيانه ، بأن العلاقات بين الدول لم تعد مبنية على العاطفة والغباء الفكري كما يريد أن يصورها لنا ، وأن هناك مصالح مشروعة تحكم علاقات الدول وبعضها ببعض، وبدلاً من الصراخ والنواح وبيع مشاعر الحسرة المزيفة، فإن الحفاظ على مستوى العلاقات يحتاج إلى إرتقاء مهني وفكري وأخلاقي ، وإلى  جهدٍ ومصداقية وليس إلى نداءات وكأنها خارجة من مستشفى أمراض عقلية ونفسية ،  لضمان تحويل المؤسسات الوطنية لحالة استرزاق واستنزاف ، كما أنها تحتاج للتوقف عن الكذب والتدليس وخداع الرأي العام إن كان هناك إنتماء وطني حقيقي لا انتماء لمكاسب مادية وسعي لتحقيق طموحات شخصية بحتة وغير مستحقة من خلال تغيير الأولوان كالحرابي السارحة !.

أخيراً وبعيداً عن العواطف حتى لو كان في ذلك جلداً ذاتياً ، في تقديري أن الهند وإسرائيل قطعتا شوطاً كبيراً في علاقتيهما مستفيدتين من ضعف الأداء الدبلوماسي والسياسي الفلسطيني، وبهذا القدر أكتفي بعيداً عن الخوض بالتفاصيل الكثيرة والدقيقة التي لو طُرِحَت بالتفصيل ستفضح المستور المتعلق بهذا الشأن بالتحديد والذي لربما سيطال رؤوساً كبيرة جداً!.

كما أنني أقول ليس ألف موقع إلكتروني ولا ألاف ولا مليون منها، تجعلني أن أبيع ضميري وأصمت عن قول الحقيقة ، لا بل أدعوه هو وغيره من رعاة الكذب والتدليس في هذا الزمن الرديء - الذي جلب أمثالهم في غفلةٍ ظنناها نسمة عابرة ولم نكن نعلم بأنها تحمل معها جحيم سيطول معه الألم- ، لأن يكون شجاعاً ويعتذر للشعب الفلسطيني علناً هو وأسياده السابقين من الهمل الذين كانوا يستخدمونه ويضحكون عليه، ويقول بأنه سبب من أسباب ما حل من مصيبة حقيقية نتيجة تراجع العلاقات الفلسطينية الهندية لصالح تنامي العلاقات الهندية الإسرائيلية ، وإن كان يرى غير ذلك، فأمامه الباب مفتوحاً على مصراعيه ليقول لنا غير ما قلنا أو ليفتح الألف موقع على مصراعيها ليُعَرِفنا على أنفسنا ما لا نعرفه نحن وحينها لكل حادث حديث!.

2017-08-02